د. محمد البرادعي مدير وكالة الطاقة الذرية :
القاهرة/14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية:أكد د. محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن هناك ازدواجية في التعامل علي مستوى القضايا الإنسانية بمختلف مستوياتها ، واستمرار الاعتماد علي السلاح النووي وهو استمرار لنظام قائم علي من يملكون ومن لايملكون ومنطقتنا مازالت تعاني منه وهناك فجوة متزايدة في الانفصال بين العالم الإسلامي والعالم الغربي وعدم وجود محاولات جادة للتقارب والحوار ومحاولة عزل مشاكل العالم الإسلامي والعربي وحصارها من ناحية أو حلها بالقوة من ناحية أخري.جاء هذا في الاحتفال الذي أقامته جامعة القاهرة لتكريم د· محمد البرادعي ، بمناسبة منحه الدكتوراة الفخرية تكريما من جامعة القاهرة لشخصية كبيرة ممن تخرجوا فيها ، وتحدث البرادعي عن التحولات الجذرية والسريعة التي يشهدها العالم عبر العقدين الماضيين .وأشار إلي أنه رغم التقدم العلمي والتكنولوجي إلا أن ذلك يقابله خلل في حياتنا الإنسانية بسبب الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء وأكد أن هناك 04 % من سكان العالم مازالوا يعيشون تحت خط الفقر لأن الأولويات خاطئة حيث الانفاق علي السلاح بدلا من الغذاء ، حيث بدأ الاحتفال بمنح البرادعي الدكتوراة الفخرية في مئوية جامعة القاهرة التي تخرج فيها ، وكان د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب ضيف شرف الاحتفال وامتلأت قاعة الاحتفالات الكبري بالجامعة بالعديد من الشخصيات السياسية والوزراء ورؤساء وزراء سابقين وكثير من الشخصيات العامة .وفي تقديمه للبرادعي قال د. علي عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة إنه الرجل الذي يقبض بيديه علي الجمر قبل أن يتحول إلي حرائق لا تبقي ولا تزر ولذلك فالكلام مختلف عنه فهو يمثل لنا رؤية بانورامية لكل ما يجري حولنا وموقعنا فيه من الإعراب .[c1]تغير مفاهيم القوة[/c]وتحدث البرادعي مستهلا بمقولة سعد زغلول عند افتتاح الجامعة عام 8091 حيث قال ( لا دين للجامعة إلا العلم ) وأشار إلي أن دور الجامعة هو نشر العلم والمعرفة مؤكدا علي سعادته وافتخاره بتكريم الجامعة الأم في عيدها المئوي تلك الجامعة التي تخرج فيها الأديب طه حسين والعالم النابغة د. علي مصطفي مشرفة ود.عبد الرازق السنهوري وغيرهم ممن ارتبطت أسماؤهم وإنجازاتهم بجامعة القاهرة فنهلوا من علومها ، وأضافوا إلي رصيدها وأكد البرادعي أن العالم قد تغير وشهد تحولات جذرية وسريعة ومستمرة في الفترة الأخيرة أهم ملامحها تغير مفهوم دور الدولة ومقياس تقدمها فقد أصبح المقياس في تقدم الدولة ليس فقط بما تملكه من قوة عسكرية وإنما بمدي إسهامها في الحضارة الإنسانية علي المستوي العلمي والفكري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي أو ما يطلق عليه القوة الرخوة (soft power ) وقد تغير مفهوم الأمن القومي فلم يعد الأمن القومي مقصورا علي الحياة الكريمة انما امتد الى الأمن الداخلي والخارجي للدولة ، كما تغيرت طبيعة معظم المشكلات التي تواجهنا فقد أصبحت مشكلات عابرة الحدود وذات تأثيرات مترابطة وظهرت العديد من التكتلات والتجمعات الدولية والإقليمية والمترابطة لدعم الصالح وتقوية النفوذ وثورة الاتصالات والتكنولوجيا التي شهدها العالم مؤخرا ساهمت في إزالة الحواجز بين الدول والشعوب وأصبح كل إنسان يدرك ويعرف ما يدور حوله من إيجابيات وسلبيات .[c1]الفقراء ليسوا أغبياء [/c]وأشار البرادعي إلي أنه رغم التقدم العلمي والتكنولوجي الذي هو انعكاس لعظمة العقل البشري الذي حبانا به الله إلا أنه وبكل أسف يصاحب ذلك التقدم أوجه خلل في حياتنا الإنسانية وأهم ملامحه الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء وسوء توزيع الثروة حيث يمتلك 1 %من سكان الأرض 04 %من أصوله المادية ويقتصر ما يمتلكه 05% من سكان العالم علي 1 %فقط من هذه الأصول ومازال هناك 04 %يعيشون تحت خط الفقر ليس لأننا لا نملك الموارد وإنما لأن أولوياتنا خاطئة ففي الوقت الذي ينفق فيه العالم ما يتجاوز الآلف مليار دولار علي السلاح نجد أنه يتم انفاق أقل من 01 %فقط من هذه الأموال كمساعدات للدول النامية وهذه الأرقام مخيفة!وأوضح د. البرادعي أنه قد نخطئ لو تصورنا أن هؤلاء المحرومين من سبل الحياة الكريمة لايدركون الإجحاف والاستغلال اللذين يتعرضون لهما فهم إذا كانوا فقراء فإنهم ليسوا بأغبياء وإذا أخذنا في الاعتبار أن الفقر يرتبط في الكثير من الأحيان بغياب الحكم الرشيد فلا نندهش عندما يحس الإنسان المقهور ماديا ومعنويا بالظلم والمهانة إذا اتجه إلي العنف للتنفيس عن غضبه وسخطه وفقدانه للأمل ودائما أقول إنه لا يولد شخص “ إرهابيا “ ، وإنما يولد الإرهاب من رحم الإحباط والذل والظلم لأن الفقر هو أقوي أسلحة الدمار الشامل.[c1]ازدواجية معايير [/c]وأشار إلي أن هناك ازدواجية المعايير في التعامل الإنساني علي مختلف مستوياته واستمرار الاعتماد علي السلاح النووي وهو استمرار لنظام قائم علي من يملكون ومن لايملكون ومنطقتنا مازالت تعاني منه وهناك فجوة متزايدة في الانفصال بين العالم الإسلامي والعالم الغربي وعدم وجود محاولات جادة للتقارب والحوار ومحاولة عزل مشاكل العالم الإسلامي والعربي وحصارها من ناحية أو حلها بالقوة من ناحية أخري وضرب البرادعي مثالا بالوضع في غزة من إنزال عقاب جماعي بالمدنيين الأبرياء وحرمانهم من سبل المعيشة والرزق بدلا من تضافر جهود المجتمع الدولي والأطراف المعنية مباشرة بمعالجة أصل المشكلة عن طريق الحوار وهو أبلغ مثال علي الأسلوب الخاطئ وقصر النظر في معالجة أزمات المنطقة وهذا الأسلوب يقوي من نيارات المتطرفة التي ينظر إليها العالم الخارجي علي أنها القاعدة في مجتمعنا وليس الاستثناء وعن الأوضاع الداخلية في مصر أوضح البرادعي أن رغم أن مصر بدأت عصر النهضة الحديثة منذ أوائل القرن التاسع عشر وكانت هناك مبشرات عديدة للتطور والتقدم في شتي المجالات إلا أنه في الوقت الحالي لابد من أن نركز علي بدء مرحلة جديدة تعترف بأن ركب التطور قد سبقنا وأنه لابد من إتخاذ خطوات عادة ومدروسة وعاجلة لنلحق بهذا الركب وهذا يتطلب منا أن نبدأ مرحلة تتسم بثلاث سمات أساسية أولا : القدرة علي النقد الذاتي والتحلي بالشجاعة لتحديد عيوبنا وأوجه قصورنا لأن تشخيص المرض هو أول خطوة علي طريق الشفاء وثانيا : تغليب الفكر العقلاني دون العواطف في تشخيص مشاكلنا والتعامل معها، ومعني هذا تفكير منهجي منفتح وحر من أهل العلم والخبرة وثالثا رؤية شمولية تتناول مشاكل المجتمع المعقدة والمتشعبة وكذلك مدي ارتباطها بالعالم الذي نعيش فيه لأن هناك الكثير الذي يمكن أن نتعلمه من الآخرين لنضيف إلي تراثنا ونطوره دون الاقتصار علي التشكيك الدائم في نوايا الأخرين .[c1]مفتاح النهضة [/c]ومفتاح النهضة كما يؤكد هو العلم والمعرفة لأن تقدم أي مجتمع لا يأتي إلا بالتعليم المتميز ونشر المعرفة والثقافة بين جميع أفراد المجتمع فالعلم هو الطريق إلي حرية الإنسان وهو الطريق إلي تقدم الدولة وازدهارها ولعل نسبة الأمية التي تصل حوالي 04% بين البالغين وهبوط مستوي التعليم بجميع مراحله يمثلان أكبر تحد أمام التقدم في مصر لأن هذا العالم لايمكن أن نكون جزءا منه دون تعليم متميز وأضاف البرادعي قائلا في زمن التغييرات السريعة والعولمة إذا لم تقم الدول النامية بالاتفاق الكافي والمتزايد علي البحث العلمي لمواجهة مشاكلها فسيكون عليها أن ترضي بالفتات من ناتج الحضارة الإنسانية دون أن تضيف إلي هذه الحضارة أو تجني ثمارها ولابد أن يكون هناك إصلاح اقتصادي شامل في المجتمع يضمن زيادة الإنتاج وخلق قدرة تنافسية للاقتصاد الوطني ليكون اقتصادا مندمجا بقوة وفاعلية في النظام الاقتصادي والمالي الدولي وفي نفس الوقت يتواكب ذلك الإصلاح مع العدالة في توزيع الثروة بحيث نستطيع مرة أخري بناء طبقة متوسطة واسعة تلك الطبقة التي تشغل قيم أي مجتمع وصمام أمان وقبل كل ذلك وبعده يجب إرساء شبكة اجتماعية تحمي الفقير وغير القادر ويجب أن يكون مفهوما لدينا دائما أن الموازنة بين تقوية الحافز الشخصي ومراعاة البعد الاجتماعي هما الصمام الأساسي لأمن المجتمع والأهم أن تعي أنه لن يكون هناك إصلاح اقتصادي دون أن يتم بالتوازي مع إصلاح سياسي يعتمد علي مبادئ الشفافية والمحاسبة وتحقيق التوازن بين الأمن والحرية فعندما يشعر الفرد أنه يشارك في كل قرار يتعلق بحياته ومصيره وبأن لديه الحرية التامة في اختيار من يحكمه ويمثله يستطيع أن يسهم في حل مشاكل وطنه كشريك مسئول وليس موقف المتفرج وسيستطيع كل فرد من أبناء الوطن أن يحلق في إطار الحرية المسئولة إلي آفاق أوسع وأرحب.[c1]مراقبون ومتفرجون فقط ![/c]وأشار البرادعي أنه يجب أن نعيد نظرتنا ومفهومنا للأمن القومي لأن التهديدات ليست خارجية فقط وإنما الكثير منها يوجد في الداخل خاصة في ضوء تيارات العنف والتطرف التي نراها في بلدنا ومنطقتنا وأن يكون مفهوما أن الدستور والقانون يجب أن يكونا هما السيد والحكم في جميع الظروف فالدستور والقانون يجب أن يكونا مصممين لمواجهة مختلف الظروف التي تمر بها الدولة بما فيها الظروف الاستثنائية وعبر البرادعي عن حزنه علي وضعنا العربي المتردي إذا قارناه بالاتحاد الأوروبي الذي يتكون من أعراق وجنسيات مختلفة ولغات عدة بالدول العربية والمقومات والمشتركة التي تجمعها من لغة وتاريخ وثقافة فلا يسع المرء إلا أن يحزن علي وضعنا العربي حيث أصبحنا أقل وحدة مما كنا عليه منذ ستين عاما وهو تاريخ إانشاء الجامعة العربية وأصبحت خلافتنا.اتنا الداخلية أكثر من خلافاتنا مع العالم الخارجي وفقدنا قدرتنا بل وإرادتنا فيما يخص حل مشاكلنا الإقليمية وتركناها للعالم الخارجي واكتفينا بموقف المراقب أو المتفرج وأتمني أن يكون لنا المستقبل الأفضل فلدينا لموارد البشرية والمالية والكفاءات العلمية التي تمكننا بسهولة من أن نكون قوة إقليمية قادرة علي أن تشارك بفاعلية واستقلالية في موكب الحضارة العالمية وتوفر لشعوبها حياة حرة كريمة .