سلاح ناري (مسدس)
استطلاع/ يحيى عسكران :لم يمض على زواجه سوى أربعة أشهر حينما قتل بسبب الثأر، شاب في الـ" 25" من عمره بإحدى مديريات محافظة عمران لحق بأخيه بعد سنتين من مقتله إثر نزاع نشب بين قبيلتين على بضعة أمتار من الأرض وراح ضحيتها شقيقه الأكبر ليخلف وراءه خمسة أيتام وأمهم . ظل أخوه يتحين الفرصة ويتابع تحركات قاتل أخيه منتظرا اللحظة التي يراها مناسبة ليثأر لأخيه وقلبه يتقطع ألما وحسرة عليه، لكنه يقتل شخصا آخر لا ذنب له سوى انه أحد أقرباء القاتل، وأثناء محاولته الفرار تمكن احد أصدقاء القتيل الذي كان يرافقه أثناء تجوله في سوق المديرية من مباشرته بالرصاص ليلقي مصرعه في نفس اللحظة. هذه إحدى مآسي الثأر التي يتناقلها الناس فيما بينهم دون أن يكون لهم منها مخرج ،أو مهرب بانتظار ما ستسفر عنه جهود الدولة تنفيذا للبرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية . وهكذا يحصد الثأر أرواح كثير من الشباب وهم في مقتبل العمر لا ذنب لهم سوى أنهم ورثوا هذه الآفة عن أبائهم وأجدادهم ومازالت جذورها منتشرة في الأوساط الاجتماعية لبعض القبائل ذات المستوى الأقل تعليما، وتحمل الموروث الجاهلي الذي نال من كرامة الإنسان وسفك الدماء ظلما وعدوانا رغبة في الانتقام وتنفيذا لقصاص مغلوط بعيدا عن كتاب الله والشرع الإسلامي السمح. مآسي وأحزان وحرمان لكثير من الأسر اليمنية بسبب هذه الظاهرة التي أرهقت المجتمع اليمني على مدى العصور وأزهقت أرواح كثير من الناس الأبرياء وأصبح المجتمع يذمها بما فيهم شريحة الشباب لأنها تهدد الأمن والسلم الاجتماعي وتمزق نسيجه وتفكك عراه وتكويناته الاجتماعية . وتشير تقارير صحفية إلى أن إجمالي الجرائم المرتكبة في قضايا الثأر من عام 1994م وحتى 2001م بلغت حوالي 21078 جريمه وهناك إحصائيات جديدة لم يكتمل رصدها من قبل لجان شكلت لرصدها من أعضاء مجلس النواب كل في دائرته الانتخابية بالتعاون مع الوجهاء والشخصيات الاجتماعية. وقد يكون الرقم الفعلي أكبر من ذلك بكثير , ناهيك عن ضحايا هذه الحوادث الذين قد يصلون إلى مئات الآلاف من قتلى وجرحى ومشردين، ومهددين بالقتل في أي لحظة، ناهيك أيضا عن الخسائر المادية التي تنجم عن هذه الظاهرة الكارثة. وكالة الأنباء اليمنية ( سبأ ) بحثت في هذه الظاهرة المؤلمة ومسبباتها ونتائجها, وأكدت دور الشباب اليمني في نبذ هذه الظاهرة ومكافحتها والقضاء عليها من خلال هذا الاستطلاع الصحفي . يقول وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد لقطاع الحج والعمرة الشيخ حسن الشيخ " إن الثأر آفة خرجت عن إطار الشرع والنظم والقوانين وأصبحت تؤرق مجتمعنا وتحصد كثيرا من النفوس البريئة التي لا صلة لهم بما حل لمن انتصف لقريبه أو أخيه ". مشيرا إلى أن شباب الأمة هم من يعول عليهم في كثير من الأمور والقضايا خاصة مثل هذه القضية التي حرمها الله في كتابه وسنة رسوله (ص ) , " فعندما يكونوا الشباب على علم وفقه ودراية تامة بخطرها عارفين حدود الله فيها فإنه لاشك بأن لهم تأثير كبيرا على الأمة والمجتمع بل وعلى الأسرة أيضا من خلال تقديم النصح والإرشاد والوعظ والتوجيه لأسرهم ومجتمعاتهم وأقربائهم وإخوانهم الذين يجالسوهم". ويؤكد الشيخ حسن أن دور الشباب في محاربة الثأر يتمثل في الثقافة والتوعية باعتبار أن الشاب ضمن أسرة والأسرة ضمن قبيلة وعشيرة، وعندما تكون لديهم ثقافة واسعة وعالية ومثمرة فإنهم سيؤثرون على المجتمع والأسرة بوسائل عدة بسلوكهم وأخلاقهم وتعاملاتهم , ويؤثرون بخطاباتهم في التجمعات والمجالس والمنابر والخواطر والمناسبات العامة .. مشيرا إلى أن الشباب قد يستغلون حزبيا وانتخابيا من جمعيات وأحزاب وهذا لا ينبغي، بل يجب أن يستغلوا في معالجة الظواهر السيئة والتي تعود على المجتمعات بالخير والفائدة وتخفيف عبء على الدولة في حلها دون استخدامهم وقودا للاحتكاكات الحزبية والخلافات المذهبية. وبين الشيخ أن عدم تطبيق شرع الله في المجرمين والقتلة وسرعة تنفيذ عقوبة القصاص في سفاكا الدماء من أسباب انتشار هذه الظاهرة في بلادنا. معتبرا أن الشباب هي الفئة الأكثر تضررا من الثأر في مختلف النواحي سواء التعليمية أو التربوية أو الاقتصادية فهو يؤثر على تحصيلهم العلمي ويوجه بعض الشباب لارتكاب جرائم وأخطاء ويهدم الاقتصاد الوطني للبلد من خلال الاقتتال والنزاع وهذا بطبيعة الحال سيؤثر سلبا على السياحة المحلية والاستثمار العربي والأجنبي . ويؤكد الشيخ حسن الشيخ أن تطبيق شرع الله تعالى وإلزام الأطراف المعنية إلى الاحتكام إلى شرع لله تأتي في مقدمة المعالجات والحلول لهذه الظاهرة , وإلزام المحاكم الشرعية بالبت في قضايا الثأر وسرعة تنفيذ الأحكام من الجهات المسئولة التي توكل إليها الأحكام وعدم التدخل فيها من صغير أو كبير , ويضيف " يجب أن تسلم الأطراف المعنية بالاحتكام إلى شرع لله ولا تحتكم إلى الثأر والانتقام إضافة إلى دور الكلمة في توعية الشباب عبر المنابر والوسائل الإعلامية المختلفة وما لها من دور ايجابي وفاعل في محاربة الثأر". ويرى عضو مجلس النواب حميد محمد شعبين أن من أهم أسباب انتشار ظاهرة الثأر غياب القضاء العادل بين المتخاصمين .. معتبرا أن الشباب بدأوا يفهمون خطر ظاهرة الثأر والظواهر السلبية التي تنتشر في المجتمع اليمني وهم حاليا ينالون حظا وافر من التعليم مقارنة بالماضي .. مشيرا إلى أن آفة الثأر أنهكت المجتمع وهي ليست موجودة فقط في المجتمع اليمني فحسب بل توجد في المجتمعات العربية والإسلامية , ولكن مع انخفاض نسبة الأمية وارتفاع التعليم والثقافة لديها قلت تواجدها واستطاعوا الاحتكام إلى القوانين والدساتير التي تضعها كل دولة. ويقول شعبين " إن مجلس النواب عمل من خلال مصفوفة كبيرة من التشريعات تقضي على مكافحة الجريمة قبل وقوعها يحاول مجلس النواب وضع آلية محددة للقضاء على الجريمة في بداية عهدها قبل توسعها وانتشارها بشكل كبير في أوساط المتخاصمين .وبين شعبين انه شكلت لجانا من شخصيات اجتماعية بالمحافظات بالتنسيق مع أعضاء مجلس النواب كلا في نطاق دائرته الانتخابية لحصر قضايا الثأر بالمحافظات التي تعاني منها ورصدها إلى اللجنة العليا لمكافحة الثأر لوضع الحلول والمعالجات لها والحد من وقوعها .. منوها إلى أن هناك دراسة بمجلس النواب وتشاور لإنشاء محكمة مستعجلة للتحقيق وإصدار العقوبات المباشرة في أسرع وقت ممكن بأي جريمة من الجرائم تقع بعواصم المحافظات. ويرى شعبين انه إذا صلح القضاء ونظام المحاكم فإن كل الظواهر السلبية ستختفي آثارها وستحل قضايا الناس بالقانون والشرع .. مؤكدا أن انتشار ظاهرة الثأر باليمن كانت تأتي في الغالب نتيجة لعدم وجود القضاء العادل والمنصف ، وتساهله في مثل هذه القضايا وعدم البت فيها وعدم سرعة تنفيذها للأحكام ، وهو ما ساعد على تعقيد الأمور. مدير عام إدارة النشاط الثقافي والاجتماعي بوزارة الشباب والرياضة عبد الكريم حومش يشير إلى أن دور الشباب يكمن في الثقافة التعليمية التي يتلقونها عبر المدارس والجامعات ومن خلالها يستطيعون أن يحاربوا هذه الظاهرة، ويعرفوا المجتمع بخطر هذه الآفة وضررها على المجتمع .. ومنوها بأن الثأر يمثل سلوك غير حضاري همجي يتعارض مع مقتضيات العقيدة والأخلاق وآثارها تنعكس سلبا على الشباب خاصة أن لم يكن هناك شباب متسلحون بالعلم والمعرفة قادرين تحمل المسؤوليات تجاه أسرهم ومجتمعاتهم فيما يتعلق بهذه القضايا. ويقول حومش " دور وزارة الشباب والرياضة يتمثل في توعية الشباب عبر منافذ عدة في المحاضرات والندوات المسابقات الثقافية والعلمية والمسرحيات الهادفة وبرامج مختلفة تضعها الوزارة وتنفذها الأندية الشبابية والرياضية . واعتبر أن قضية الثأر تأخذ حيزا واسع في اهتمام الأندية بالنسبة للشباب باعتبار التوعية عامل أساسي للتأثير على أفكارهم وتوجهاتهم في المحاضرات والندوات التي تضعها الأندية في برامجها السنوية في المراكز والتجمعات الشبابية سواء بالمراكز الصيفية أو الكشفية أو الأنشطة والمسابقات الثقافية والعلمية أو الرياضية .. منوها إلى أن الثأر له أضرار سلبية تعيق البناء والتنمية وتهدد امن واستقرار الوطن. ويؤكد حومش أن أسباب انتشار ظاهرة الثأر بين الشباب قلة التوعية بمخاطرها وأضرارها , ويرى أن معالجاتها تتم من خلال وضع آليات وبرامج توعوية للشباب عبر الندوات والتجمعات الكشفية والمنتديات الثقافية والوسائل الإعلامية .. مشيرا إلى أن وزارة الشباب تعمل برامج ثقافية ومسابقات علمية ومحاضرات دينية للشباب لتعريفهم بمخاطر الظواهر السلبية مثل الإيدز والثأر. وبين أن الشباب بحاجة ماسة لتصحيح المسارات الخاطئة لديهم خاصة في الأرياف . وأما أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة صنعاء الدكتور عبد الجليل التميمي فيقول " إن ظاهرة الثأر في المجتمعات العربية واليمنية ليست وليدة الحاضر ولكنها قديمة وترجع أصولها إلى الموروث الجاهلي، والشباب ورثوها وأصبحت عادة لديهم. مشيرا إلى أن السلوك الإنساني والاجتماعي هو النافذة التي يطل فيها الفرد على المجتمع باعتباره تجسيدا لوجدان وأخلاق الشخص وأفكاره التي تأتي نتيجة للتنشئة والتربية الاجتماعية .. معتبرا أن تربية الإنسان وتنشئته في بيئة خاطئة وغير سليمة لها علاقة بانتشار الظواهر السيئة التي تنعكس سلبا على أخلاق الشخص وسلوكه وأفكاره المنحرفة والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى الانحراف وارتكاب جرائم خاطئة ومؤذية وحماقات مخزية ومنها جريمة الثأر، بعكس الشخص ذات الأخلاق السليمة. ويقول التميمي " ظاهرة الثأر يجب أن تحارب من جميع الشرائح الاجتماعية بما فيها الشباب خاصة في أوقات المراهقة باعتبارها مرحلة عنفوان ومرحلة نضج عقلي وخطرها على الشباب في انحراف سلوكهم وأفكارهم .. معتبرا أن التعليم له دور كبير في توعية الشباب والنشء بمخاطر الظواهر السلبية وما لها من آثار سلبية على المجتمع والأسرة .. منوها إلى الدور الذي تلعبه الجامعات والمدارس والمنتديات في محاربتها . ويؤكد التميمي ان معالجات مثل هذه الظواهر الاجتماعية السيئة لا تكون بوسيلة واحدة بل بوسائل عدة وليس في يوم أو يومين بل تحتاج إلى وقت طويل المدى من خلال التنشئة والتوعية عن طريق الوسائل الإعلامية والندوات وعقد الاجتماعات والمنتديات الثقافية .. مشيرا إلى أن معالجة الحالات النفسية تكون عن طريق إدخالهم مستشفيات للأمراض النفسية والعصبية خاصة في الحالات شديدة الإصابة حتى تهدأ الاضطرابات النفسية التي يعانوا منها , وفي الحالات النفسية الخفيفة يعالجون عن طريق التوجيه والإرشاد . احد الباحثين عن الثأر من شباب محافظة الجوف والذي يعد في نفس الوقت مطلوبا للثأر وقد رفض الكشف عن اسمه أكد لنا أن الثأر جريمة ينبذها الشرع والعادات والتقاليد اليمنية .. مشيرا إلى انه نادم على خوضه في هذا المستنقع الذي أفقده أمنه واستقراره وهدوءه وراحة باله، بعد أن تشرد من دياره بسبب الثأر. ويقول هذا الشاب " إن عيشتي أصبحت في خوف وقلق ولا أرى طعم للحياة بعد ذلك اليوم الذي أقحمت في عالم الثأر ". مبينا أن التسرع والتهور في معالجة مثل هذه القضايا , إضافة إلى عدم تسليم البعض بشرع الله والاحتكام إلى القانون كان أهم أسباب الثأر من وجهة نظره في المناطق التي ينتمي إليها على الرغم من إمكانية قيام الجهات الأمنية والقضائية بدورها. ومع ذلك فهو يرى أن الشباب يمكن أن يكون لهم دور كبير في الحد من هذه الظاهرة والعمل على نشر الوعي والثقافة في أوساط المجتمع ويعيش آلاف الشباب مبعدين عن أهاليهم وديارهم وهم لاجئون لدى قبائل أخرى في بعض المحافظات بعد أن ارتكبوا أو شاركوا في جرائم ثار وأصبحوا مطلوبين للثأر بصورة أو أخرى , وهو ما يخلق حالة من عدم الأمن والاستقرار في المجتمعات التي يحلوا فيها , وينجم عن وضعهم الكثير من المشاكل القبلية التي قد تصل إلى حد الاقتتال بين القبائل وخلق صورة جديدة من الثأر والعداء . وقد بينت إحصائية لعام 2001م بثها موقع سبتمبر نت أن ( 1928 ) ضحية في محافظات ذمار، عمران ، صنعاء، البيضاء هم حصيلة الثأر توزع عددها بـ (530) ضحية في ذمار، و(527) ضحية في محافظة عمران ، و(150) في محافظة صنعاء ، و(316) في محافظة البيضاء . وربما تكون هذه مجرد أرقام بسيطة مقارنة بطبيعة الحال على أرض الواقع لعدم وجود إحصائيات رسمية ومتكاملة تشخص الوضع كاملا حتى اليوم .