صباح الخير
غنى المرحوم محمد عبدالوهاب أغنيته الشهيرة ( أنا والعذاب وهواك ) وهو يقصد حبيبته أو معذبته .. أما أنا في العنوان أعلاه فأقصد بلادي التي في دمي وخاطري .. بلادي التي عاث فيها الفساد في البر والبحر ! حتى البحر فسد .. سبحان الله .. ليس بسبب النفايات والسموم الخطيرة التي تسكب في أعماقه ، ولا بالنهب والتخريب الذي ترتكبه شركات الاصطياد العالمية .. وإنما ايضاً بسبب أسعار السمك التي تجاوزت كثيراً أسعاره في الخارج .. علما بأن السمك لمن لا يعرف أو لا يريد أن يعرف هو الوجبة الأساسية للمواطن الغلبان في عدن .. تماماً كطبق الفول بالنسبة لإخواننا الغلابة في مصر ! على أية حال ليس حديثنا هنا عن فساد البحر وإنما هو عن فساد البر .. وفساد البر أشكال وألوان .. هناك فساد الأغذية .. فساد مياه الشرب .. فساد الهواء .. فساد الأخلاق .. فساد الصحة يعني المرض .. فساد اليد يعني البطالة ( اليد العاطلة بطّالة) .. فساد الراتب الشهري الذي لا يكفي يومين ، واحدث أنواع الفساد فساد الميكرفون عندما يصبح الميكرفون مصدر إزعاج وضجيج في حياة الناس ومصدر إساءة بالغة لرسالة المسجد العظيمة .. وأخيراً فساد العقول المتحجرة التي لا تريد أن تفهم ! ومازال هناك بقية من أشكال وألوان الفساد .. ولكن ما أريد أن أحدثكم عنه هو لون فاقع من ألوان الفساد .. تشكو منه البلد كلها .. لايكاد ينجو من شره أحد .. أنه فساد الجهاز الإداري للدولة .. بشقيه المدني والعسكري ! في لبنان يسمون الرشوة ( الفازلين ) .. فبها يمكنك تسليك معاملاتك في الدوائر الحكومية .. وفي مصر هناك شعار يقول ( إذا أردت أن تنجز فعليك بالوينجز ) .. الوينجز ماركة سجائر في مصر .. شعار آخر يقول ( ظرفني تعرفني ) و ( نحن نشكر الظروف ) .. أما عندنا فـ ( حق القهوة ) و ( حق القات ) و ( حق ابن هادي ) .. صحيح ، شر البلية ما يضحك ! الحكومة عندنا تتحدث كثيراً بنية صادقة ( والله أعلم ) عن محاربة الفساد .. عملت أجهزة رقابة ومحاسبة وعملت إصلاح إداري وقوانين ومش عارف إيه ومع ذلك الفساد ولا همه .. وناس تتكلم عن الشفافية والصحافة الحرة وبرضه مافيش فايدة .. وعلى عينك ياصحافة ياحرة إنت وصاحبتك الشفافية ! الفساد في الجهاز الإداري للدولة خلاص اكتسب مناعة زي البعوض الذي يمص دمنا ولم يعد يؤثر فيه أي نوع من أنواع ( المبيدات الحشرية ) زي الذي ذكرناها فوق .. لكن هناك مبيد حشري أصلي حتى الآن لم نستعمله وهو قادر على أن يقضى على الفساد قضا ء مبرماً !طبعاً الجميع متلهف ويريد أن يعرف اسم وماركة هذا المبيد .. وطبعاً مهما ارتفع سعره أوغلا ثمنه الحكومة لن تتأخر في شرائه .. مع أن هذا المبيد وياللعجب مش غالي بل رخيص خالص .. دا حتى ببلاش .. عايزين تعرفوه .. حالا ستعرفوه ! أنظروا للصحيفة التي بين أيديكم الآن .. أنظروا جيداً .. كم من السنين مرت على هذه الصحيفة وهي تعاني من الجمود وتيبس العروق والتهاب المفاصل وهشاشة العظام .. حتى بدت مشرفة على الموت .. وانعدم الأمل في شفائها .. وفي لحظة تقرير مصير جاء أمر تعيين رئيس تحرير جديد للصحيفة .. تدفقت الدماء حارة وغزيرة في العروق .. وتفتح الملكة عينيها .. تنهض من فراشها ممشوقة القوام .. صلبة العود تتقدم بخطى واثقة .. على وجهها ابتسامة حلوة .. ابتسامه حياة جديدة .. وكل يوم .. تتجدد ! هل عساكم عرفتم الآن اسم المبيد القاتل لحشرة الفساد في الجهاز الإداري للدولة .. أنه (التعيين الصحيح) .. الاختيار الصحيح لشغل الوظائف العليا والقيادية تحديداً .. اذا صح تعيين رئيس الإدارة رئيس المؤسسة رئيس المرفق.. صح كل شيء !مواطن عادي هدد أحد المسؤولين في أحد المرافق العامة بأنه سوف يشكوه إلى رئيس المرفق .. فما كان من ذلك المسؤول إلا أن أجابه متحدياً وبسرعة ( إذهب إلى من تشاء فلن يضرنى شيئاً وعلى العكس سيعملون على ترقيتي وترفيع درجتى الوظيفية)!زمان .. والله العظيم .. كان الموظف المسؤول يرتعد إذا عرف أن أحداً اشتكاه عند رئيسه المباشر .. فما بالكم لو اشتكاه عند رئيس المرفق !يا سادة.. التعيين الصحيح في الوظائف العليا والقيادية يخضع في مفهوم الإدارة العلمية لمقاييس وشروط ومعايير محددة ودقيقة مثل المؤهلات العلمية والخبرات العملية إلى جانب الصفات الشخصية والقيادية والأخلاقية !هنا فقط يا سادة لن نحتاج إلى جهاز رقابة ومحاسبة ولا قوانين مكافحة الفساد ولا حتى صحافة حرة ومش عارف أيه شفافية.. وإذا ما وجدت فلن تكون أكثر من زيادة نعمة .. لأن رئيس المرفق (الصح) لن يكون هناك من هو أشد منه حرصاً على (صحة) مرفقه وخلوه وسلامته من أي نوع من أنواع الفساد! ولكن عندما يتحول التعيين في الوظائف العليا والقيادية إلى مجرد هبات وغنائم وعطايا توهب للمقربين وأهل الثقة ، فإن الوظيفة أو المكتب يتحول إلى دكان أو سوبر ماركت أو مشروع استثماري .. يتعين على المحظوظ الذي حصل على هذه الوظيفة ( ببركة دعاء الوالدين ) أن يصل إلى أعلى درجة من الثراء في أقل وقت ممكن .. و .. يا أهلا بالفساد .. و.. يا أهلا بالعذاب .. و .. الله يرحمك ياعبدالوهاب ! إشارات-"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفون من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" المائدةـ 33-وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" الإسراء ـ16-عندما يقبل الإنسان الفساد كأمر واقع، فإنه يكون بذلك قد وقع على صك عبوديته!(حكيم)