سبتمبر/ وكالاتحظيت الموانئ البحرية منذ القدم باهتمام كبير من قبل الحكومات القائمة عليها كونها المنافذ الرئيسية للتجارة بينها وبين الشعوب الأخرى..إلا أن الموانئ الواقعة على مسارات الملاحة الدولية تميزت عن غيرها وازدهرت بسبب مواقعها الإستراتيجية البحرية الهامة. وكان ميناء عدن من ضمن تلك الموانئ التي اعتلت هذه المرتبة بسبب موقعها الفريد على خط الملاحة الدولي الذي يربط أوروبا وآسيا. لذلك لم يكن غريباً ان تكون عدن عين المستكشفين ومطمعاً للغزاة والمحتلين عبر التاريخ.فقد زارها الرحالة الايطالي ماركوبولو في القرن الثالث عشر وبعدها الرحالة العربي «إبن بطوطة» في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي. وبعد أن أدرك مؤسس الدولة الزيادية ( 868هـــ-1062هــ) ابن زياد أهمية عدن بسبب مينائها، قام بنشر الأمن حولها فنجح في جذب المراكب التجارية إليها بسبب قربها من موانئ المحيط الهندي.وفي مطلع القرن السادس عشر الميلادي تعرضت عدن لعدة محاولات للغزو من قبل البرتغاليين والهولنديين والأتراك انتهاء بالبريطانيين في إطار التنافس بينها لوضع سيطرتها على هذا الميناء الاستراتيجي الهام. وبسبب مصالحها الكبيرة في الهند، خشيت بريطانيا من سيطرة الدول الأوروبية الأخرى على البحر الأحمر والخليج العربي وبالتالي تهديد مصالحها الاستعمارية . لذا سعت جاهدة وبقوة واحتلت عدن في 19مارس 1839م .وشهدت عدن فترات ازدهار كثيرة أعقبها فترات تدهور للنشاط التجاري الملاحي بسبب الحروب الداخلية وأطماع المحتلين. والقارئ لتاريخ عدن يعي تماماً بان فترة ازدهار تجارة عدن إنما هي فترة ازدهار مينائها ولهذا نقول بان عدن هي الميناء وبدون الميناء فلن تكون كذلك. ولهذا ايضاً قام الانجليز أبان احتلالهم لعدن بتطوير المدينة لتخدم أهدافهم الاستعمارية العسكرية والتجارية. فكان أول قرار بهذا الخصوص هو إعلان ميناء عدن ميناء حراً للتجارة في 15مارس من عام 1850م. لقد ساهم هذا القرار بتشجيع التجارة بين الشاطئ الغربي من الهند والبحر الأحمر وترددت السفن من جميع الأجناس والأقطار لزيارة الميناء الحر الذي ميزه عن الموانئ الأخرى بالإعفاءات الجمركية على الصادرات والواردات وسهولة دخول وخروج السلع من غير تعقيدات.تطوير الميناء:لقد كان تطوير الميناء حجر الزاوية لتحتفظ عدن بموقعها التجاري الهام. فافتتاح قناة السويس في 17نوفمبر عام 1869م شكل نقطة تحول رئيسية في تاريخ ميناء عدن.إذ اتسمت الفترة التي تلت ذلك، وقبلها إعلان ميناء عدن ميناء حراً، باستقطاب تجارة سلع الترانزيت فنشطت التجارة المارة بعدن وتأسست أسواق جديدة في المدينة وازدادت الصفقات التجارية بين الشركات العالمية التي أسست لها مكاتب ثابتة في عدن. كما ساهم دخول خدمة التلغراف إلى عدن عام 1870م بتمكين الشركات في عدن من أن تكون على اطلاع دائم بأسعار السلع في العالم.وحتى تبقى عدن الميناء منافساً في كل وقت، كان لابد لها من مواكبة التغييرات في النشاط التجاري الملاحي.. فاستبدال السفن الشراعية بالبخارية على أن توفر عدن وقود الفحم للبواخر المرتادة وقد نجحت بذلك.. كما نجحت بعد ذلك عندما تحولت البواخر المستخدمة للفحم إلى وقود البترول. لاشيء متروك للصدفة بل التخطيط الاستباقي كان سمة عدن في أوج ازدهارها. لقد كانت عين عدن على قناة السويس لحظة بلحظة فعندما كان يتم تعميق القناة لاستيعاب سفن اكبر، تقوم عدن بتعميق مينائها وبزيادة قدم واحد من عمق قناة السويس.وكما فعل ابن زياد، قامت سلطة الاحتلال بتوفير الأمن في عدن ونفذت العديد من المشروعات الخدمية واتخذت سياسات تشجيعية لجذب التجار والمستثمرين إليها فنجحت بذلك حتى أصبحت عدن الميناء من أنشط موانئ الخدمات في العالم.لقد كان لهذه الإجراءات والقرارات تأثير مباشر لازدهار عدن.. فحركة ونشاط تبادل السلع الفرنسية والأمريكية ارتفعت بشكل ملحوظ وازدهرت تجارة السلع المارة (الترانزيت) وازدادت أعداد المراكب القادمة من الصين والهند والحبشة من (80) مركباً ليصل عددها إلى (1120) مركباً خلال السنوات العشر التي أعقبت إعلان ميناء عدن ميناءً حراً. وتوالت الإحداث لتتمكن عدن من استيعاب ما يفوق (6000) سفينة في العام في الستينات.أسباب تدهور نشاط الميناء:ولقد كان لإغلاق قناة السويس في 1967م الأثر البالغ في تعطيل دور عدن كميناء محوري لتزويد السفن بالوقود وكمركز تجاري خدماتي ملاحي مهم، حيث أجبرت السفن مرة أخرى على الدوران حول رأس الرجاء الصالح للوصول إلى موانئ الخليج والهند والشرق الأقصى واستراليا مما قلل من عدد السفن المارة او الواصلة إلى موانئ البحر الأحمر أو خليج عدن وبالرغم من افتتاح قناة السويس في السبعينات وتعميق الميناء، إلا أن ذلك لم يشفع لعدن، لان تستعيد مكانتها في الملاحة الدولية بسبب تقادم خدماتها التي أصبحت متواضعة في ذلك الوقت ولكن السبب الرئيسي كان سياسة الدولة آنذاك والتي أهملت ولم تسع لتطوير الميناء بالقدر الذي يستحقه.بشائر الخير لميناء عدنوبينما كان ميناء عدن يحتفل وفي مطلع التسعينات لافتتاح ارصفة المعلا متعددة الأغراض، تحققت أسمى اهداف الثورتين اليمنية(سبتمبر واكتوبر) وتطلعات اليمنيين قاطبة إلا وهو الوحدة اليمنية المباركة. ولقد أدرك قائد مسيرة الوحدة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ الوهلة الأولى أهمية هذا الصرح الاقتصادي لمستقبل اليمن ليمنحه رعاية خاصة فأعلن عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية وتلي ذلك إعلان ميناء عدن ميناء حراً في عام 1995م. هذه العناية تمثلت باقرار فخامته لتشييد محطة عدن للحاويات بمواصفات عالمية ويعلن للعالم بان ميناء عدن قادم وعازم لان يستعيد مكانته في خارطة الملاحة الدولية. وكانت نتيجة هذا الإجراء تحسن أداء ميناء عدن وارتقى من المرتبة(310) في عام 1995م من بين الموانئ العالمية المتخصصة بتداول الحاويات ليصبح في المرتبة رقم (119) في عام 2002م. ولقد وعى فخامته في أن توفير البنى التحتية الرئيسية واقامة احدث التسهيلات لا يمكن أن ينعزل عن تأمينها، ولهذا وبفطنة قائد مسيرة الوحدة قرر في عام2002م إنشاء مؤسسة متخصصة للقيام بمهام تأمين الميناء وهي مصلحة خفر السواحل التي تعد بمقاييس هذه الأيام أفضل المؤسسات الأمنية في المنطقة والذي نتج عنه الغاء علاوة مخاطر الحرب على الموانئ اليمنية من قبل شركات التأمين والتي كبدت الاقتصاد اليمني خسائر فادحة.دعم البنية المؤسسيةواليوم بعكس الامس الذي تمتع ميناء عدن فيه كميناء خدماتي، فالهدف هو استقطاب نشاط مناولة حاويات الترانزيت مع توفير وتحسين اداء الخدمات المكملة الاخرى لكن تعزيز القدرة المؤسسية ودعم جهود ادارة الميناء سياسياً واقتصادياً ومعنوياً يعد بذات اهمية توفير الخدمات الاساسية.. وعلى هذا السياق ادرك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام وحكومة معالي دولة رئيس الوزراء الاستاذ عبدالقادر باجمال ومعالي وزير النقل المهندس عمر العمودي ومحافظ محافظة عدن د. يحيى الشعيبي ومن خلفهم من القيادة السياسية لأهمية تعزيز وتقوية البناء المؤسسي لمصلحة الموانئ اليمنية- ميناء عدن ليتمكن من استعادة موقعه على خارطة الملاحة الدولي والذي تبلور في اصدار قرار مجلس الوزراء رقم (112) لعام 2004م والذي اعاد مسئولية التنظيم والاشراف على محطة عدن للحاويات الواقعة ضمن حدود الميناء ويمارس نشاطاً يأتي ضمن نطاق صلاحيات مصلحة الموانئ اليمنية- ميناء عدن.ان تعزيز القدرة الاستيعابية لميناء عدن عن طريق تشييد مراسي اضافية لمناولة الحاويات وتعميق الميناء لضمان استقطاب الاجيال الجديدة من سفن الحاويات العملاقة(حمولة 8000 حاوية ومافوق) وزيادة اسطول الخدمات البحرية وتحسين مستوى خدمات الميناء، يعد هاماً الى جانب اقرار قانون حديث لميناء عدن واعداد المخطط العام للميناء استكمالا للقرار (112) .ان تمكين مصحلة الموانئ اليمنية ميناء عدن من تنفيذ هذه الحزمة من الاجراءات كونها الجهة المعنية والمختصة لهذا النشاط سينتج عنه رؤية قويمة لمستقبل الميناء الذي يعوّل عليه الجميع للمساهمة جذرياً في تحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي لأبناء الوطن.. ولم لا..حيث ان توفير وظيفة واحدة في الميناء يخلق مابين (10-20) فرصة عمل غير مباشرة كما تشير الدراسات .. اضف الى ذلك فان انتعاش الميناء يعني انه سيساهم في تخفيض كلفة النقل البحري (النولون) وبالتالي يتحسن الوضع الاقتصادي من خلال انخفاض اسعار البضائع المستهلكة او المصدرة التي ستصبح بضائع الانتاج المحلي تنافس البضائع الاجنبية.واذ تقدر ادارة الميناء تصويب فخامته لهذا الوضع، تؤكد احقيتها وقدرتها على تحمل مسئولياتها على اكمل وجه وعازمة تحت رعاية وتوجيه فخامته للمضي قدماً لطريق ازدهار هذا الميناء.نتائج المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام يعد حدثاً مهماً لمستقبل ميناء عدن وادارة مصحلة الموانئ اليمنية- ميناء عدن لديها ثقة كبيرة في ان القرارات التي سيتمخض عنها المؤتمر والسياسات الجديدة لتسيير عجلة الديمقراطية في اليمن السعيد ستسهم في تعزيز الثقة للمستثمرين وسترسل رسالة شديدة اللهجة للشركات والخطوط البحرية العالمية بان ميناء عدن عائد لا محالة وسيفرض نفسه في خارطة الموانئ العالمية كما كان في السابق.
ميناء عدن:شريان الوحدة وقلبه النابض
أخبار متعلقة