منبر التراث
[c1]قطر الندى :[/c]قصة مظاهر احتفالات زواج قطر الندى بالخليفة المعتضد العباسي ، تعد من الاحتفالات الفخمة والضخمة التي لم يشهد التاريخ مثلها. فقد تحدث التاريخ عنها بانبهار شديد, فقد تحدث عن تفاصيل جهاز العروس الذي بلغ آلاف الدنانير. وعندما انتقلت العروس من مصر إلى بغداد “ والشقة بينهما بعيدة ، فأمر خمارويه أن يبنى على رأس كل مرحلة من مصر إلى بغداد قصراً تنزل فيه قطر الندى ... فإذا تمت مرحلة وجدت قصراً ، قد فرش ، وأعد بكل أنواع المعدات ، فكأنها في هذه الرحلة الطويلة في قصر أبيها حتى قدمت بغداد في أول المحرم سنة 282هـ “ . وذكرت المراجع التاريخية أنّ ذلك البذخ والإسراف الكبيرين الذي انفق في جهاز بنت خمارويه كلف مصر غالياً ، فقد تدهورت حالة مصر المالية تدهوراً مخيفاً .[c1]رسالة صريحة :[/c]والحقيقة أنّ المؤرخين المعاصرين الذي سطروا في سجلهم مظاهر احتفالات زواج قطر الندى بالخليفة المعتضد نظروا إليها من رؤية واحده وهي البذخ والإسراف الكبيرين في الأموال التي صرفت دون حساب على تلك الاحتفالات التي فاقت الخيال . ولم يحللوا الأسباب السياسية التي دفعت بحاكم مصر خمارويه التي انسلخت مصر في عهد والده أحمد بن طولون عن الخلافة العباسية من فترة ليست قصيرة . فقد أراد أنّ يبعث رسالة صريحة وقوية إلى الخليفة العباسي المعتضد بأنه نداً له أو بالأحرى أنّ مصر تقف في مصاف بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، وحاضرة العالم الإسلامي من ناحية وأنّ مصر تنعم بالرخاء والازدهار الكبيرين من ناحية ثانية وأنّ ذلك النعيم الذي تعيش فيه مصر يعني أنها دولة بلغت أوج عظمتها وقوتها في عهده . [c1]زواج سياسي :[/c]والحقيقة أنّ خمارويه حاكم مصر ، نظر إلى زواج ابنته قطر الندى بالخليفة المعتضد نظرة سياسية بحتة ، فقد رأى أنّ ذلك الخليفة العباسي الجالس على كرسي الخلافة ، خليفة قوي ، تمكن أنّ يضبط أمور دولته المترامية الأطراف ، وأنّ يجدد شبابها بعد أنّ أصابتها أمراض الشيخوخة التي تكالبت عليها من كل مكان ، فمثل ذلك الخليفة القوي في الإمكان أنّ يشد أزره ضد أعداءه المتربصين له سواء في الداخل أو الخارج . فقد كان ذلك الزواج زواجاً سياسياً ربط بين مصر الطولونية ( نسبة إلى أحمد بن طولون ) الذي كان أحد القادة الأتراك الكبار الذي استقل بولاية مصر ـــ كما أسلفنا ـــ .[c1]الخليفة المكتفي :[/c]والحقيقة أنّ سيرة حياة الأميرة قطر الندى في الحكايات الشعبية مزجت بين السعادة الغامرة ، والحزن العميق وبتعبير أخر ، أنّ نهاية حياتها كانت مأساوية سوداوية ، فلم تدم تلك السعادة الكبيرة التي ملئت كل حياتها سوى عشر سنوات فقط والتي كانت مدة حكم زوجها الخليفة المعتضد ( 279هـ / 289هـ / 892 ـــ 902م ) ، وبعدها سحب الجاه ، والصولجان ، والأبهة من تحت قدميها بعد وفاة المعتضد . وتبدأ قصة مأساة الأميرة قطر الندى . عندما أعتلى المكتفي ابن الخليفة المعتضد سدة الخلافة . وقيل أنّ أبنه كان يكن لها كراهية شديدة بسبب استحواذها على قلب وعقل والده المعتضد ، ومما زاد من مقته لها أنها كانت لها اليد الطولى في تصريف أمور الخلافة . ويقال أنّ الأميرة قطر الندى حاولت مراراً أنّ تزيح المكتفي عن كرسي الخلافة في حياة زوجها المعتضد ، وكادت أنّ تنجح في ذلك الأمر ، ولكن قبل أنّ يحقق الخليفة المعتضد طلبها ، عاجله الموت . [c1]نهايتها المأساوية :[/c]ولم يمض على وفاة المعتضد شهور قليلة حتى صادر الخليفة المكتفي أموال زوجة أبيه قطر الندى بل إنه صادر مجوهراتها الخاصة بها ، وفرض عليها الإقامة والانزواء في أحدى غرف القصر ببغداد , ولم يسمح لأحد أنّ تلتقي به أو يلتقي بها ، وظلت معزولة ووحيدة طوال ، ومما ضاعف من بلائها هو أنّ والدها خمارويه ، قد توفى أثناء تلك المحنة القاسية التي تعيشها ولم يكن لها أحد يقف بجانبها غيره. ومضت الأيام ، والشهور ، والسنيين الطوال وهي في حبسها هذا ، وقد أصابها الهزال الشديد ، وقد ضمر جمالها ، وانطفأ ضياءها ، وقد تحول ثوبها الذي كانت ترتديه إلى أسمال بالية . وقد امتنعت عن تناول الزاد ، وقيل أنّ قطر الندى قد أصابها قبل وفاتها لوثة في العقل ، وفقدت نعمة البصر بسبب بكائها الشديد في بياض النهار ، وسواد الليل على ما آل إليه حالها ، بعد أنّ كانت ترفل في النعيم والترف الكبيرين . وفي يوم من أيام شتاء بغداد القارص ، وجدت جثة هامدة لا حراك فيها ممدة على الأرض . وهكذا طويت صفحة الأميرة قطر الندى التي كانت في يوم من الأيام ملء السمع والبصر ، والفؤاد , ونسيت من ذاكرة الناس .