خالد الشيباني عندما كان العمال الصينيون يقومون بشق طريق ـ الحديدة ـ صنعاء في خمسينيات القرن الماضي ـ حاول عدد من ملاك الأراضي التي تقرر ان تمر عليها الطريق في التهائم ايقاف العمال الصينيين وهددوهم بالقتل فما كان من الإمام احمد ـ الذي أشتهر بتعليقاته الساخرة والذكية ـ أن أرسل تحذيراً إلى مشائخ المنطقة المعنية ـ أوجزه بالعبارة التالية "يجب ان تفهموا ان الصيني الواحد بعشرة حيسي" وهذا من باب اطلاق اسم البعض على الكل ـ أي انه سمى التهائم باسم حيس ولمن لم يسمع بهذا المثل من قبل أقول ان الصيني هو الأدوات المصنوعة من الصين ـ بما في ذلك فناجين القهوة وهو مشهور بنظافته وجماله ولم يجد شاعر لحج المبدع احمد فضل القمندان شيئاً أفضل منه لوصف جمال وطعامة محبوبته فخاطبها بقوله "ياعسل في صياني". أما الحيسي فهو تحديداً مصب القهوة المصنوع من الطين الاحمر وقد اشتهرت منطقة حيس بصناعته. بكل تأكيد لم تكن عبارة الإمام تتحدث عن الفناجين .. فهم الناس معنى ومغزى عبارة الإمام وآخذوها على محمل الجد. وهكذا استمر الصينيون في عملهم حتى نهايته وارتبطت العاصمة صنعاء بميناء الحديدة بأول طريق حديث يشق بين العاصمة وبحرها ولولا وجود ذلك الطريق لما تمكنت ثورة 26 سبتمبر 62م من الوقوف على قدميها والدفاع عن نفسها ولما تمكنت القوات المصرية من الوصول الى صنعاء في الوقت المناسب لمساندة طلائع الشعب والثورة. وعندما توفي احد العمال الصينيين اقيم له نصب تذكاري يرتفع عالياً في منطقة عصر تخليداً له ولرفاقه الذين نحتوا الجبال والصخور بهمة وعزم. إلى جانب ذلك العامل الصيني المجهول ينتصب اليوم نصب آخر في عصر المطلة على العاصمة صنعاء ـ تخليداً للشهداء من الجنود المصريين الذين سطروا بدمائهم الزكية ملحمة الواجب القومي لمصر عبدالناصر. [c1] ترويكا الشرق الأقصى[/c] "وفي الشرق الاقصى حيث لا يوجد اليهود فانك تجد الحضارم والصينيين وهذه الترويكا يجمعها مرتكز مشترك واحد هو العمل في التجارة وجمع رأس المال والسيطرة على مفاصل الاقتصاد والاستثمار التجاري والعقاري والصناعة." ـ هارولد انجرامزـ المستشار السياسي البريطاني في حضرموت مؤلف كتاب شبه الجزيرة العربية والجزر. [c1] إذاعة بكين الدولية[/c] في عقد الثمانينيات من القرن الماضي اذاعت إذاعة بكين من قسمها العربي مسابقة لمستمعيها حول علاقة الصين ببلدانهم. كتبت موضوعاً حول علاقة بلادنا بالصين الشعبية تطرقت فيه إلى انشاء طريق الحديدة ـ صنعاء وطريق أبين المكلا .. ومصنع الغزل والنسيج في صنعاء وعدن والعلاقات التجارية بين البلدين والبضائع الصينية العالية الجودة الرخيصة الثمن التي كانت تتناسب مع مداخيل المواطنين اليمنيين.. بعد نحو أسبوعين جاءتني رسالة من إذاعة بكين طلبت مني الآذن بإذاعة الرسالة وارسلت لي هدية جميلة مازلت أحتفظ بها حتى اليوم، وبعد استلامهم موافقتي تمت إذاعة الموضوع الذي كتبته من القسم العربي بإذاعة بكين الدولية. [c1] ص.ب ورحلة كل يوم[/c] في عقد الستينيات من القرن الماضي كان لدينا صندوق بريد يتبع محلنا التجاري في عدن وكنت قد بدأت في وقت مبكر بالتمرن على المراسلات التجارية مع الشركات التي كنا نتعامل معها في هونج كونج واليابان والهند وعدد من الشركات الغربية الصغيرة وكانت تلك الشركات ترسل العينات التجارية المجانية كالملابس، لعب الأطفال، الخردوات وأدوات الزينة وكانت ترسل في نهاية كل عام التقاويم والمفكرات وبطائق التهاني. كنت امر بمبنى البريد في كريتر يومياً لاستلام الرسائل والطرود وكنت في بعض الايام أجد الصندوق فارغاً فقررت الا يحدث ذلك كثيراً وقد خطرت لي فكرة اضمن بها استمرار الحصول على أي شيء في الصندوق. قمت بكتابة رسائل إلى عدد من السفارات العربية والغربية طلبت فيها من الملحقيات الثقافية الحصول على مجلات وكتب باللغتين العربية والانجليزية. لم يكد يمضي أسبوع أو أسبوعين حتى تدفقت المجلات والصحف المجانية إلى جانب هنا لندن ومجلات من السفارة الهندية والألمانية الغربية والأمريكية والجزائرية ومجلة كان يصدرها الحزب الشيوعي اللبناني وكانت بيتنا تعد مركزاً إعلامياً عالمياً. المطبوعات الصينية كانت ترسل من مكتب دار النشر الصينية في بكين عبر مكتبها في هونج كونج وأتذكر ان صندوق البريد كان يمتلئ بكتيبات موسي تونج أثناء فترة الثورة الثقافية، واعداداً باللغة العربية والانجليزية من المجلات المصورة منها الصين المصورة الصين الجديدة وكانت مجلات ملونة مطبوعة على ورق مصقول. لفت نظري في تلك المجلات اهتمامها بالجوانب الثقافية والاجتماعية والتعليم ولم تكن تتعرض للجوانب السياسية ووجود البريطانيين على اراضي هونج كونج الصينية ولكني عرفت فيما بعد ان هناك اتفاقية مبرمة بين الصين وبريطانيا تنتهي بنهاية عقد التسعينات من القرن الماضي. كانت الصين تعاني من حصار تجاري فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية ولم يتبق لها من منفذ او رئة تتنفس عبرها تجارياً مع بقية دول العالم غير هونج كونج ما عدا تجارتها مع الدول الاشتراكية. البضائع التي كانت تصنع في مستعمرة هونج كونج لم تكن تتطلب الحصول على تصاريح استيراد مسبقة. الاستيراد من الصين وبقية دول حلف وارسو ثم الحصول على تراخيص الاستيراد لها من أمانة ميناء عدن. [c1] الصين الاشتراكية ورأس المال الصيني المغترب[/c] أثناء قيام الثورة الثقافية في الصين اثار انتباهي تعامل الدولة الصينية مع المغتربين الصينيين المنتشرين في دول جنوب شرق آسيا وفي العديد من دول العالم في سنغفورا ـ ماليزيا ـ أندونيسيا ـ تايلند ـ الفلبين وغيرها حيث يسيطر الصينيون على مفاعل التجارة والصناعة في تلك البلدان. ويمتلكون أموالاً طائلة والصينيون مشهورون بالاقتصاد والتقشف مما مكنهم من النمو السريع والدخول إلى عالم الصناعات النسيجية والالكترونية عبر شراء شركات يابانية والمشاركة معها والصينيون مثلهم مثل اليابانيون والكوريون محبون للعمل ومشهورون بالحرفية أو التقنية العالية في انجاز أعمالهم. وأتذكر ان كتاب التاريخ الذي كان مقرراً علينا دراسته في المرحلة الثانوية في المعهد التجاري العدني باللغة الانجليزية وصف شعوب جنوب شرق آسيا بانهم الشعوب الصفراء وانهم شعوب الأعمال الشاقة. حاول الأمريكيون ان يضفوا على صناعة سياراتهم شيئاً من مزايا الشعوب الصفراء لتكون مدخلاً لدعاياتهم فوضعوا سياراتهم ثالث ثلاثة أشياء في ترويكا السعادة العائلية فروجوا الدعاية القائلة "وفاء الزوجة اليابانية وجمال ونظافة البيت الصيني واناقة ومتانة السيارة الأمريكية". وبما أن الشيء بالشيء يذكر فيما يخص الدعاية التجارية فمازلت اتذكر إعلاناً كانت تنشره احدى الشركات الغربية في مجلة العربي الكويتية يظهر في الصورة جمل يقف على تخوم الصحراء وبجانبه تظهر سيارة من انتاج تلك الشركة قد كتب على رأس الصفحة بخط عريض "مناخنا الأكبر في الشرق الأوسط" كان ذلك قبل أن تبرز شركة تويوتا اليابانية العملاقة للسيارات وتحتل جميع طرق العالم وشوارعه. عودة إلى موضوع الصينيين الذين ازدهرت اعمالهم في الخارج وتحديداً في جنوب شرق آسيا وكيف ان الدولة الصينية تضع لهم برامج سياحية في بلدهم وتقدم لهم التسهيلات للحصول على اراضي لاقامة مشاريعهم واستثماراتهم بعد نجاحهم في البلدان التي اقاموا فيها وحققوا قفزات نوعية.. شهد لهم بذلك ـ مهاتير محمد ـ رئيس الوزراء الأسبق لماليزيا ففي مقابلة له أجرتها معه مجلة نيوزويك الأمريكية قال "أستطيع القول ان نهضة ماليزيا أرتبطت بجهود الصينيين والهنود وبدورهم الفاعل أكثر منه بارتباطها بالمسلمين الملويين. [c1] التاجر اليمني فلوس المستهلك واحتياطي الوطن من العملة الأجنبية أمانة في عنقك[/c] لم يعد استيراد البضائع إلى اليمن يخضع للحصول المسبق على تصاريح استيراد كما كان في السابق ولا لرقابة من ناحية الجودة ولا عن طرق فتح الاعتمادات المتضمنة شروط ونوعية الجودة للسلع المستوردة. صار العديد من التجار المستوردين يملأون جيوبهم بالدولارات ويسافرون مباشرة إلى الصين أو الهند ويشترون طلباتهم من المصدرين الصينيين والعديد من التجار لا يبحثون عن البضائع الجيدة ذات الاسعار التي تضمن لهم الحصول على بضائع تستحق ما يدفع من ثمن وفي ذلك مصلحة للاقتصاد الوطني والمستهلك على حدٍ سواء. بالقاء نظرة سريعة على بعض البضائع الصينية في الأسواق اليمنية يتبين أن معظم البضائع خاصة لعب الأطفال الالكترونية والأجهزة الكهربائية والالكترونيات والأدوات المنزلية قد صنعت حسب طلب المستوردين اليمنيين الذين يطلبون سلعاً رخيصة الثمن يضاعفون أرباحهم فيها بنسبة عالية. والمصنعون والمصدرون الصينيون عندهم الصناعة درجات ومن يطلب الاجود عليه ان يدفع ثمن الجودة.. وفيما عدا ذلك لا توجد في قاموسهم عبارة "طلبك غير موجود". تصدر الصين بضائع منافسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وصارت منافسة لاكبر الشركات المصنعة للملابس والاحذية ومواد السباكة والمواد الصحية.. الأمر الذي جعل عدداً من الشركات تنقل مصانعها إلى الصين وقد سمعت خبراً من إحدى القنوات الاقتصادية الغربية بان جمهورية الصين الشعبية ستكون ثاني أكبر بلد بعد اليابان في آسيا لتصدير السيارات خلال العقد الأول من هذا القرن.
|
تقارير
"الصيني" و"الحيسي" وما بينهما
أخبار متعلقة