أضواء
زينب غاصبكنت في الإسكندرية قبل الأسبوع الماضي أشارك في الملتقى الشعري السويدي السعودي النسوي، وكنا في طريقنا إلى مكان حفلة العشاء التي أقامتها لنا القنصلية السعودية مع الوفد السويدي، عندما أخبرتني إحدى الزميلات بالقبض على الخلايا الإرهابية التي تمكن رجال الأمن في وزارتنا الداخلية من القبض عليها، وإحباط مخططها الإرهابي الخطير الذي يستهدف أمن بلادنا وثرواتها ومنشآتها النفطية.وفي الوقت الذي كنا فيه نحن كنساء، نمثل وطننا الغالي ثقافياً، أدباً وشعراً ونقداً، ونقوم بنقل صورته الجميلة الساكنة في أفئدتنا، وجغرافيته المكتوبة في شعرنا وأصواتنا وطقوسنا، ليعرف العالم الذي لا شك قد عرف قبلاً هذا الوطن المسالم، العريق بالحضارة قديماً وحديثاً، والمضيء بالأماكن المقدسة أيضاً قديماً وحديثاً، الوطن النابض بالثقافة والإبداع في كل قدراته التاريخية المفتوحة على العالم تعايشاً وتأثراً وتأثيراً... صدمتنا تلك الأخبار المفزعة من أعداء الوطن صناع الإرهاب، عشاق الدماء البريئة، زمرة الظلام التي تحاول النيل من أمن وطننا، وتشويه ملامحه الحضارية العظيمة المتوهجة بنور الهدي القرآني.وكما أسلفت في مقالات كثيرة آخرها كان هنا في هذه الصفحة بعنوان «القضية والفكر»، لن نتخلص من الإرهاب طالما فكره يغزو البلاد، عن طريق تلاميذه وشيوخه المنتشرين في كل مكان جهراً وتستراً، وهم معروفون بعضهم يتستر بالوسطية، وبعضهم يشكك في العقيدة، وبعضهم يكفر الخلق سراً وعلناً، وهم في حصانة خلف مناصبهم، أو مكانتهم الدينية أو الاجتماعية. كنت ومنذ الحرب الأفغانية أتخوف من تلك الأفكار التي ظهرت في مجتمعنا عن طريق المحاضرات والأشرطة والمنهج الخفي الذي وجد طريقه إلى المدارس عن طريق المعلمين والمعلمات، والمحاضرين والمحاضرات، وغيرها من الأساليب الجاذبة التي أحسنوا استخدامها في تلغيم العقول وتحويلها إلى لعبة في أيديهم تحت مصطلح الحور العين، والخلافة الإسلامية، وتطهير المجتمع من الكفرة والعلمانيين، وغيرها من المصطلحات المفخخة التي وجدت صدى في بعض العقول القاصرة عن فهم مبادئ الدين الإسلامي الصحيح الداعي إلى سلامة الخلق في كل حال... ومع تطور وسائل الاتصال، وظهور «الانترنت» طور الإرهابيون وسائلهم ليصلوا إلى الناس في عقر دورهم، ولا يقتصر هذا الأمر على المواقع الإرهابية فقط، بل حتى المواقع العامة والثقافية، إذ يظهر هذا الفكر جلياً واضحاً من خلال طريقة النقاش والانفعال في الحوار.ولم تكن المرأة غائبة عن المشهد الإرهابي منذ ظهوره الأول، فقد تأثرت به عن طريق رجالها في البيت من معتنقي هذا الفكر، وباتت تردد ما يقولون وتدعو إلى ما يدعون، حتى ظهرت نساء أميات لا يعرفن القراءة ولا الكتابة يحاضرن في بيوت العزاء، وفي بعض البيوت التي يطيب لرباتها استضافة مثل هؤلاء بحجة الوعظ ونشر الثقافة الإسلامية، وتنوير الجاهلات بمن هن أجهل منهن، لقد أخذوا فكرهن من جميع المنافذ، حتى في صالات الانتظار في المستشفيات، وفي مقاعد الطائرة، وأذكر أني واجهت اثنتين منهن ولا أعرفهن يعظنني واحدة في صالة انتظار نساء في مستشفى تأمرني بالحجاب وليس أمامي سوى النساء، وأخرى في مقعد طائرة، إذ كنت أجلس لوحدي على المقعد، في رحلة داخلية لا تستغرق نصف الساعة، وأخذت تدعو علي بالويل والثبور وعظائم الأمور لأنني بلا محرم، ولم أسلم من تعليقها إلا عندما هددتها باستدعاء أمن الطائرة. لقد جاء تأثر بعض النساء بفكر الإرهاب من أزواجهن، أو أبنائهن، أو أخواتهن، ومن ثم يقمن بنقل ما يسمعنه من أفكار وينشرنها بين الجيران، والأقارب، في الزيارات والمناسبات، حتى استبدلت علب حلوى الأفراح في الأعراس بالأشرطة الإسلامية، وزفات الأعراس، بزفة إسلامية، عدا تحريم مشاهدة التلفزيون... حتى قنواتنا السعودية، وما خفي كان أعظم![c1]* عن / صحيفة “الحياة” اللندنية[/c]