العنوسة.. أسباب وملابسات!!
إعداد/محمد فؤاد :كما أن الفتاة قد تجعل الدراسة عقبة أمام الزواج ويوافقها أبوها على ذلك، وفي ذلك ضرر على الفتاة وعلى المجتمع من عدة أمور منها: أن التعليم الطويل بالنسبة للفتاة في الغالب لا تستفيد منه عندما تتزوج فتنشغل بالزوج والأولاد، كما أن الفتاة إذا ردت نصيبها من الزواج بحجة الدراسة فإن الخطاب ينصرفون عنها- كما يقول الأستاذ عبد الله الجار الله في كتاب الزواج وفوائده وآثاره النافعة- لأن كثيرا من الشباب يفضلون زوجات أقل منهم في المستوى العلمي، وبعض الشباب لا يفضلون زوجة تخرجت من الجامعة، وانشغلت بالعمل وجمع المادة مع أن السن قد تقدمت بها، وبدأت تذبل، فحري بالمرأة وولي أمرها ألا يردا الخاطب في أي لحظة من اللحظات التي يتقدم لهم فيها إذا رضوا دينه سواء قبل أن تواصل دراستها وعملها أم لم يقبل أن تواصل الدراسة والعمل، مع أن بعض الشباب لا يمانعون من مواصلة زوجاتهم للدراسة، لأنهم يحسون أن المجتمع بحاجة إلى مثل زوجاتهم للتدريس، أو للتطبيب ونحو ذلك هما يحتاجه المجتمع الإسلامي المحافظ.أن الإسلام لا يقف أمام تعليم الرجل والمرأة، وإنما يقف أمام تلك المظاهر الكاذبة التي انتشرت والتي كان لها الأثر السيئ في المجتمع الإسلامي، فلو فرضنا أن الفتاة قد أكملت دراستها بدون زواج، وأخذت الشهادات العليا فكم يصبح عمرها؟ ومن سيتزوجها؟ بعد أن عدت سن الزواج؟ فأغلب الرجال يفضلون الفتاة صغيرة السن وتمتلئ البيوت بفتيات نادمات على رفضهن الزواج بحجة إكمال الدراسة، وآباءهن لا يحركون ساكنا، ولا يقدمون النصيحة لهن، وتود الواحدة من هؤلاء الفتيات اللاتي حصلن على شهادة الماجستير أن تحرق لأنها أضاعت عمرها، وأوصت شبابها ولحقت بقطار العنوسة، حيث الرجل لا يريد زوجة، لم يتبق من عمرها إلا القليل حتى تصل لسن اليأس.إن الفتاة أو الشاب إذا تزوجا خلال فترة الدراسة فإنهما سيعيشان أحلى لحظات العمر مع الاستقرار النفسي والعائلي. وقد تناولت إحدى الصحف قضية الفتاة الجامعية التي تقف على عتبة العنوسة بالمناقشة بين طرفي القضية الفتاة والشاب، ونستعرض بعضا من الآراء المختلفة لكل طرف لنتعرف على ملابسات هذه القضية الحساسة.إحدى الفتيات اتهمت الشباب بأنهم يبحثون عن الفتاة صغيرة السن أو قليلة التعليم لسهولة قيادتها، أو لإضفاء المرح والسرور على الحياة الزوجية، كما اتهمت الشباب الذين يعزفون عن الزواج من الجامعية بقصور تفكيرهم، وضعف شخصياتهم، لأنهم يتابعون الأفلام التي تكون محشوة بأفكار ومعتقدات خاطئة عن الفتاة الجامعية وأن قوامة الرجل صورية، وليس كما جاء في قول- الله عز وجل-: {الرجال قوامون على النساء}.ورأي آخر لفتاة يقول: إن الشباب يلصقون أبشع الصفات بالفتاة الجامعية بأنها «مغرورة ومتعجرفة ومتكبرة».واتفقت معظم الفتيات على أن العلم ضروري ولن يؤثر ذلك على مستقبلهن الأسري حتى حملن هذا السلاح الذي يحميهن من غوائل الدهر، وظروف الحياة، بل إن الشهادة تمنحهن المزيد من النضوج والوعي والثقافة، ويوجهن اللوم إلى بعض الشباب الذين يتذرعون بالحجج الواهية حول غرور الفتاة الجامعية، أو البعض الآخر الذي يفضلها صغيرة، وأكدن أن بعض الشباب يتهربون من المسئولية ومن الارتباط بالفتاة الجامعية، لأنها أعلى مستوى منهم، وأرقى ثقافة، ونفين مقولة: «إن الفتاة الجامعية تشرف على العنوسة».ويرى شاب جامعي أنه من الأفضل الزواج من جامعية ليكون هناك تقارب في المستوى الفكري والثقافي بينهما، ولكي يعيش الأبناء في ظل أسرة متفهمة واعية قادرة على حل مشاكلها بكل سهولة ويسر، وحصول الفتاة على شهادة جامعية أمر ضروري لتؤمن نفسها من غدر الزمن لأنها لو توفي زوجها أو طلقها تستطيع أن تخوض غمار الحياة وتربي أطفالها بالبحث عن وظيفة، كما أن الفتاة الجامعية تصل إلى درجة من العقلانية والوعي الثقافي تؤهلها لأن تكون زوجة صالحة وأما فاضلة وعضوا فعالا لبناء المجتمع.ويمكن الجمع بين الزواج في سن صغيرة وإكمال دراستها بعد الزواج، والموازنة بين بيتها وأطفالها ودراستها، لأن معظم الشباب يفضل الزوجة صغيرة السن التي لا يزيد عمرها عن العشرين، أما زواج الجامعية من شاب غير جامعي فهو زواج غير مستقر، لعدم وجود تقارب وتكافؤ بين الزوجين فكريا وعلميا وثقافيا، ولشبه انعدام لغة الحوار المشترك بينهما، وقد تتعالى الزوجة على الزوج بمستواها التعليمي، ولا يعني هذا أن الشاب الذي يريد فتاة صغيرة السن أو غير جامعية يعاني من نقص داخله، فهذا اتهام باطل ومرفوض، لأن هذه الرغبة قد تكون هروبا من تعالي وغطرسة وغرور الجامعية، وعندما يتزوج الصغير قد يدعها لإكمال دراستها أثناء الزواج، وبذلك يكون قضى على غرور الجامعية وتعاليها على الشباب.إن الجامعية- بلا شك- تكون على قدر كبير من المسئولية والفهم والوعي والإدراك.ووجهة نظر أخرى تقول: إن الزواج بالجامعية المثقفة يكون عونا على بناء مستقبل مشرق، وعلى الذين يرفضون الزواج من الجامعية أن يعيدوا تفكيرهم الخاطئ وهذا التفكير العقيم وبخاصة إذا كان ممن وصل إلى المرحلة الجامعية بشرط أن تعي الفتاة الجامعية دورها بشكل جيد، وألا تتعالى على زوجها بشهادتها العالية.ولعل الطبيبة من أكثر الفتيات تعرضا لعزوف الشباب عن الزواج منها لإصرارها على إنهاء دراستها قبل الزواج، واتهام البعض لها بالتعالي، والغرور، لأنها قد أصبحت طبيبة، ولهذا يعتقد البعض أنها لا تصلح كزوجة، وبعضهم يحاولون الحد من تقدم الفتاة الطبي عند إصرارهم على أن يكون عملها داخل إحدى الوحدات أو المراكز الصحية، إلا أننا نجد قلة هي التي تقدم على الزواج من الطبيبة، بل وتساهم أيضا في تحقيق أحلامها بالتميز والتفوق. أن مقولة الشباب إن الزواج يتطلب مبالغ طائلة لا قدرة لهم عليها، وتكاليف تكبل حياتهم لمدة طويلة مقولة مبالغ فيها، لأنه يوجد العديد من الأسر التي لا تبالغ في المهور والتكاليف الباهظة، كما أنه تنتشر العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تساعد وتسهل في تكاليف الأزواج، بل وتستطيع التوفيق بين كل من الشاب والفتاة المناسبة له.فعلى الشباب أن ينهضوا من سباتهم العميق، وحججهم الواهية، ويزيحوا عن كاهلهم شعار العزوف عن الزواج قبل أن تضيع أحلى سنوات العمر هباء، فقد قال- تعالى-: {إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله} (سورة النور، الآية: 32).كما أن بعض الشباب يعزفون عن الزواج بسبب البحث عن أسرة تسمح بالرؤية الشرعية للفتاة قبل العقد، ويستمر البحث طويلا طاويا معه سنوات وسنوات، وربما لا يجد فيضطر للزواج بزوجة لم يقتنع بها، فإما أن يضمها على كره ومجاملة، وإما أن يطلقها مع أن الله أباح الرؤية الشرعية بشرط عدم الخلوة.كما أن الشباب قد يشترطون الأبكار، وصغيرات السن، ولربما كانت العانس أو المطلقة أفضل بكثير من الصغيرات، سواء في العلم أو تجارب الحياة، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة بنت خويلد وعمرها أربعون عاما، وعمره صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون عاما.ومما يساعد على انتشار العنوسة في المجتمع رفض البعض لفكرة التعدد في الزواج مع أن الله- سبحانه وتعالى- قد أباح التعدد وحث عليه بشروط وقيود معينة، يلزم تطبيقها حتى تتحقق الغايات الساهية من وراء التعدد، إلا أن البعض يرفض الرجل صاحب الدين والخلق الفاضل لكونه متزوجا مع توافر القدرة الدينية والمالية والصحية.فخير للمرأة أن تكون نصف زوجة أو ثلث زوجة على أن تعيش حبيسة الوحدة و العنوسة والهموم.ومن هنا يأتي دور أهل الخير والصلاح في تعريف الناس بعضهم على بعض لمن يريد الزواج، أو لمن يوجد عنده بنات وبما تقدم بهن السن، أو كن أرامل أو مطلقات، ومحاولة التوفيق بين الناس ومساعدتهم على قضاء حوائجهم وينبغي ألا يتردد أهل الخير والصالحون من أهل المعروف في ذلك عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: «الدال على الخير كفاعله « رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه « رواه البخاري ومسلم.إن العبء الأكبر يقع على العلماء والدعاة وأئمة المساجد في التصدي لهذا الشبح الخطير، شبح العنوسة الذي يهدد الكثير من بيوت المسلمين.إن مجتمعنا محافظ في دينه وقيمه، ولا تستطيع الفتاة مفاتحة والديها عن الزواج، وهذا أمر طبيعي ، ولا مانع إذا علمت الفتاة بتقدم أحد الخطاب لها وهو على دين وخلق أن تشعر والديها برغبتها فيه، أما إذا كان الوالد أو الولي من طبعه الرفض، ورد الخطاب فعند ذلك تستشير الفتاة من تثق بعلمه وتقواه من المشايخ لأخذ التوجيه المناسب، وربما يتاح التوسط بطريقة سليمة وشرعية، وليس بعيب أن تخطب الفتاة لنفسها لاسيما إذا كانت كبيرة ومميزة، ولها القدرة على التمييز، ولها في أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- أسوة حسنة حينما عرضت نفسها على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم لما أيقنت من نزاهته وخلقه وأمانته.