منبر التراث
محمد زكريا[c1]ثمرة تجارب الشعوب[/c]لسنا نبالغ إذا قلنا أن الكثير من الناس وإن لم يكن أغلبهم يظنون أن الأمثال والحكم الشعبية تحمل في طياتها العظة والاعتبار فحسب . وفي الحقيقة أن الأمثال الشعبية تختزن في ثناياها الكثير من المسائل الاجتماعية و التاريخية الحقيقية والتي حدثت أحداثها منذ زمن بعيد. وفي واقع الأمر ، أن الأمثال والحكم الشعبية ما هي إلا ثمرة تجارب الشعوب عبر تاريخها البعيد أو بالأحرى فهي نتاج فكري لأمة من الأمم ولذلك فإن الأمثال والحكم الشعبية أصولها تعود إلى الأزمنة الموغلة في القدم وأنها تحمل بين أحشائها الحقيقة ـ كما قلنا ـ. [c1]من مراجع التاريخ الاجتماعي[/c]ولسنا نبالغ أن الأمثال والحكم الشعبية تعد في رأي المؤرخين المحدثين مرجعا مهما من مراجع التاريخ الاجتماعي الذي سلط الأضواء القوية على حياة الناس المختلفة , أو بمعنى آخر نزل التاريخ الاجتماعي إلى حياة الناس فلمس وجسد آمالهم وأمانيهم تجسيد حيا وصادقا . [c1]تضيء الطريق[/c]وفي واقع الأمر ، أن الأمثال والحكم الشعبية اليمنية مازالت حتى يوم الناس هذا بعيدة عن متناول المؤرخين أو المهتمين بها أو بعبارة أخرى أن المؤرخين لم ينتفعوا بها ليضموها إلى جانب المراجع التاريخية الأخرى أو على أقل تقدير تكون من المراجع المساعدة التي يمكن أن تضيء الطريق لقضية تاريخية ( ما ) . فالأمثال والحكم الشعبية لم تأت من فراغ بل تقف على أسس تاريخية اجتماعية حقيقية . وإذا نظرنا بتأمل وعمق إلى بعض الأمثال والحكم الشعبية اللحجية سيلفت نظرنا أن أصلها نابع من حقيقية تاريخية . فهناك مثال شعبي لحجي معروف ومشهور مازال يتردد صداه بين أبناء لحج وعدن وهو الطبل في الحوطة والشرح في سفيان . [c1]تحت مجهر البحث التاريخي[/c]والحقيقة لقد وضعت ذلك المثال الشعبي اللحجي المشهور تحت مجهر البحث التاريخي فخرجت بنتائج وهي أن سفيان هذا اسمه سفيان أبن عبد الله ويلقب الحضوري والأبيني اليمني, وقد سميت قرية من قرى لحج باسمه وهي حوطة الشيخ سفيان . ونقف أمام كلمة ( حوطة ) ويبدو أن تلك الكلمة أو الاسم تطلق على أماكن عاش فيها علماء كبار أو وشيوخ من الصوفية تبوءوا مكانة كبيرة بين أهل لحج فنظروا إليهم نظرة تقدير واحترام عميقين. ولذلك سميت قرية سفيان ( حوطة الشيخ عثمان ) . ويبدو أن سفيان بن عبد الله كان من كبار شيوخ الصوفية في لحج لأنه عاش تقريبا ما بين القرن السابع و الثامن الهجريين ( القرن الثالث والرابع عشر الميلاديين ) وفي تلك المدة كانت الثقافة الصوفية سائدة في لحج وعدن وكثير من مناطق اليمن مثل تعز وزبيد. [c1]من أبين[/c]ونلاحظ أن الشيخ سفيان لقب ( الأبيني ) من المرجح أنه يعود أصوله إلى أبين ومن المحتمل انه رحل منها إلى قرية من قرى لحج والتي سميت باسمه ـ كما قلنا سابقا ـ . والجدير بالذكر أن الأعم والأغلب من شيوخ الصوفية تعود نسبهم إلى آل البيت . وربما يكون الشيخ سفيان يعود جذور نسبه إلى آل البيت . وأما حياته العلمية فلم لا نعلمها بالدقة ما هي العلوم الدينية التي تلقاها ولكن الغالب والأعم ستكون العلوم الدينية التقليدية التي كانت تدرس حينذاك وهي تفسير القرآن والأحاديث النبوية الشريفة ، وفي الفقه , والنحو ، واللغة وما شابه ذلك . ولكن الذي عرفناه أن الشيخ سفيان تتلمذ على يد الشيخ شهاب الدين بن أحمد بن إبراهيم المزني المغربي .[c1]من المغرب إلى لحج[/c]ويسترعي انتباهنا أن اسم شيخه الذي درس على يديه هو المغربي ويبدو أن أصوله تعود إلى بلاد المغرب والتي كانت منبع الصوفية في الوطن العربي . ولقد انتقلت تلك الثقافة الصوفية من بلاد المغرب إلى بقاع الوطن العربي والإسلامي من خلال مريديهم وأتباعهم مثال ذلك الطريقة الأحمدية الصوفية التي انتقلت ابتداء من بلاد المغرب و مرور بمصر والسودان وانتهاء بالمكلا والشيخ عثمان . ولكن لا نعلم على وجه اليقين الطريقة الصوفية التي كان يتبعها شيخه ومن هذا نستخلص أن الشيخ سفيان بن عبد الله الأبيني كان من شيوخ الصوفية ومن مشايخه الذين استقى منهم العلوم الدينية الفقيه المقدم محمد بن علي . ولقد ذكر أحمد فضل العبدلي في كتابه (( هدية الزمن )) أن الشيخ سفيان أقام في لحج ولكنه لم يذكر مدة الإقامة ومتى رحل عنها إلى قريته قبل وفاته . ولم نقف على تاريخ وفاة الشيخ سفيان بن عبد الله الأبيني. ولقد قال صاحب (( هدية الزمن )) أن الشيخ سفيان خرج من نسله علماء ذاع صيتهم في لحج وعدن وبعضهم سافر إلى الهند حيث تزوج وتوفى فيها وهو محمد بن علي سفيان . [c1]العلاقة الوثيقة[/c]وأما العبارة التي تقول : الطبل في الحوطة والشرح ( الرقص ) في سفيان " فهي تدل على التقارب الوثيق والقوي بين قرية سفيان وحوطة لحج ومن المحتمل أن شيوخ الصوفية في حوطة لحج وحوطة سفيان ربما كانت تجمعهم طريقة صوفية واحدة , ويبدو أنه كان بينهم مصاهرة ـ وكذلك زيارات بصورة مستمرة لتبادل العلوم والمعارف فيما بينهم . فقيل ذلك المثال