بدرام: الفدرالية ضمان لبقاء المناطق العرقية داخل نسيج الدولة الواحدة
كابول/ متابعات:ظلت فكرة إقامة نظام فدرالي تحوم في الأفق السياسي الأفغاني كلما لاح استقرار نسبي بالبلاد, فقد طرحت قبيل الغزو السوفياتي لكنها سرعان ما انطفأت بعد الغزو حفاظا على وحدة المقاومة.وبعيد التحرير من النظام الشيوعي أطلت تلك الفكرة برأسها من جديد، لكن على استحياء، خاصة مع اندلاع الحرب الأهلية وانشغال الأطراف السياسية بتحقيق المكاسب على الأرض. ومع مجيء نظام طالبان، الذي عمل على بسط سيطرة البشتون وإحياء "الخلافة الإسلامية"، اندثرت فكرة الفدرالية تماما طوال سنوات حكمهم الذي استبعد أي انفصال بالتشريعات أو السياسات تحت أي ذريعة. وبعد الإطاحة بنظام طالبان على يد الأميركيين أواخر 2001، بدأت الفكرة تطرح بقوة بعد تشكيل الأحزاب السياسية خاصة من قوى سياسية تمثل قوميات بعينها كالطاجيك والأوزبك والتركمان بدعم من دول جوار التي تشترك عرقيا مع هذه القوميات.ومع غياب أي إجماع حقيقي بصفوف الأحزاب السياسية الداعمة للفدرالية، يقف حزب التجمع الشعبي وحيدا للمطالبة بتجريب هذا النظام للخروج من أزمة الحكم التي ظلت أفغانستان تعانيها طوال تاريخها الحديث. ويقول زعيم الحزب عبد اللطيف بدرام إن الفدرالية أصلح نظام لحكم أفغانستان متعددة الأعراق فهي "ضمانة لبقاء المناطق العرقية داخل نسيج الدولة الواحدة طالما أنها تتمتع بحقوقها السياسية بحكم نفسها واستغلال ثرواتها بتنمية منطقتها، أما إذا شعرت بأن هذه الحقوق مسلوبة فمن الطبيعي أن تطلب المساعدة من الخارج خاصة من دول تمثل امتدادا عرقيا لها" كطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان شمالا وباكستان شرقا وإيران غربا. ويضرب بدرام لنجاح نظام الفدرالية مثال الولايات المتحدة وباكستان، مشترطا وجود حكومة مركزية قوية "وهو مالم يتوفر في كابل في أي وقت من الأوقات". وحول المخاوف من تقسيم البلاد يرى الرجل أن العكس صحيح، معتبرا أن كل الحروب الأهلية التي شهدتها أفغانستان كانت بسبب محاولة قومية بعينها فرض ثقافتها على بقية القوميات الأخرى مما يجعل الأخيرة تفكر في الاستقلال بمنطقتها.وبالمقابل ترفض الأطراف المشاركة بحكومة حامد كرزاي هذا الطرح باعتباره "دعوة مذهبية عنصرية" يقف وراءها قادة أحزاب ذات ولاء عرقي وطائفي لبعض دول الجوار خاصة الكبرى منها مثل باكستان "لوجود قبائل مشتركة (البشتون)" وإيران التي "من مصلحتها أن تكون ولاية هيرات مستقلة لأسباب طائفية". ويقف حزب الاقتدار الإسلامي بقوة ضد الفدرالية ويعتبرها أسوأ نظام لحكم دولة كأفغانستان خاصة مع ضعف الحكومة المركزية، وأن تطبيق مثل هذا النظام يعني المخاطرة بتقسيم البلاد. ويشير الناطق باسم الحزب إلى أن دول الجوار خاصة آسيا الوسطى تدعم طرح الفدرالية لأطماع إقليمية, لكنه يستبعد نجاحها بالوقت الحاضر لنفوذ الدول الغربية الحاضرة بقوة بوجودها العسكري "لأن الفدرالية تضر بمصالحها الإستراتيجية، مع حرصها على وجود حكومة ضعيفة تضمن لها هذه المصالح".دول الجوار الأكثر تأثرا بالوضع الأفغاني تعارض هي الأخرى فدرالية تفضي إلى التقسيم العرقي خشية أن يندرج ذلك على العلاقات البينية تختصر فكرة الرفض الداخلي الأفغاني لفكرة الفدرالية بمخاوف من أن تنتهي للقسيم، في حين يرى مراقبون للشأن الأفغاني أن دول الجوار الأكثر تأثرا بالوضع الأفغاني تعارض أيضا فدرالية تفضي لتقسيم عرقي خشية انسحاب ذلك على علاقاتها البينية كما الحال مع دول آسيا الوسطى المتداخلة عرقيا، أو تأثير التقسيم العرقي على نسيجها الداخلي كما الحال مع باكستان التي يفصلها عن أفغانستان خط "ديورند" الذي وزع البشتون بين البلدين، واستقلال بشتون أفغانستان بدولة يقود بالتأكيد للمطالبة بامتدادهم التاريخي بباكستان،حيث أقرب تجمع بشتوني لا يبعد عنها إلا بـ60 كلم. كما لا تخلو دول بآسيا الوسطى من امتداد عرقي بدولة مجاورة شكلت أزمة حدودية معها بعيد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، وتدعم كل واحدة من هذه الدول المتمردين من عرقيتها بالدول المجاورة. ويرى المتخوفون أن الفدرالية إذا كانت تصلح حلا مشكلة إدارية بحيث تمنح المناطق والولايات حرية إدارتها الذاتية والعمل على تنميتها بمواردها ضمن تنسيق كامل مع المركز، فإنها لا تصلح أبدا لحل لمشكلة أمنية تعانيها البلاد ويجب التخلص منها قبل التفكير بالعقدة الإدارية والتنموية.