من الحياة
يكتبها / إقبال علي عبدالله* الاسبوع الماضي شاهدت جبلاً يبكي !! .. نعم انا صادق في قولي وصادق في ما شاهدت .. * احد الاصدقاء وصفني بأنني " مجنون " شارحاً في القول ان طول الساعات التي اقضيها يومياً في العمل من التاسعة صباحاً وحتى الحادية عشرة مساءً دون عودة الى المنزل للراحة قبل مواصلة العمل بعد الظهر قد جعلتني هذه الساعات اتخيل اشياء لا وجود لها في الواقع .. ومنها " جبل يبكي " ضحكت من تحليل صديقي .. وعدت لاؤكد له بأنني فعلاً شاهدت " جبلاً يبكي " وان الساعات الطويلة التي اقضيها في الصحيفة هي عشق امارسه يومياً مع الوفية الوحيدة معي في هذه الحياة .. فالصحيفة الشيء الوحيد الذي اذا بعدت عنها ولو لساعات غير ساعات المساء التي انام فيها في منزلي اشعر انني اختنق .. فهي الاوكسجين الذي يغذي رئة حياتي وتمد حياتي بالديمومه . والوحيدة التي تسمعني عندما يبكي قلبي في داخل جسدي .. الوحيدة التي اشعر بدفء حياتي وانا بين احضانها .. الوحيدة التي ابوح لها بسري دون تحفظ عاشت ألمي ووجعي .. عاشت فرحي وسعادتي .. علمتني حب الحياة وحب الناس .. الصحيفة 14 اكتوبر شهادة ميلادي وانتمائي في هذا الوطن . * شاهدت اندهاش صديقي لما اقوله .. وسمعته يقول بصوت خافت " لا حول ولا قوة الا بالله " ضحكت مرة اخرى وقلت له : هل تريدني ان اكشف لك الجبل الذي شاهدته يبكي حتى تصدقني ؟! أجاب : " ياريت يا صديقي " قلت له : " اتعرف الاستاذ / احمد محمد الحبيشي ؟! " أجاب سريعاً " نعم اعرفه انه الان رئيساً لمجلس ادارة مؤسسة 14 اكتوبر للصحافة والطباعة والنشر رئيس تحرير صحيفتكم 14 اكتوبر .. نعم اعرفه صحفياً متميزاً واديباً وشاعراً تتراقص الكلمات في قلبه قبل ان تندفع الينا لنقرأها " صمت برهة ثم عاد وسألني : " ولكن ما دخل الاستاذ / الحبيشي / بالجبل الذي شاهدته يبكي ؟! " تنهدت وقلت له : " انه هو الجبل الذي شاهدته يبكي فأنا أعرف الاستاذ / الحبيشي / منذ سنوات وعملت تحت قيادته .. وتربطني به الان صداقة يحسدنا الكثير من الزملاء عليها .. فمنذ معرفتي به وقبلها سمعت عنه الكثير لم اشاهده يوماً يبكي او ينهزم اما التحديات والصعاب ومحن الحياة الكثيرة التي مرت في حياته دائماً اشاهده قوياً ، باسماً حتى في اصعب الظروف واعقدها وعرفت منه ان قوته يستمدها من حبه للناس وحب الناس له " لم يجعلني صديقي اكمل حديثي .. قاطعني قائلاً : " انا سألتك ما دخل الاستاذ / الحبيشي / بقولك انك شاهدت جبلاً يبكي ؟! " اجبته : " الم اقل لك انه هو الجبل الذي شاهدته يبكي ؟! " قال صديقي سائلاً بدهشة : " كيف .. ادخل مباشرة في الموضوع دون سرد معرفتك بالاستاذ / الحبيشي / لان هذا شيء خاص بك !! " استجبت لسؤاله واجبت : " الاسبوع الماضي انتقلت والدة الاستاذ / الحبيشي / الى جوار ربها .. امرأة فاضلة رحمها الله .. ونظرت الى وجه الاستاذ / الحبيشي / وانا اقدم له عزائي بهذا المصاب الجلل في حياته ، شاهدت دموعاً تحاول ان تنساب من عينيه عجز عن حبسها رغم رباطة جأشه وتماسكه المذهل .. " قال لي صديقي : " هذا شيء طبيعي ان يبكي الانسان على رحيل اعز الناس اليه " .. لم اجعله يكمل .. قلت له : " هذا صحيح .. ولكن الحقيقة التي عرفتها فيما بعد ان الاستاذ / الحبيشي / كان مجنوناً بحب والدته حتى العبادة اذا وقف امامها يقف كالصنم لا يتحرك كأنه يتنفس من رئتيها .. على غير سلوك الكثيرين في هذا الزمن الردئ الملئ بالجحود والنكران لاقدس ما خلق الله لنا في الوجود . وجعل الجنة تحت اقدامها .. الاستاذ / الحبيشي / كشف في حبه المجنون لوالديه كم هو رقيق مرهف الاحساس .. فمن يحب والديه فهو يحب الله . والناس اجمعين .. لهذا وجدت ان دمعة / الحبيشي / وهو عزاء اغلى ما وهبه الله في الوجود - امه- كانت بالنسبة لي مراجعة جديدة لصداقتي الصادقة مع هذا الذي كبر ويكبر كل يوم في حياتي " .. قال صديقي : " وانا مثلك فان / الحبيشي / كبر الآن في عيني وكل شخص يحب امه ويقدسها ويرعاها هو كبير في نفوسنا " . قلت : " الآن عرفت يا صديقي معنى عبارتي انني " شاهدت جبلاً يبكي " .. اغنية الاسبوع * احن الى خبز امي وقهوة امي ولمسة امي وتكبر فيه الطفولة يوماً على صدر يوم واعشق عمري لاني اذا مت اخجل من دمع امي .. " * شعر محمود درويش غناء / مرسيل خليفة