حوار مع الروائيّة التونسية فاطمة الزَّيّانِي :
ليبيا/أحمد يوسف عقيل :فاطمة الزَّيّاني.. مبدعة تونسية.. قاصة وشاعرة وروائية.. لها ثلاثة إصدارات قصصية: حَدَثَ دون موعد.. حصلت على جائزة سعاد الصبّاح.. ثُم مجموعة بالفرنسية عنوانها "تاج النجع ومجموعة بعنوان "الوطن لا يطير".. وثلاث روايات لم تُنْشَر بعد: التَّعَرِّي.. والشَّرْخ.. وطريق السماء مقطوعة.. شاركت فى ندوة "المرأة فى المأثور الشعبي" التى انعقدت في مصراته التي أقامها المركز الوطنى للمأثورات الشعبية.. كان لنا معها هذا الحوار العفوى فى ردهة الفندق.[c1] هل لديك اطلاع على القصة القصيرة الليبية؟[/c]-قرأت ليوسف الشريف.. وناجى الشكري.. وسالم الأوجلي.. وغيرهم.[c1] هل تجدين اختلافاً بين القصة القصيرة الليبية والتونسية؟ أم أنّ هناك تقاطعاتٍ كثيرةً بينهما؟[/c]-هناك تقاطعات من حيث الأفكار الكُبرى لكن التفاصيل تختلف أكاد أقول حتى الكاتب نفسه بين قصة وقصة هو غيره فى القصة الأولي.. لأنه محكوم بعدّة لحظات.. أنا أعتبر حياة المبدع لحظات.. على خلاف بقيّة الناس.. لحظات الدهشة.. التى يُحسّ فيها بالأشياء لا كما يحسّ الإنسان العادي.[c1] أنتِ كفتاة ريفيّة هل تجدين صعوبة.. أو مواجهة من مجتمعك الريفى لكونك فتاة قرويّة تذهبين إلى المدينة.. تكتبين.. وتسافرين حتى خارج تونس.. هل هذا مبعث إعجاب.. أم أنّ المسألة تأخذ منحىً سلبيًّا؟[/c]-أنا أوّل بنت أذهب من قريتى للدراسة فى المدينة.. وإلى حَدّ الآن البنت لا تواصل دراستها عندنا.. بل تتزوّج..![c1] أليس هذا غريباً فى تونس بالذات..؟ عندنا فى ليبيا حتى فى الأرياف البعيدة عن القُرى تواصل الفتاة دراستها الجامعية وحتى العُليا.. وتذهب إلى خارج البلاد من أجل الدراسة؟[/c]- هذا غريب فعلاً.. فى البداية أُخِذت المسألة بالنسبة لى مأخذ الحذر والرفض.. أهل الريف يخافون أن تذهب البنت إلى المدينة.. يخافون أن تسقط فى الرذيلة فتكون مجلبةً للعار.. لا يدركون أن الفتاة الريفيّة مُحصَّنة أكثر من الفتاة فى المدينة.. لكنّ والدى هو الذى أصرّ على أن أواصل دراستي.. بعد ذلك تغيّرت النظرة.. بُثَّت العيون ورائي.. وراقبونى جيّداً.. وصاروا ينظرون إليّ بفخر وإعجاب.[c1] هذا الرقيب ألا يؤثِّر تأثيراً سلبيًّا فى إبداعك..؟[/c]-هذا الرقيب خِفتُه عندما كتبتُ أوَّل رواية عنوانها "التَّعَرِّي".. عنوان فيه جُرأة.. وضعتُ الرواية فى البيت.. كانت بعد صدور مجموعتى "حَدَثَ دون موعد".. فتصفَّح أخى المجموعة.. القصة الأولى "حَدَثَ دون موعد" هى لقاء امرأة برجل.. لم أكن أتصور أننى سأخاف.. لحظتَها شعرتُ بالسُّلْطة.. سُلطة العائلة.. وسُلْطة الأب.. والأخ.. كنت أدخل غرفتى وأخرج وأنا مرتبكة جدَّا.. أخي فلاّح.. خشيت أن يعتقد أنّ ما فعلتْه البطلة فعلْتُه أنا..! وللأسف حتى بعض المثقفين يعتقدون هذا.. أنا أقول لهم: الرجل الذى سأتزوّجه لن يقرأ رواياتى قبل الزواج..! والحمد لله أنّها مرَّت بسلام.. قرأ أخي ولم يُعَلِّق.[c1] ثُنائية اللغة منحتك فرصة أكبر للاطلاع على الأدب الفرنسي.. ما أثر ذلك على إبداعك..؟[/c]-قرأت الأعمال الفرنسية فى لغتها الأصلية.. وأقرأ المترجَم من كل اللغات.. لكن الفرق بين هذا وذاك كالفرق بين الإنسان العادي من لحم ودم وروح.. وبين الإنسان الآلي.. النص المترجَم خاصة الإبداعي.. وبالأخصّ الشِّعر يشبه الإنسان الآلي.. لا روح فيه.[c1] ما هي القصة بالنسبة لكِ..؟[/c]- القصة هي ما أُحسّه.. بطاقة هويتي في ما أكتبه.[c1] لماذا تكتبين..؟ و متى تأتى لحظة الكتابة..؟هل تكتبين فى وقت معيّن تُفضِّلينه..؟[/c]- ليس لدي خيار.. الكتابة تفرض عليّ نفسَها.. تنتزعنى أحياناً من عزّ النوم.. أو من لحظات حميمة.. أكتب أحياناً على علبة ثقاب.. وفى المطبخ قد يحترق الأكل دون أن أنتبه لذلك.. الوقت هو الذى يختارني.. لكنّ الغريب هو أنني لم أكتب حرفاً خارج القرية..![c1] ألا يرى الإنسان مكانه بشكل أوضح حين يكون بعيداً عنه..؟[/c]-أنا أعيش أحياناً سنةً كاملة خارج قريتي.. حيث أعمل.. ثم فجأة أحزم حقائبى وأعود.. تُلح عليّ الكتابة.. أدرك أن هناك شيئاً سيُكتَب..![c1] هل هذا عائد لأنك كفتاة ريفيّة تشعرين فى المدينة بعدم الأمان..؟[/c]-أنا لا أُحسّ بالأمان إلاّ فى غرفتى فى بيتنا القروي.. حتى النوم خارج قريتى متقطِّع..! فى القرية أنام كالميّتة..![c1] لحظة المتعة فى الإبداع.. هل هى أثناء لحظة الكتابة أم بعد ذلك..؟[/c]- لحظة الإبداع متعبة.. عسيرة.. ألم شديد فى الدماغ..! متعتي بعد ذلك.. حين يخرج العمل وأقرأه.[c1] هل لديك طقوس معيّنة فى الكتابة..؟[/c]-ليست لدي طقوس.. سوى أنّ لحظة الكتابة لا بد أن تكون فى غرفتي في بيتنا القروي.. وأن تكون الغرفة نصف مظلمة.[c1] هناك من لا يرى فى الصحراء إلاّ مكاناً خالياً.. وعراءً ممتدًّا.. ويُقال إنّ فضاء القرية فضاء فقير.. لا يُعطي المبدع مساحة.. مع أنّ معظم المبدعين من القرى والأرياف ليس على صعيد وطننا العربى فقط بل حتى على صعيد العالم.. وهذا يُكذِّب هذه المقولة.. فهل ترين أن الفضاء الريفى فقير بالفعل إلى درجة أنّه لا يمنحك مواضيع وأفكاراً لقصصك ورواياتك.. أم أنّكِ تكذِِّبين هذه المقولة أيضا..ً؟[/c]-الفضاء الريفي فضاء ثريّ جدًّا.. ثريّ روحيًّا.. تفاصيل الحياة أوضح فى الريف منها فى المدينة.. مرَّة ذهب معى ابن أخى الصغير إلى المدينة.. وحين عدنا إلى القرية ونزلنا من الحافلة.. قال لي: كيف يعيش الناس فى المدينة بدون أشجار..؟! الفضاء الريفى ليس فقيراً إلاّ لمن يعيش وهو يعتبر الماء ماءً.. والزيتون زيتوناً.. لكن من يتحدث مع الماء والزيتون والوادى والبئر.. ومع كل حبة رمل.. هذه الأشياء تُمثِّل له تفاصيل مدهشة وهائلة.[c1] ماذا قدَّم لكِ النقد..؟[/c]-أنا مدينة إلى النقد بالكثير.. قال لى أستاذي الناقد أحمد السناوي.. بعد أن كتب قراءة فى مجموعتيّ الأولى والثانية: يا فاطمة تجنَّبى المباشرة فى الكتابة.. أحياناً تغلبكِ ذاتكِ فتقولين الكلمة عارية.. حاولى أن ترمِّزي.. وقد استفدتُ من هذا إلى أبعد حدّ.[c1] هل تجدين صعوبة فى إيجاد موضوع قصتك..؟[/c]-أنا لا أبحث عن موضوع للقصة.. يأتي.. يَعْلَق.. يتراكم.. لابد أن يكون هناك قادِح.. أحياناً يكون مشهداً فى الطريق العام.. أو كتاباً قرأتُه.. أو برنامجاً تلفزيونياً.. أو تلاميذي وهم من قرى جبليّة يُعطونني قادحاً كبيراً للإبداع من خلال علاقتي بهم.. ومن خلال أسئلتهم.. فى الختام أنا سعيدة بزيارتي لليبيا إلى حدّ البكاء..!!