لماذ لم يعد شعراء الأغنية أو الشعراء الغنائيين قادرين على إقناع الملحنين والمطربين بأن أشعارهم الغنائية تستطيع أن تتحول إلى أغاني جميلة لاتقل قيمة عن تلك الأغاني الخالدة التي كانت ولاتزال مضرب المثل في الاصالة والإبداع ليس في المشهد الفني والموسيقي اليمني فحسب بل وفي المشهد الفني الموسيقي العربي.السؤال الآنف ينسحب إليه سؤال آخر وهو: لماذا لم نعد نشهد في الساحة عملاً غنائياً واحداً يمتلك مقومات الإبداع والأصالة والديمومة؟! وهذا لايقلل من أي جهد بذل أو يغمط حق أي فنان من فنانينا الشباب الذين لايزالون يمارسون التلحين والغناء، فأغانيهم لاتخلو من اللمحات الجمالية ولكن يشعر المستمع لها أنها أقل اصالة .. أقل إبداعاً من أغاني زمان، هذا أن لم نقل أنها تكرر بعض خطرات ذلك الفن الأصيل بشكل مشوه، سواء من حيث بناء الكلام المغنى المراد به “شعر أغنية” أو من حيث الألحان التي نجدها تدور بين كوبليه من تلك الأغنية الأصيلة، ومقطع من أغنية اخرى من الفن الأصيل وغايتها النهائية أن تخرج متميزة ولكنها للأسف تخرج مثل ذلك الكائن الهجين الذي تم استنساخه من كائنين مختلفي النوع .. تصوروا كيف يكون؟! ولتقريب المشهد فلنتخيل ان عالم استنساخ قام باستنساخ كائن من أنثى الفيل وذكر الجمل، فكان الناتج كائناً له سنام الجمل ورقبته وخرطوم الفيل واقدامه وتوزع الرأس الجديد بين رأسي الفيل والجمل بحيث يطول الفك وفتحة الفم بينما تخرج من جانبي المنخرين نابين طويلين يشبهان نابي الفيل؟ّ فكيف سيكون منظر ذلك الكائن .. جميلاً أم قبيحاً؟ الجواب متروك للقارئ.ونعود إلى الأغنية المستنسخة مرة اخرى ونقول إننا إزاء شكل عبثي من الإنتاج الفني يشبه محاولة عالم الاستنساخ الآنفة الذكر.وهذا يدعونا إلى إثارة التساؤل من جديد بصيغ اخرى تتجه إلى البحث عن اسباب النجاح في الماضي واسباب الفشل حالياً في انتاج فن أصيل ومبدع في المجال الموسيقي والغنائي مايقودنا إلى تذكر أن المواهب الفنية سواء في الماضي والحاضر تولد صغيرة ثم تكبر بالصقل والممارسة والتجريب والتثقف والتزود بالمعارف الثقافية والفكرية والفنية، فما هي الحلقة المفقودة التي جعلت الفن الحالي أقل أصالة وإبداعاً؟!ويمكنني أن أقول بملء الفم إن الذي ضاع وأصبح حلقة مفقودة تلك التقاليد الفنية التي كانت تمنع التعاطي مع أي منتج إبداعي غير أصيل، وهي التقاليد التي عملت على مساعدة الموهبة الأصيلة على التقدم والتطور إبداعياً حتى بلغت مصافات نكاد اليوم نرى السبيل إليها مثل اجتراح المعجزات، وذلك عندما نقيس على ماهو منتج من اغانٍ، ولا أقول شعراً غنائياً فالديوان اليمني يزخر بالكثير من الشعر الغنائي الذي يتجاوز من حيث الاصالة والإبداع ما سبق أن انتج في العصر الذهبي للأغنية.ذلك أن الاغاني التي يتم انتاجها الآن بلا حسيب أو رقيب تكاد تكون مقطوعة الصلة بذلك الشعر الغنائي الرفيع الموجود بين ظهرانينا، وكأنما المغنون والملحنون قد عميت أبصارهم أو قلوبهم التي في الصدور حتى يروا ما حولهم من شعر جميل مستقيم المبنى والمعنى والصلاحية للغناء.إننا نجد البعض من الفنانين الملحنين والمطربين لايختارون إلا الأقل قيمة جمالية وفنية وموضوعية من شعر الغناء ليقدموها لنا بوصفها اغاني يراد لنا أن نتذوقها والله المستعان.وإذا ما توجهنا بالنصح لأحدهم أو أكثر بأن يغنوا بعض القصائد الغنائية لبعض الشعراء المجيدين .. تحججوا تارة بثقل دم صاحبها، أو بعدم تقديمه اغانيه لهم، أو بعدم ارتياحهم لما يكتبه من باب اهتماماته المختلفة عن اهتماماتهم، .. و .. و .. الخ، وكلها حجج واهية لامنطق يقيمها ولاعذر يشفع لها، ولا طائل من استكناه منطوقها أو مدلولها.وبعد ذلك يبقى الحال كما هو عليه تردٍ في ترد، مع إهدار إمكانيات حقيقة لوقف هذا التردي.والأدهى من ذلك أن تجد تطفلات بعضاً من المتطفلين على المجال الفني الموسيقي والغنائي فضاء رحباً في هذا التردي لتتحفنا بين الفنية والاخرى بقصائد غنائية أو بأغانٍ اكثر رداءة من سابقاتها والحبل على الجرار!!وما فيش حد أحسن من حد!! فإلى متى الصمت على ذلك؟!
|
ثقافة
إلى متى الصمت ؟!
أخبار متعلقة