السـموم من حولنا
تحدثت في المقالات السابقة عن سوء استخدام الأدوية ثم تحدثت عن الاكتشاف والحماية في مجال البيئة وذلك كمدخل إلى موضوع هام وكبير ولكن تكاد تكون التوعية في مجاله مهملة مع أن ذلك الخطر الداهم يوجد في بيئتنا وبين ظهرانينا ونتعامل معه في أغلب فعاليتنا الحياتية سواء في المطبخ أو الحمام أو في الحديقة أو في السيارة أو في الطريق أو في المصنع أو في المزرعة أو حتى في الرحلات البرية والخلوية ذلك هو المواد السامة التي يشكل التعامل معها خطراً إذا لم يكن الإنسان على دراية ومعرفة بكنهها وما لم يحط علماً بطرق استعمالها والالتزام بالتحذيرات والإرشادات التي تمنع وقوع المحذور.والسموم في الغالب عبارة عن مواد كيميائية من أصول نباتية أو حيوانية وبعض منها معدني وبعضها عبارة عن مشتقات بترولية أو مصنعة ومحضرة بطرق كيميائية والإنسان قد يتعرض لهذه السموم في أي مكان سواء في منزله أو في مكان عمله خاصة إذا كان مقر العمل مصنعاً من المصانع التي تنتج المواد الكيميائية أو تستعملها في أغراضها الصناعية وقد يكون مكان العمل مزرعة أو حديقة حيث يصبح التعرض للتلوث بالمبيدات الحشرية أو الزراعية مصدراً للخطر كما ان ذلك يشمل المعامل الكيميائية في المختبرات والكليات والمعاهد والهيئات التجارية العامة والخاصة وأخطارالتسمم تصبح أكثر خطراً عندما تلوث تلك السموم البيئة من حولنا سواء كان الماء أو الهواء أو التربة. ولا يحدث التسمم إلا إذا وجدت السموم طريقها إلى الجسم سواء عن طريق الملامسة أو البلع أو الاستنشاق، وإذا وصلت تلك السموم إلى الدم عبر أي وسيلة من الوسائل الثلاث السابقة فإن المادة السامة تصل إلى جميع أجهزة الجسم حيث تؤدي إلى اضطراب في وظائف تلك الأجهزة وتتوقف بعض الأنشطة الحيوية الهامة لذلك فإن الحديث عن المواد السامة ومصادرها يصبح أمراً هاماً يجب أن نوليه عناية خاصة وذلك كجزء من التوعية التي يجب أن نعمل على تنبيه الناس إلى خطورة التعامل مع تلك المواد ومن هذا المنطلق فإننا يمكن ان نقسم مواقع التسمم إلى الآتي:[c1]أولاً: مصادر التسمم في المنزل[/c] هناك الكثير من المواد الكيميائية التي تستعمل في الأغراض المنزلية سواء في التلميع أو التنظيف أو الطلاء ومنها ما يستعمل في الوقود ومنها تلك التي تستعمل في مقاومة الحشرات والحيوانات القارضة والهوام وغيرها ناهيك عن استخدام بعض المواد الكيميائية في الأغراض الصحية مثل المواد المطهرة والمنظفة والأدوية بالاضافة إلى مستحضرات التجميل والتسمم الذي يحدث في المنزل يحدث نتيجة لتناول أحد أفراد الأسرة عمداً أو عن طريق الخطأ أحد المواد السامة المتواجدة في المنزل وأغلب من يقع فريسة لتلك الحوادث الأطفال خصوصاً أولئك الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات حيث عدم التمييز وشدة التأثر بمضاعفات تلك السموم وأهم السموم المنزلية التي لا يخلو منزل منها الآتي:[c1]مستحضرات التجميل[/c] أغلب مستحضرات التجميل تحتوي على مواد سامة لها خطورتها على الإنسان إذا تناولها عن طريق الفم حيث تدخل إلى الجهاز الهضمي ومنها إلى الجهاز الدوري وعن طريق الدم تصل إلى أجهزة الجسم المختلفة مثل المخ والكبد والكلية والقلب وتسبب لها أضرارا بالغة ناهيك عن إصابة العيون والأغشية المخاطية الأخرى. ومستحضرات التجميل تنقسم حسب درجة خطورتها إلى عدة درجات فمنها ما هو شديد الخطورة مثل مزيلات طلاء الأظافر والتي تكون من مواد التلوين والخلات وأقل منها خطورة تلك التي تحتوي على مادة الأستون يليها مواد متوسطة الخطورة مثل مواد طلاء الأظافر وصبغات الشعر ذلك إن تلك المواد تحتوي على معادن سامة مثل الرصاص والكوبالت والنيكل والنحاس بالإضافة إلى المركبات العضوية السامة ومثل هذه المواد لها مضاعفات خطيرة إذا وصلت إلى داخل جسم الإنسان لأنها قد تسبب له التشنج والإغماء كما أن بعض مواد التجميل مثل الروائح العطرية ومقويات الشعر تحتوي على بعض أنواع الكحول الذي يؤدي وصوله إلى الدم إلى حدوث بعض الأعراض مثل انخفاض سكر الدم وهبوط الجهاز العصبي المركزي والتشنج والإغماء أما القسم الثالث من مستحضرات التجميل فهو مستحضرات التجميل قليلة الخطورة ومن ذلك العطور الخالية من الكحول والمواد المزيلة للشعر والمزيلة لروائح العرق فهي قد تسبب تغير لون الجلد أو ظهور أعراض الحساسية وقد تسبب أضرارا للأجهزة الحساسة مثل العين والرئة وغيرها[c1]الحموض المركزة[/c] تحتوي بطاريات السيارات ومنظفات دورات المياه والمنظفات المعدنية على بعض أنواع الحموض المركزة والتي يؤدي سوء حفظها أو استعمالها إلى حوادث تسمم في المنزل وأخطر أنواع الحموضة حمض الكبريتيك والذي قد يؤدي إلى أضرار فادحة قد تصل إلى الموت إذا وصلت قطرات منه إلى القصبة الهوائية ناهيك عن أن تلك الأحماض تؤدي إلى حدوث حروق والتهابات للجلد مما يؤدي إلى تشوهات في الطبقة الخارجية للجلد والجهاز التنفسي والعين من أشد أجهزة الجسم تأثراً عند تعرضها للحموضة بصفة عامة والمركز بصفة خاصة.[c1]المواد القلوية[/c] هذه تشمل بعض المواد القلوية التي تستعمل في المنزل مثل هيدوكسيد البوتاسيوم الذي يستعمل في تنظيف الملابس كما تدخل بعض القلويات الأخرى مثل هيدوكسيد الصوديوم وهيدوكسيد الالمنيوم في تركيب المنظفات التي تستعمل في أغراض متعددة وينجم التسمم بهذه المواد عند ابتلاعها أو استنشاق غازاتها وهي تسبب أضرارا تشبه تلك الأضرار الناجمة عن إصابات الحموض المركزة.[c1]الصابون والمنظفات الأخرى[/c] المنظفات المختلفة بما فيها الصابون تعتبر مواداً سامة خصوصاً إذا ابتلعها الأطفال دون سن السادسة حيث تحتوي أغلبها على مواد قلوية أو مواد مكلورة مثل الكلوركس ومشتقاته فهي تسبب أضرارا بالغة للفم والمريء والمعدة والأمعاء كما أن عدم تنظيف الملابس من بقايا تلك المنظفات قد يسبب التهابات جلدية لذلك فإن الإكثار من شرب الماء واللبن يفيد في التخلص من تلك المواد عند ابتلاعها كما يجب غسل الملابس عدة مرات بالماء بعد غسلها بالصابون أو أي منظف آخر.[c1]النفتالين[/c] النفتالين عبارة عن مادة كيميائية تستعمل كمبيد حشري وكذلك كمادة مطهرة كما تستخدم في الحمامات كمادة مزيلة للروائح الكريهة وإذا وصلت تلك المادة إلى داخل الجسم سواء عن طريق البلع أو الاستنشاق فإنها تسبب أضرارا بالغة للرئة والكبد والجهاز العصبي وتكثر حوادث التسمم بالنفتالين لدى الأطفال صغار السن حيث يستعمل النفتالين في حفظ ملابسهم والذي يتم امتصاصه بواسطة الجلد ومن ثم يصل إلى الدم هذا إذا تم استعمال الملابس قبل إزالة النفتالين منها.[c1]الفينيك[/c] هذه المادة تستعمل كمطهر وكمادة مزيلة للروائح الكريهة وهو يسبب اصابات والتهابات بالغة إذا وصل إلى الفم أو الجهاز الهضمي أو الرئة أو الجهاز العصبي كما انه يسبب اصابات خطيرة إذا لامس الجلد ولم يتم تطهيره.[c1]الكيروسين والبنزين[/c] هاتان مادتان من مشتقات البترول وهما يستعملان كوقود وكمذيبات للطلاء كما ان البنزين يستعمل احياناً في تنظيف الملابس خصوصاً من الدهون والشحوم الحيوانية أو الصناعية ويسبب ابتلاع أو استنشاق هذه المواد أضرارا كبيرة وخطيرة لأجهزة الجسم المختلفة ناهيك عن كونها من أهم مسببات الحرائق لذلك يحسن الحرص عند استعمالها وحفظها في مكان خاص. [c1]المبيدات الحشرية[/c] هذه عبارة عن مواد عديدة ومتنوعة وكثيرة الاستعمال في المنازل لمكافحة الحشرات المختلفة الطائرة والزاحفة ولكن خطورتها تكمن في استعمالها دون كمامات أو رشها في وجود الأطفال فتلك المواد تصل إلى الجهاز التنفسي عن طريق الاستنشاق وقد يمتصها الجلد أو عندما يتم تساقطها على الأطعمة حيث تصل عن طريق الطعام إلى الجهاز الهضمي وهي تسبب أضراراً مباشرة أو بعد مدة من الزمن إذا تراكمت داخل الجسم عن طريق التعرض المتكرر دون أخذ الاحتياطات اللازمة وهي تسبب أضرارا لكل من الجهاز التنفسي أو الهضمي أوالعصبي حسب نوع تلك المبيدات وحسب أسلوب التعرض لها.[c1]املاح الرصاص[/c] توجد أملاح الرصاص في مواد الطلاء (البوية) أو مواد الرسم وفي البنزين المحتوي على الرصاص ويحدث التسمم بهذه المواد عند التعامل معها دون وعي وادراك لخطورتها خصوصاً من قبل الأطفال الذين قد يبتلعونها لجهلهم وصغر سنهم وعدم وجود رقابة عليهم والرصاص عند ابتلاعه بسبب أضرارا فادحة في المخ والأعصاب والعضلات والدم والجهاز الهضمي لذلك فإن قرار حكومتنا الرشيدة في البدء في استعمال البنزين الخالي من الرصاص جاء حفاظاً على الصحة العامة وصحة البيئة.[c1]غاز أول أكسيد الكربون[/c]هذا الغاز يوجد ضمن مكونات أسطوانة الغاز التي نستعملها في المنزل كما أنه من النواتج الرئيسية التي تنتج عن الاحتراق غير الكامل لبعض المواد خصوصاً الفحم والخشب وغيرها، وأول اكسيد الكربون يعتبر غازاً ساماً ذلك انه يمنع وصول الاكسجين إلى هيموجلوبين الدم وهذا يؤدي إلى نقص في امدادات الاكسجين إلى خلايا الجسم المختلفة، ويترتب على ذلك حدوث اصابات في القلب والأعصاب والمخ وهبوط بالتنفس لذلك يجب أخذ الاحتياطات اللازمة التي تمنع تسرب البوتاجاز من الاسطوانة إلى داخل المنزل كما يجب ان يراعي تهوية الغرف أو الخيام وعدم اغلاقها عند وجود موقد داخلها أو عند استعمال الفحم أو الخشب في التدفئة، وحدوث الاختناق بأول اكسيد الكربون كثير الحدوث في فصل الشتاء سواء في المنازل أو في الخيام في الصحراء حيث يقوم الناس جهلاً بإغلاق النوافذ طلباً للدفء مما يؤدي إلى الاختناق بغاز أول اكسيد الكربون.[c1]الأدوية[/c] سبق ان تحدثنا في مقال سابق عن سوء استخدام الأدوية والتسمم واحد منها وعلى أن التسمم الذي قد ينجم عن سوء استعمال الأدوية كثير الحدوث فالأدوية تصبح سماً زعافاً إذا أسيء استعمالها أو تم تناولها عن طريق السهو أو الخطأ كما أن بعض القانطين من رحمة الله والعياذ بالله يستعملها بكميات كبيرة بقصد الانتحار وتكثر حوادث التسمم بالأدوية لدى الأطفال دون سن السادسة وذلك بسبب الاهمال في حفظ الأدوية وجعلها في متناولهم وعلى أية حال فإن أهم الأدوية التي تسبب التسمم في المنزل تشمل الاسبيرين وهذا الدواء يكاد لا يخلو منزل من وجوده وله استعمالات مختلفة يعرفها الجميع لكنه إذا وصل إلى أيدي الأطفال وتناولوه فإن له مضاعفات كبيرة على جميع أجهزة الجسم كما أن خطره يمتد إلى الكبار إذا تناولوه بكميات كبيرة حيث ينجم عنها الوفاة كما ان أقراص منع الحمل تعتبر سماً إذا استعملت بكميات كبيرة أو إذا تناولها الأطفال ومن الأدوية التي لها آثار سامة أدوية الاسهال والمنبهات ومستحضرات الحديد وأدوية الحساسية ومستحضرات الزئبق ومستحضرات اليود وعلى العموم فإن جميع الأدوية بدون استثناء تعتبر مواد سامة إذا أخذت بمقادير كبيرة أو إذا أسيء استعمالها لذلك فإن الاهتمام بحفظ الأدوية في أماكن خاصة وبعيدة عن متناول الأطفال والتخلص من المواد الزائدة وغير المستعملة أولاً بأول يعتبر أمراً ضرورياً حفاظاً على أطفالنا فلذات أكبادنا.[c1]الأسمدة والمخصبات الزراعية[/c] كثير من الناس يهمل في حفظ هذه المواد بعيداً عن أيدي الأطفال مع انها تعتبر مواداً سامة إذا وصلت إلى داخل الجسم وتسبب اصابات كثيرة لذلك فإن هذه المواد يجب أن تستعمل بطريقة علمية بحيث لا يبقى منها شيء يمكن تناوله في الحديقة أو أطرافها. وفي الختام فإنني أود الحديث عن هذه المواد وغيرها مما لم يرد ذكره بكثير من التفصيل إلا أن المقام لا يسمح بذلك والحديث عنها له فوائد جمة حيث ان كل منزل من منازلنا يحتوي على كم هائل من المواد السامة ونحن نتعامل معها بعفوية ودون اكتراث خصوصاً ان كثيراً من الحوادث التي تقع داخل المنازل لا يتم تغطيتها من قبل وسائل الإعلام مما يجعل الناس في جهل مطبق عن الأضرار والأخطار الكامنة وراء وجودها واستعمالها في المنازل لذلك فإن الدعوة لوسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية قائمة لكي تولي هذا الأمر الاهتمام اللازم مما ينعكس ايجاباً على صحة البيئة والمجتمع وسلامة الأسرة فالأخطار في هذا المجال كثيرة لكن عدم سماعنا عنها يرخي عليها ستارا مما يولد اللامبالاة والاستمرار في الاستعمال دون توخي الحذر ودون وعي أو ادراك لتلك الأخطار وللحديث بقية والله المستعان.[c1]عن/ جريدة ( الرياض )[/c]