سيرة مبدع
إعداد/ ميسون عدنان الصادق لم يعرف قدر أهمية العالم العربي الحسن ابن الهيثم من الذين عاشوا في زمنه إلا القليلين وفي مقدمة هؤلاء الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996 - 1021م).كان الحاكم عالماً وفيلسوفاً واسع الثقافة وقد أشتهر بتشجيعه للعلوم والفلك والفلسفة فأسس في القاهرة (عام1004)”دار الحكمة” و”دار العلم” الملحقة بها وزودها بآلاف الكتب وأباح الاطلاع فيهما للجمهور وطلاب المعرفة فتردد عليها القراء والعلماء حتى أصبحت أول مكتبة عامة في الإسلام.وكان “الحاكم” كثيراً ما يستدعي من دار الحكمة ودار العلم جماعات الأطباء والرياضيين وعلماء المنطق والفقهاء للمناظرة بين يديه حتى صارت الفسطاط والقاهرة من أهم مراكز الثقافة في عصره .ولم يكن “الحاكم” يكتفي بتشجيع العلماء في دولته بأن يكرمهم ويوفر لهم الحياة الهانئة ليتفرغوا للعلم وتطوير واختراع الأدوات فقط بل كان يتابع إنجازات العلماء في كل مكان وما أن سمع بالعالم والمهندس البصري “الحسن بن الهيثم” وتحقق من عبقريته في العلوم الهندسية حتى استدعاه إلى مصر لتنفيذ مشاريع الري التي كان يفكر فيها .يصف المؤرخون لقاء الحاكم بالعالم البصري فيقولون : وقف الحاكم مع حاشيته وكبار رجال دولته عند قرية على باب القاهرة تعرف بـ”الخندق” ليكون في استقبال الحسن بن الهيثم ساعة قدومه من السفر.. ظل “الحاكم” ينتظر حتى وصل “ابن الهيثم” في جبته الواسعة فاستقبله استقبالاً جليلاً ورحب به ترحيباً بالغاً وأمر بأن ينزل ضيفاً عليه في قصر من قصوره .أحاط ابن الهيثم أو الهازن (كما يسمونه في الغرب تحريفاً لاسمه (الحسن) بكل أبحاث السابقين له وصاغها بعد أن صححها وأضاف إليها أبحاثه الجديدة وجمعها في كتابه (المناظر) الذي أحدث فور صدوره انقلاباً في علم البصريات وجعل منه علماً مستقلاً له أصوله وقوانينه وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر الميلادي واعتمدته الجامعات في أوروبا مرجعاً أساسياً عدة قرون وكان تأثيره كبيراً في علماء عصر النهضة مثل ((روجر بيكون))و((كبلر))وترجع أهمية علم البصريات إلى أن أي تقدم فيه ينعكس على باقي العلوم فلا يمكن أن تتقدم علوم الفلك والفضاء والطب والجيولوجيا إلا بتقدم الأجهزة البصرية وأبحاث الضوء. لقد أدت أبحاث ابن الهيثم إلى اكتشاف كثير من الحقائق العلمية المهمة التي لا شك أنك تدرسها الآن فقد برهن على أن الضوء ينتشر في خطوط مستقيمة وأن له سرعة محددة كما أثبت أن القمر جسم معتم يأخذ نوره من الشمس، وحسب سمك الغلاف الجوي المحيط بالأرض كما فسر ظهور الهلال والغسق وقوس قزح ووضع المعادلات الرياضية التي تشرح قوانين انعكاس وانكسار الضوء .لقد أحدث ابن الهيثم انقلابه الهائل بأسلوب العالم الواثق والمهندس البارع والتجريبي المدقق فاستحق أن يخلد اسمه في سجل صناع التراث العلمي للحضارة الإسلامية .لا أحد يمكنه الآن أن يستغنى عن النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة لتصحيح عيوب النظر ولا أحد يستغني عن النظارات الشمسية لحماية العين من الأشعة .ولكن من منا يعرف أن الحسن بن الهيثم كان أول من اخترع نظارة مكبرة للقراءة؟!