وثائق الارشيف البريطاني وما رصدت في تلك المرحلة
إعداد / نجمي عبد المجيد:أحداث الجزيرة العربية وما دوّن منها في الوثائق البريطانية في عام 1919م من المراحل التاريخية التي تشكل النقلة الكبرى في الأوضاع السياسية، والتقسيم الجغرافي وفي إعادة صياغة مجرى الصراعات التي نقلت من دائرة الذاتية إلى مساحة تصادم مصالح الدول المتنفذة، حيث كانت بريطانيا صاحبة الاسهام الأول في هذا التشكيل الذي قدر للمنطقة كيانات جديدة وقوة اقتصادية متصاعدة.والمحور الذي نقف أمام بعض أحداثه من تلك الحقبة هو دور الأفراد في صناعة التاريخ وتوجيه مسيرة الأمور نحو ما يغير من شكل الرؤية السابقة إلى منظور لا تأتي تصوراته من خصوصية المساحة التي يقف عليها، بقدر ما تعمل اصابع من الخلف في قيادة هذا الهدف نحو النتيجة المعدة له من قبل الطرف الآخر سلفاً، ولكنها تأتي كمنطق فرضته الذاتية لا التدخل الخارجي.من هذه الرؤية ندرك القوة الإدارية في السياسة البريطانية وما حركت من أحداث وما رسمت من مشاريع في هذا الجزء من بلاد العرب، من بداية المد والجزر على الشواطئ العربية، سيراً نحو الجبال والمدن والرمال الصحراوية إلى أبعد ذرة تتطاير في أفق الجزيرة[c1]شخصيات وأحداث[/c]آل رشيد، هي الأسرة التي استمر حكمها لجبل شمر وحائل ما يقارب 85 عاماً، وهي من الجعافر من عبده شمر القحطانيين، وكان أول من حكم من هذه الأسرة في حائل عبدالله بن علي بن رشيد في عام 1835م وقد ولاه تلك الإمارة فيصل بن تركي آل سعود، وقد عم الاستقرار فيها حتى وفاته في عام 1874م وجاء من بعده ابنه طلال (1822 - 1866) حيث توسع في ملكه واحتل الجوف وتيماء وخيبر وكذلك جانب من القصيم.وقد تعاقب على إمارة حائل من بعده متعب بن عبدالله وبندر بن طلال ثم محمد بن عبدالله الذي كانت فترة إمارته عام 1871م بعد أن قتل 5 من أبناء أخيه طلال، ودعم حكمه وتوسع به إلى أطراف العراق ومشارف الشام ونواحي المدينة واليمامة وتغلب على نجد وتوفي في عام 1897م.كان أمراء آل رشيد من اتباع الدولة التركية اسماً وعندما مات محمد خلفه ابن أخيه عبدالعزيز بن متعب، وله عدة صدامات مع حكم الكويت وعبدالعزيز آل سعود الذي انتزع منه مدينة الرياض عام 1902م وقد قتل عبدالعزيز في معركة روضة المهنا عام 1906م في غارة فاجأه بها ابن سعود. ثم توالت الأحداث على أمراء آل رشيد ولم يطل بهم الزمن إذ قتلوا وخلعوا عن الإمارة حتى تولاها سعود بن عبدالعزيز بن متعب وقد أصبحت متضائلة وهو صغير السن لا يتجاوز من العمر 12 سنة وقد قتل عام 1920م، وكان آخر أمراء هذه الأسرة من آل رشيد هو محمد بن طلال والذي انهارت الإمارة في عهده بعد استيلاء أمير نجد عبدالعزيز آل سعود على حائل عام 1922م ووحدها مع بلاده، وقد عرف عن أسرة آل رشيد في بلاد العرب كثرة الاغتيالات بين أفرادها من أجل الوصول إلى الحكم، أما زمن ازدهار هذه الإمارة فيعود إلى عهد أميرها محمد بن عبدالله (1871 - 1897).[c1]وثيقة رقم (252) مذكرة أعدها السير دنلوب سمت لوزارة المستعمرات عن جزيرة العرب الوسطى التاريخ : 20- أكتوبر 1919م[/c]" سعادة الامام عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن سعود، هو الرئيس الزمني والروحي لنجد أو بلاد العرب الصحراوية التي تشمل ذلك القسم من شبه جزيرة العرب الواقع بين مملكة الحجاز في الغرب، وإمارة حائل " المعادية لنا أيام الحرب« في الشمال، والخليج الفارسي (العربي) في الشرق، والربع الخالي أو الصحراء الرملية الكبرى في جزيرة العرب إلى الجنوب. وهذه الأراضي الشاسعة عبارة عن صحراء مقفرة لا حياة فيها، وسكان قليلون يتألفون من عشائر بدوية رحالة، مع واحات عرضية تقيم فيها جماعات عربية مستوطنة.كان تاريخ نجد خلال الـ 200 سنة الأخيرة متسماً بالعواصف لكن أسرة آل سعود باستثناء فترات قصيرة عرضية، حافظت على عرشها منذ نحو سنة 1700م حين تولى سعود الأول، الجد الذي استمدت الأسرة المالكة اسمها منه، وثبت نفسه في مرتفعات جزيرة العرب الوسطى كحاكم مستقل. كانت جزيرة العرب الوسطى آنذاك منقسمة إلى عدد من الإمارات شبه المستقلة تعترف بسيادة غامضة لملك الاحساء على سواحل الخليج الفارسي (العربي). ولم يكن وضع سعود وخلفائه بين 1700م و 1750م غير مماثل لوضع معاصرهم »روب روي« في جبال اسكتلندة بين الإمارتين القويتين »آر جايل« و »منتروز«.مرت أحوال جزيرة العرب بتغيير حاسم في نحو سنة 1750م حين ظهر على المسرح مؤسس المذهب الوهابي محمد بن عبدالوهاب، وقد وطد بمعاونته محمد آل سعود السليل الرابع لأسرته، نفسه حاكماً لدولة دينية جديدة لم تلبث أن استوعبت بالإكراه أو بالاقناع وبكل سرعة لا الامارات المختلفة في الداخل بل السلطة العليا الأصلية للاحساء أيضاً.ولم تكد سنة 1790م تحل، حتى أصبح سعود الثالث ابن محمد وخلفه سيداً لكل جزيرة العرب الوسطى والشرقية.إن انتشار المبادئ الوهابية والانتصارات العسكرية للدولة الجديدة قد أثار الأتراك الذين اتخذوا اثر ذلك خطوات إيجابية للقضاء على الخطر المهدد.وفي خلال 30 سنة تقريباً سادت حالة حرب بين الأمبراطورية العثمانية والحاكم الوهابي. كان الحظ في مبدأ الأمر حليف هذا الأخير، فمد انتصاراته إلى كل جهة، واستولى على مكة سنة 1803م والمدينة في السنة التالية، وإقليم عمان بعد أمد قصير، وقد نهب بلدة كربلاء المقدسة على حدود العراق وغزا البصرة والشام. والخلاصة أنه بسط سلطانه على كل بلاد العرب تقريباً. لكن الأتراك واصلوا القتال. توفي سعود الثالث واغتيل خلفه عبدالعزيز الثاني، وانتقل عرش نجد إلى عبدالله الذي أفضت حركاته المعوقة ضد محمد علي باشا والي مصر وابنائه إلى الانهيار المثير للامبراطورية العظمى التي ورثها. وفي سنة 1818م احتل ابراهيم باشا الدرعية عاصمة الوهابيين بعد حصار دام أربعة أشهر وذبح أعضاء كثيرين من الأسرة الحاكمة وكبار علماء المذهب الوهابي، وأرسل عبدالله نفسه مقيداً بالسلاسل إلى مصر حيث أعدم.وفي السنوات الثلاثين التالية عانت جزيرة العرب من الحكم التركي. وفي فترات عديدة قامت ثورات رأسها أعضاء من الأسرة السعودية نجوا من مذبحة الدرعية، فلقيت قدراً كبيراً أو ضئيلاً من النجاح، لكن نجد لم تسترجع استقلالها الكامل حتى هروب فيصل حفيد عبدالله من القاهرة واستعادته العرش بين سنتي 1840 و 1850م.تمتعت نجد الآن بعهد من السلام النسبي، ولكن على أثر وفاة فيصل في نحو سنة 1869م اقحم ولداه الكبيران عبدالله وسعود البلاد في غمرة نزاع أهلي في محاولة كل منهما للاستيلاء على الحكم. وتولى الحكم كل منهما بالتناوب لأمد قصير، وطلب عبدالله مساعدة أسرة ابن رشيد الجديدة نسبياً في جهد نهائي لتثبيت نفسه على العرش بصورة دائمة. لكنه لم يحسب حساباً لمضيفه، إذ أن محمد بن رشيد، بعد أن انتصر على سعود وقتله، عزل حليفه عبدالله واستولى على عرش نجد.بقيت أسرة ابن سعود لعقد من السنين أو أكثر صامدة بينما مضى أفرادها الباقون للعيش في المنفى في البحرين والكويت، مفضلين ذلك على خدمة حاكم غريب في نفس أراضيهم. لم يخلف عبدالله ذرية، لكن سعود ترك أسرة كبيرة، وبقي ابن ثالث لفيصل اسمه عبدالرحمن ليعيش معتزلاً في الكويت مع أسرة كبيرة من أبناء صغار يكبرون. ولكن واجب استرجاع نجد لم يغب عن البال. وقد جرت محاولات متعددة لم تصب نجاحاً قام بها كلا فرعي الأسرة. وفي مطلع القرن العشرين، ونجد مازالت في يد ابن رشيد، تنازل عبدالرحمن رسمياً عن كل ادعاء بالعرش لصالح أكبر ابنائه عبدالعزيز ابن سعود وعهد إليه بواجب استعادة أراضي أجداده.«[c1]من أحداث 1919م في جزيرة العرب[/c]كانت قضية قرية الخرمة من المسائل التي ركزت عليها التقارير البريطانية، وأسباب النزاع بين الملك حسين وابن سعود وقد وجدت بها مرحلة خطيرة من الصراع حيث يدعي كلا الطرفين ملكيتها وحول هذا الخلاف قدم الشريف فيصل ابن الملك حسين أثناء زيارة له إلى وزارة الهند البريطانية بتاريخ 27 ديسمبر 1918م وجهة نظر الحجاز في هذه القضية.أما التقرير السري لوضع شرقي الطائف المقدم من جدة بتاريخ 15 يونيو 1919م يطرح علينا عدة معلومات حول تلك الأزمة التي كانت من ضمن الصراعات التي قادت عدة تحولات سياسية في المنطقة، وفي هذا الجانب يذكر التقرير، أن قوات الأخوان من الجيش التابع لابن سعود في جوار الخرمة وتربة قد بلغ عددها 20.000 أما عدد التعزيزات التي يمكن لها الوصول من نجد قد تبلغ 20.000 باوند على الأقل.أما الملك عبدالعزيز آل سعود فقد كان موجوداً قرب تربة ولكن نواياه لم تكن معروفة، أما قوات الملك حسين كانت ضئيلة أمام أي تقدم لزحف ج جيش الملك عبدالعزيز، لأنها تبلغ عدداً نحو 370 جندياً نظامياً لا يعتمد عليهم مع مدفعين تركيين قديمين.وما كتب عن قضية الخرمة في الوثائق البريطانية بعد الامتداد في المشروع السياسي البريطاني في جزيرة العرب، والمصالح في تلك السياسة هي التي حددت لبريطانيا مستويات التعامل مع زعماء هذه المنطقة حسب أهمية كل واحد منهم في صياغة الجغرافية السياسية الجديدة للمنطقة.وقد ادركت بريطانيا مكانة عبدالعزيز آل سعود في إطار هذا التشكيل الذي أخذ يمتد في جزيرة العرب وبالعودة إلى المادة رقم (1) من اتفاقية دارين الموقعة بين الملك عبدالعزيز والحكومة البريطانية بتاريخ 26 ديسمبر من عام 1915م، جاء بالنص فيها :(إن الحكومة البريطانية تعترف بأن نجد، والاحساء والقطيف والجبيل وتوابعها والأراضي والتي سيجري بشأنها النقاش فيما بعد وموانيها وشواطئ الخليج الفارسي هي البلاد الخاصة بابن سعود وآبائه من قبله وبالتالي فإن الحكومة البريطانية تعترف بابن سعود حاكماً مستقلاً وزعيماً مطلقاً لقبائل تلك الأراضي، ومن بعده ابنه واحفاده بالوراثة).وفي المذكرة رقم 308 عن القضية العربية التي أعدها الكابتن براي الموظف بالدائرة الشرقية في وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 28 يوليو عام 1919م، جاء عن أهمية الجزيرة العربية في السياسة البريطانية بهذه الكلمات :( إن للجزيرة العربية أهمية حيوية لنا في هذا المجال المهم، ولا يكفي أن تترك في وضعها الحالي، دولة مقطعة الاوصال. لأننا إذا فعلنا ذلك فسيكون من المستحيل الحيلولة دون امتصاص الحركة الآسيوية لعناصرها المختلفة. ففي الوقت الحاضر يعطف علينا 90 بالمائة من »جزيرة العرب« وأننا قد نصبح بتعزيز قواتها اسفيناً استراتيجياً وسياسياً بين القوى المتعادلة المختلفة التي تتجمع ضدنا. وباتخاذ موقف غير هذا، فإننا نضعف الأقسام الأخرى بالاختلافات وعوامل الغيرة الاجتماعية والعنصرية، وبينما تصبو هذه المدرسة الجديدة في الفكر الآسيوي إلى قارة آسيوية لا يسيطر عليها النفوذ المسيحي، فيجب أن نحاول في اتجاهات مختلفة المساعدة في تقدم دول معينة لا تسيطر عليها قوى آسيوية أخرى، وباختصار، أن نقضي على الآمال في قيام قارة آسيوية متضافرة بتشجيع التقدم المحلي والآمال المحلية).هذه الرؤية البريطانية نحو الجزيرة العربية في تلك الحقبة من التاريخ تطرحنا أمام عدة قراءات لمعنى توحيد الأجزاء وإعادة التقسيم، وصياغة في مثل هذا الإدراك السياسي لا تكون إلا عبر معرفة لدورالمكان والخصائص الجغرافية التي تفرض التحركات العامة لخطوط العمل وقابلية التنفيذ، لذلك لا تأتي العملية السياسية مرتفعة عن درجة الوعي عند سكان هذه المناطق، بل هي تتجاوز مع ما في أنفسهم من رغبات وطموحات قد تكون عوامل تقسيم وصدامات أكثر مما هي حالة توحد.[c1]مالية الحجاز بعد الحرب تقرير للمكتب العربي 3 ديسمبر 1919م[/c]نظراً لطول هذا التقرير نختار بعضاً من فقراته : ( من المهم أن الشعور بالارتياح الذي صاحب الخفض التدريجي الحديث في معونة الملك الشهرية البالغة 100.000 إلى 25.000 باوند، عن طريق استقطاعات شهرية قدرها 25.000 باوند، في تشرين الأول/ أكتوبر والثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، يجب ألا يؤدي بنا إلى أن نغض الطرف عن أن مستقبل الحجاز مسألة تؤثر في المصالح البريطانية عن كثب، وأمر يدعو إلى النظر فيه بصورة مستعجلة.وعند تأسيس دولة الحجاز الجديدة، تحملت حكومة جلالته المسؤولية الأدبية عن مستقبلها.وعلى الرغم من أنها لم تعط الملك حسين وعداً تحريرياً بمساعدته بكل طريقة، وتزويده بالمستشارين »الذين وافق على قبولهم«، فإنه يبقى في مصلحتها اتخاذ الخطوات لتأمين حكومة سليمة في مملكته.إن أهمية الحج بالنسبة إلى الامبراطورية قد عولجت كثيراً فيما سبق، فلا حاجة لمزيد من التأكيد عليها. وفوق ذلك، فإن الحجاز لم يجر التنقيب فيها كما ينبغي، وربما لا يزال هناك من الذهب في المدائن »مداين صالح« ما يزيد عما هو مكنوز الآن تحت خيام البدو. ويشاع أن النفط موجود في ساحل البحر الأحمر، وفي أماكن أخرى، بينما يروي المواطنون قصصاً عديدة عن وجود معادن من كل نوع في أطراف الطائف. ويأتي ثمانون بالمئة من واردات الحجاز من الهند، بينما يذكر تقرير وصل حديثاً وهو الخبر المدهش أن نصف سكان مكة هم من الهنود. وهاتان حقيقتان هامتان.ومنذ رحيل الأتراك في كانون الثاني/ يناير الماضي، دفعت إلى الملك حسين معونة قدرها 800.000 باوند ولكن باستثناء مرجلين جديدين نصبا في مكثف في جدة بكلفة 2000 باوند تقريباً، فإنه لم يستخدم بشيء من هذا المبلغ الجسيم لإجراء أية تحسينات).[c1]هامش : راجع المجلد الرابع من كتاب الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية نجد والحجاز عام 1919م الطبعة الأولى عام 1999م[/c]