[c1]نجوى عبدالقادر [/c]مايدور هذه الأيام من جدل وما يعقد من مؤتمرات حول " الحوار بين الأديان" أو "الحوار بين الحضارات" والحملة المغرضة التي شنتها احدى صحف الدانمارك ضد رسولنا الكريم والدين الاسلامي عاد بي قليلاً الى الوراء والى مراجعة كتاب قيم أصدره الكاردينال فرانتس كونيج عندما كان يعمل استاذاً في جامعة سالتسبورج بالنمسا في ثلاثة أجزاء بعنوان " مرجع تاريخ الاديان".في الفصل الاول يتحدث الكاردينال نفسه عن الانسان ومعتقده الديني ويؤكد على الرابطة الاساسية المشتركة التي تربط البشرية في أنحاء الكرة الارضية في هذا المجال وعن محور الايمان بوجه عام ثم ينتقل الكتاب ليتحدث في ثمانية فصول من جميع المعتقدات الدينية للبشر عبر التاريخ فيتحدث عن معتقدات البشر في أقدم العصور معتمداً على ما توفر لنا من آثار ورموز ورسوم وعادات عند تلك الشعوب ويختتم الفصل ببحث حول مصدر الاعتقاد الديني .وبعد حديث عن معتقدات البشر الاوائل في الشرق الاوسط وغرب أوروبا والمعتقدات الدينية في الحضارات القديمة فيما بين النهرين ومصر والشعوب الهندو- أوروبية ثم عند اليونان والرومان وفي الحضارة الهيلينية وعند قبائل الجرمان وغيرها من القبائل وكذا الحديث عن عقائد الصينيين واليابانيين من الكنفوشيوسية وبوذية وتاوية يتضمنها الفصل الثالث الى السادس لينتقل بعد ذلك الى الحديث عن الاديان السماوية فيخصص الفصل السابع للحديث عن الاسلام والثامن عن اليهودية والتاسع عن المسيحية أما الفصل العاشر الذي يختتم به الكتاب فيحمل العنوان الهام " التحدي وحوار الاديان" ويحلل فيه ما يواجه الايمان بوجه عام من تحديات متباينة من تيارات المادية والالحاد ثم حاجة البشرية جمعاء وخاصة أولئك الذين يؤمنون بوحدانية الله ، إلى الحوار لوضع أسس للتفاهم والتقارب .الكتاب كما جاء في مقدمته :" يؤكد لنا التاريخ في جميع صفحاته أن البشر على تباين مقر إقامتهم ، قد أدركوا عبر جميع العصور " القوة الإلهية" ولجأوا إليها طالبين العون ومقدمين لها التضحيات شاكرين او تائبين .وسواء عاش الفرد منعزلاً او أنتظم في رابطة اجتماعية فإن شعور التقدير والاجلال أمام عالم آخر غير مرئي يفيض به. على هذا الاساس فالانسان لم يخلق العقيدة الدينية - كما يدعي البعض- ولكنها ترتبط بحياته في صورها المتباينة وفي جميع صور ومراحل وجوده لذلك فإن الممارسة الدينية هبة ملازمة وضرورية للروح البشرية ولما كان العقل البشري مصاغاً بصورة تجعله يبحث عن " المطلق" في الوجود فإن الفيلسوف كارل ياسبرس يرى : ".. حتى الملحد المتعصب في إلحاده يبتهل الى ذلك " الإله" الذي ابتدعه لنفسه .. " إن الانسان اليوم يبحث متشوقاً عن شيء لابد أن يحل وهو ينتظر حلوله فاقد الصبر وقد يتصور البعض أن مادية القارة الاوروبية الثرية بما توفره للفرد من جميع متطلباته بل وأكثر من متطلباته تغنينا عن مثل هذا التشوق ولكننا جميعاً ندرك كم هو حائر ومرهق ذلك الانسان في منطقتنا هذه باحثاً في عجلة وعصبية عن حظه وسعادته وليس أدل على ذلك من تلك العصبية المتزايدة التي يعاني منها البشر والتي تبدو واضحة في الاقبال الزائد على شرب الخمور وتعاطي المخدرات وأقل صورها تلك الزيادة الكبيرة في معاودة الناس للأطباء للبحث عن علاج".وفي حديث الكاردينال عن الاسلام نجده يقر بما دونه المؤرخ الشهير كريستوفر داوسون وينقل عنه ما نصه :" إن الصورة المثلى التي يمكن أن نقدمها للطاقة الاجتماعية والمشكّلة للحضارة في الدين نجدها في الاسلام حيث يوضح لنا التاريخ هنا كيف استطاعت حركة دينية نشأت من خلية صغيرة أن تتطور الى حركة قوية خلال فترة قصيرة من الزمن .لقد أمتدت هذه العقيدة خلال عقود قليلة من الزمن عبر قارات وأزالت دولاً وخلقت صورة جديدة للفكر والحضارة ربطت بين الملايين من البشر عبر حواجز اللغات والعرق فإذا بعرب الصحراء وزنوج افريقيا الغربية والفيلسوف الايراني والجندي التركي والتاجر الهندي بل والقرصان في مياه أرخبيل الماليزيا يتحدثون جميعاً نفس اللغة الدينية ويؤمنون بنفس المعتقدات ويرتبطون بنفس المثل الاخلاقية ويعيشون في إطار نفس العادات والتقاليد الاجتماعية ومع أن المعمار الاسلامي في أراضي العالم كان متبايناً فإنه ظل معماراً إسلامياً واضح المعالم كذلك كان الامر بالنسبة لمناحي التعبير الادبي ولسبل الحياة وصورها ".( عن كريستوفر داوسون : الدين والحضارة)ويتواصل في مقدمة الفصل السابع حديث الكاردينال عن الاسلام فيقول :" أصغر الاديان العالمية سناً هو اليوم أكثرها تعداداً واتساعاً في الارض ويأسف أن الشعوب الاوروبية لم يشد اهتمامها بوجه خاص تلك الروحانية المختلفة الصورة بقدر ما أثار اهتمامها موجات العمال الاجانب المعتنقين لهذا الدين ، وتلك القوة السياسية والاقتصادية التي تمثلها الدول الاسلامية اليوم . كما يأسف أن معلومات الاوروبيين عن الاسلام لا تزال في معظمها متأثرة بانطباعات عامة مختلفة من مصادر غير دقيقة بالاضافة الى المظاهر السطحية العامة والمضللة عن الحركات التي يطلق عليها اليوم " التقليدية" في الاسلام.
|
ثقافة
حول حوار الأديان
أخبار متعلقة