نبض القلم
المال العام هو المال الذي تعود ملكيته إلى مجموع أفراد المجتمع، ويكون الانتفاع به جميعاً، وهذه الأموال شاملة للأموال المنقولة وغير المنقولة، ومن الأموال العامة المرافق الحكومية على اختلاف أنواعها كالمساجد والمدارس والمنشآت والمستشفيات.. وغيرها. وتسمى بالمرافق العامة لأن الأمة ممثلة بالحكومة هي التي تقوم برصد المال العام، وهي التي تنشئ المرافق العامة في مجتمعها لتحقيق أهدافها ومصالحها من خلال تقديم خدمات للمجتمع، وبها يتحقق الرخاء والرفاه الاجتماعي. والمحافظة على المال العام هي حفاظ على قوة الدولة وتماسك المجتمع بما يساعد على التصدي للأعداء وإحباط مؤمراتهم بما من شأنه تطوير البلاد وتحسين مستوى الأفراد وقوة المجتمع. والحفاظ على الأموال العامة مظهر من مظاهر الانتماء إلى الوطن، والوفاء لمناضليه، لذا فإنه لزاماً على كل أفراد المجتمع أن يعملوا متضامنين للحفاظ على المال العام، ويتكاتفوا جميعاً لصيانته وتقويته. ولقد وضع الإسلام الركائز الأساسية في التعامل مع المال العام والمرافق العامة، وقد عني الفقهاء ببيان الأحكام الفقهية التي تشكل الضوابط العامة للحفاظ على المال العام، ومن ذلك: تحريم مد اليد إلى المال العام، والأخذ منه فهو حرام مؤكد لأنه حق الجميع، فإذا كان الإسلام يحرم الاعتداء على أموال الناس الخاصة، لما فيه من اعتداء على حقوق أفراد المجتمع والأمة، لذا حرم الإسلام السرقة والاختلاس والخيانة، وما أعظم بشاعة الخيانة، فقد نهى عنها الله تعالى في قوله: ((يا أيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)) الأنفال، 27. ولذا يجب المحافظة على المال العام والمرافق العامة كما يحافظ الإنسان على ملكه الخاص ومرافقه الخاصة، وذلك بصيانتها من العبث والإسراف في الاستعمال، كاستخدام الماء والكهرباء، والمواد الأخرى التي يجب استخدامها بقصد واعتدال. فكما يقتصد الإنسان ويعتدل في الإنفاق في أمواله الخاصة، يجب عليه كذلك الاعتدال والقصد في الأموال العامة والمرافق العامة، ولقد حرم الإسلام الإسراف تحريماً قطعياً، قال تعالى:« ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين» (الأعراف /21). الأمر الآخر هو إصلاح ما يتلف من المرافق العامة، وبالتالي عدم إتلافها بالعبث بها أو بقصد الفساد والتخريب، لأن التلف إذا تراكم أدى إلى تراكم المتلفات، ويصعب عندئذ القيام بإصلاحها، وإن أمكن إصلاحها فسيكون ذلك على حساب المال العام، وبكلفة مضاعفة. ومن هنا كان واجباً على كل فرد في المجتمع أن يقوم بواجبه في صيانة المرافق العامة وإصلاح الأعطال فيها أولاً بأول، وعدم تركها حتى تخرب أو تتدمر، وهي مسؤولية اجتماعية، وتقع على الجميع مسؤولية الحفاظ عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..) رواه البخاري.إن حراسة الأموال العامة والمرافق العامة تتمثل بقيام المجتمع بمراقبتها وحراستها ومحاسبة كل من يعبث بها أو يسيء استعمالها، أي لابد من محاسبة السارق والمختلس والمهمل، وكل متسبب في الإضرار بالمال العام أو المرافق العامة. ولذلك يجب معاقبة كل مهمل أو مقصر أو عابث بالمال العام، بحيث توضع العقوبة المناسبة والرادعة التي تعمل على إعادة هيبة الدولة، حتى لا يكون هناك من يستهتر بالمال العام. وليس بخاف أن الاعتداء على المال العام، وإتلاف المرافق العامة يؤدي إلى الفساد العام، وإلى إضعاف الدولة والمجتمع وتبديد الموارد، ويعتبر ذلك أكلاً للمال الحرام الذي له عواقبه السيئة في كل مجالات الحياة، وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان عن السارق، حين قال: ((لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)) رواه الترمذي . وهو منافق أيضاً لأنه خان الأمانة، ففي الحديث: ((آية المنافق ثلاث... وذكر منها إذا أوتمن خان)) رواه أحمد. وأكل المال الحرام يضر بصاحبه أيما ضرر، وفي الحديث الشريف: (( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)) والمال الحرام يسأل عنه المرء يوم القيامة، ففي الحديث الشريف: ((لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع)) وذكر منها: (( وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)) رواه الطبراني. وأكل الأموال العامة يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني ويضر بالتنمية، ويدمر القيم الاجتماعية، كما أن الاعتداء على المال العام يذهب بركة صاحبه ويفتح عليه أبواباً كثيرة للإنفاق، فقد يمرض هو أو أولاده أو زوجته، ويحتاج إلى مال كثير لينفقه في العلاج.[c1]*خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]