اليمن .. مسيرة حافلة بالإنجازات في قطاعات التعليم
صنعاء / سبأ:شكل الجهل المقترن بالأمية والتخلف الذي ساد البلاد في العهد الإمامي البائد، من أهم الدوافع والمبررات لقادة الثورة اليمنية المباركة لإنجاز التغيير الهام في تاريخ اليمن المعاصر ممثلاً في ثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة ، ما جعل التعليم ونشر المعرفة على رأس أولويات حكومة الثورة كمدخل جوهري لإحداث نقلة نوعية حقيقية في واقع الوطن وحياة الشعب وتحقيق النهوض الحضاري الشامل لليمن الجديد.ولما كان الإرث الكارثي المتمثل بالجهل الذي وصلت نسبته إلى أكثر من 95 بالمائة بين أوساط الشعب - واعتمدت الإمامة عليه كإستراتيجية للحكم - هو العدو الأكبر للشعب فقد كانت المواجهة الأولى لقيادة الثورة مع هذه الآفة التي سعت الإمامة إلى تكريسها بين أوساط الشعب وظلت تتمترس خلف مكامن التخلف بهدف تأمين استمرارية وديمومة بقائها في الحكم متسلطةً على الشعب ومقدراته , حيث كانت فلسفتها التعليمية والتربوية ترتكز على مجموعة من الكتاتيب تدرس فيها وبأساليب بالية ما يعزز ويؤكد مشروعية الإمامة في الحكم وحقها الإلهي المزعوم في احتكار السلطة, معتقدة أنها قد تنجح في إحكام الإمساك بزمام الأمور من خلال أساليبها العتيقة تلك لتأمن لنفسها مشروعاً طويلاً للحكم يستند على الجهل.. إلا إنها لم تكن تدرك بأنها قد باتت تحفر قبرها بأيديها وأنها قد بذرت بذور فناء النظام من داخله كونها لم تكن تعمل حساباً لما يدور من حولها في العالم أو على الأقل عربياً وإقليميا.. حيث كانت رياح الثورات والتغيير والدعوات إلى الأخذ بالأساليب العلمية في الحكم والإدارة والحياة بأكملها تجتاح دول المنطقة برمتها.وبنظرة موضوعية يمكن الجزم في القول إن الجهل كان يعد السبب الرئيس لكل مشاكل المجتمع اليمني سوءا كان ذلك قبل الثورة أو بعدها باعتبار الجهل يشكل سببا لكل المشاكل والسلبيات الأخرى.. والمجتمع الجاهل سهل الانقياد والطاعة العمياء وتتفشي بين صفوفه شتى أنواع الأمراض ويولد بين أفراده الفقر المدقع ويخضع الجميع في هذه الأنواع من المجتمعات للتواكل بدلاً من التخطيط ، والخنوع بدلاً من التوثب والطموح، والتقوقع بدلاً من الانطلاق.. فضلا عن كون المجتمعات الجاهلة تتسم بنمط الحياة البدائية و تنتشر فيها مختلف السلبيات والخرافات كما كان في العهد الإمامي (( مثل حكاية القطران الذي دعت إليها الإمامة أبناء الشعب، لضمان تجنب مردة الشياطين، فاستجاب إليها الجميع)).وانطلاقا من إدراك قادة الثورة لمخاطر الجهل ولكونهم وجدوا أنفسهم منذ لحظات الثورة الأولى أمام مجتمع يعم الجهل معظم أفراده ويصعب الاعتماد عليه في عملية البناء والتنمية, فكان لزاما أن يقوم التوجه الذي تبنته اليمن في عهدها الجديد على مبدأ إشاعة العلم والمعرفة في أوساط المجتمع واعتباره إلزاميا لمن هم في سن التعليم، وهو ما تضمنه الإعلان الذي رافق قيام الثورة المباركة عن مصفوفة الأهداف الستة للثورة اليمنية المباركة, لتكون بمثابة إستراتيجية طويلة الأمد للثورة ومحور نضال شاق لتجسيدها في الواقع بهدف تغير معالم ذلك الواقع المتخلف الذي ورثه اليمن من عهد طغاة الأئمة، وفي إطار تلك الأهداف تم تبني مشروع تحديثي طويل وطموح ابتداءً من المدرسة وانتهاءً بالمشاريع الإستراتجية الكبيرة.وانعكاسا لذلك الاهتمام تبنت حكومة الثورة معالجات سريعة لذلك الوضع المأساوي وباشرت باتخاذ عدة تدابير عاجلة، فكان التخطيط بشكل سريع لسلسلة من المدارس في ربوع الوطن وعملت في سبيل تحقيق هدف اجتثاث الأمية والجهل في أكثر من اتجاه ، فتسارع إيقاع العمل في بناء المدارس والمعاهد والكليات ، و تسارعت وتيرة ابتعاث الدارسين إلى الخارج في مختلف التخصصات.وأنبني التحول النوعي في النظام التعليمي منذ سنوات الثورة الأولى على تقدير مدروس ورؤية مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار أن بناء المجتمع بناء سليماً لا يمكن النفاذ إليه إلا من نافذة التعليم، وأن بناء البلد وفق معايير العصر والمستقبل لا يمكن أن يتحقق إلا بتسليح أبنائه بالعلم والمعرفة الشاملين ، الأمر الذي مكن البلاد في غضون سنوات معدود من تتجاوز تدريجيا مرحلة بالغة الصعوبة عانت منها في زمن ما قبل الثورة عندما كان الحصول على التعليم يمثل فرصة نادرة وخياراً سلطوياً لطالما أظهر قلقه من التعليم حتى أن الجهل تسلل إلى دار السلطان نفسه.فقد كانت إنجازات الثورة واهتمامها بقطاع التعليم حافزا لعشرات الآلاف من التلاميذ من مختلف الأعمار أن يتجهوا نحو التعليم في كل ربوع الوطن.. ويقبلوا لنهل العلوم والمعارف بنهم كبير واندفاع لا يوصف لتعويض ما فات حتى يتم اللحاق بركب العلم والمعرفة والتقدم الذي يسير عليه العالم من حولنا.. يختصرون أعمار السنين في سباق مشروع مع الزمن خاصة بعد أن تم القضاء على العزلة التي فرضتها الإمامة على الوطن ومواطنيه وأدرك الجميع حقيقة الفارق الشاسع والكبير بين اليمن والبلدان الأخرى من حولها. . خصوصا وأن الاحتياج للكوادر كان شاملاً وكاملاً في كل شيء ولكل شيء ولم يكن يؤمن ذلك الاحتياج إلا المجال التعليمي فمنه يتخرج الطبيب والمهندس والإداري والمتخصص بمعنى إن التنمية بمختلف مسمياتها والكوادر التي ستقوم بتنفيذها تعتمد اعتماداً كلياً على مخرجات التعليمية من الكوادر المتخصصة والمؤهلة تأهيلاً علمياً.. فكان لابد من إن تنصب كل الجهود عقب قيام الثورة على المجالين التعليمي والتربوي والذي سيكون لاحقاً بمثابة المعين الذي لا ينضب لتأمين حاجة البلاد من الكوادر المختلفة.وحقيقة الأمر فإن إلقاء نظرة على واقع التعليم الآن بمختلف مسمياته تعطي صورة واضحة عن القفزة النوعية التي حققتها اليمن في هذا المجال كثمرة طيبة للثورة اليمنية المباركة وهو تطور لا يمكن مقارنته بما كان عليه الحال قبل ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962 المجيدة , حيث كان التعليم ينحصر في العهد الإمامي المباد على قراءة القرآن الكريم في كتاتيب ملحقة بمساجد بعض القرى وحلقات تلقينية تنظم بمبادرات ذاتية من بعض المواطنين تحت ظل الأشجار، ولا توجد أية منشأة تعليمية في البلاد آنذاك باستثناء أربع مدارس كانت مقصورة على أولاد الأمراء والوجهاء والمقربين من الحكم الأمامي الكهنوتي المتسلط وتقتصر مناهجها على تدريس العلوم الدينية والفقهيه بدافع أبقاء الشعب رهن محابس الجهل والتخلف ومخاوف الفقر والضياع.أما اليوم وفي ضوء اهتمام الدولة وإنجازات الثورة في قطاع التعليم فقد بلغ إجمالي عدد طلاب التعليم الأساسي والثانوي حتى عام 2007م إلى ما يقارب ستة ملايين طالب وطالبة.. يتوزعون في أكثر من سبعة عشر ألف مدرسة تضم أكثر من 120 ألف فصل دراسي، فيما يتجاوز عدد المعلمين 200 ألف معلم، منهم حوالي 37 ألف معلمة، ويضاف إلى أكثر من 90 ألف طفل وطفلة ملتحقون في رياض الأطفال والمدارس الأجنبية البالغ عددها 610 رياض ومدارس، منها 252 روضة حكومية، بالإضافة إلى 300 مدرسة أهلية، في إطار تشجيع الدولة للقطاع الخاص للاستثمار في مجال التعليم وفقاً للأنظمة والقوانين المنظمة للعملية التربوية والتعليمية, ويعمل في هذه الرياض والمدارس 8266 مدرساً ومدرسة، منهم 7 في المائة من الأجانب وتشرف عليها وزارة التربية والتعليم.ولما كانت الأمية من أكبر المعوقات التي تواجهها التنمية الشاملة في أي مجتمع من المجتمعات، فقد أولت الدولة خلال الأربعة العقود والنصف الماضية من عمر الثورة اهتماما ملحوظاً بهذا الجانب من خلال التوسع في إنشاء مراكز محو الأمية وتعليم الكبار حتى أصبحت تتواجد في معظم المناطق, و ارتفع عددها ليصل إلى أكثر من عشرة آلاف مركزاً عام 2006م.وفي ضوء تلك الجهود تراجع عدد الأميين في اليمن إلى حوالي 5 ملايين و545 ألف شخص، يتوزعون بنسبة 3ر33 ذكوراً و7ر66 إناثاً من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 21 مليون نسمة.وبحسب إحصائيات رسمية فقد ارتفع عدد الملتحقين بصفوف محو الأمية و تعليم الكبار خلال العام الدراسي 2006م - 2007م إلى 128 ألفاً و573 دارساً ودارسة، و انخفضت نسبة الأمية من 56 بالمائة إلى 7ر45 بالمائة للفئة المستهدفة عشر سنوات, فيما انخفضت نسبة الأمية في الإناث إلى 1ر62 بالمائة وبين الذكور 8ر29 بالمائة, أما على مستوى الحضر فانخفضت الأمية بنسبة 8ر25 بالمائة، وفي الريف إلى 3ر54 بالمائة.أما في مجال التعليم العالي فرغم أن اللبنات الأساسية كانت منذ عدة سنوات أعقبت الثورة المباركة , إلا أن الـ 17 عاما من عمر الوحدة الخالدة مثلت مرحلة تحول جذرية في هذا الجانب, إذ أرتفع عدد الجامعات الحكومية من جامعتين, هما جامعتا صنعاء وعدن إلى ثماني جامعات حكومية في الوقت الراهن هي (صنعاء، عدن، تعز، حضرموت، الحديدة، إب، ، ذمار وعمران "قيد الإنشاء".وترافق مع ذلك إنشاء العديد من الكليات الحكومية في عدد من مديريات المحافظات وكليات المجتمع.ولم يقتصر الاعتماد في التعليم العالي على المؤسسات الحكومية, حيث عمدت الحكومة إلى تشجيع القطاع الخاص أيضا للدخول في هذا النوع من الاستثمار ليصل عدد الجامعات الأهلية في اليمن إلى 14جامعة وكلية منها اثنتي عشر جامعة عامة وكليتان تمنح درجة البكالوريوس.وقد بلغ إجمالي عدد الطلاب المقيدين في الجامعات الحكومية للعام الجامعي (2005- 2006م) 178 ألفاً و93 طالباً وطالبة منهم 8ر27بالمئة من الإناث ويتوزعون بواقع 30 ألفاً و539 طالباً وطالبة في الكليات العلمية بنسبة 2ر17بالمئة من إجمالي الطلاب و8ر82 بالمئة في كليات العلوم الإنسانية.أما عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الأهلية للعام (2006 ـ 2007م) فقد بلغ 37 ألفاً و824 طالباً وطالبة وتمثل الإناث نسبة 9ر24بالمئة من إجمالي الطلبة, ويتوزعون بواقع ثمانية آلاف و755 طالباً وطالبة في الكليات العلمية يمثلون نسبة 1ر23 بالمئة و 29 ألفاً و69 طالباً وطالبة يمثلون 8ر76بالمئة في كليات العلوم الإنسانية.وفي المقابل فإن أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم يزداد سنويا مع التوسع في التخصصات الأكاديمية كما ونوعا, .. فقد ارتفع عدد الأكاديميين في الجامعات اليمنية من ومعظمهم كفاءات يمنية في مختلف التخصصات من / 1073/ عضو هيئةتدريس في عام 1990م إلى /4356/ عضو هيئة تدريس عام 2005م. كما ابتعثت وزارة التعليم العالي حوالي سبعة آلاف طالبا وطالبة موفدين إلى الخارج في 41 دولة عربية وأجنبية يدرسون في تخصصات مختلفة تصل إلى أكثر من (135) تخصص, وتنفق الدولة عليهم في العام الواحد ما يزيد عن خمسة وثلاثين مليون دولار وهو ما يزيد عن سبعة مليارات ريال سنويا .. أما التعليم الفني والتدريب المهني وهو أحد الأعمدة الأساسية للتنمية فقد توسعت منظومته بفضل اهتمام الدولة ومواكبة لاحتياجات التنمية وتلبية لمتطلبات سوق العمل ليصل عدد مؤسساته التدريبية إلى (65) مؤسسة تدريبية منها (4) كليات مجتمع منتشرة في 17 محافظة بنهاية العام الماضي 2006م مقارنة بـ 6 مؤسسات تدريبية في العام1990م في 5 محافظات من محافظات الجمهورية ولاشيء قبل الثورة.وأدى هذا التوسع إلى تزايد الإقبال على الالتحاق بالمعاهد المهنية والتقنية، حيث أرتفع عددهم بنهاية العام الماضي 2006 إلى 22 ألفاً و166 طالباً وطالبة مقارنة بالعام 90م الذي لم يتجاوز عدد الملتحقين بتلك المعاهد (768) طالباً، كما تنامى إقبال العنصر النسائي الذي مازال متركزا في المجال الصحي لتصل عدد الطالبات إلى (2339) طالبة من مختلف محافظات الجمهورية. وبالتوازي مع التعليم النظامي المتمثل في الدبلوم (سنتين وثلاث سنوات والثانوية المهنية) تتبنى تلك المؤسسات والمعاهد برامج تدريب تعاوني حيث أرتفع عدد المستفيدين من تلك البرامج من 41 مستفيدا ينتمون إلى 7 مواقع إنتاجية في محافظة واحدة في العام 96 م إلى 2290 مستفيداً ينتمون إلى 510 مواقع إنتاجية في 11 محافظة في نهاية العام الماضي, وبالإضافة إلى ذلك يتم تنفيذ برامج التدريب المستمر ( الدورات القصيرة ) والتي ارتفع عدد المستفيدين منها منذ أن تم البدء في تنفيذها في العام 98م إلى 25 ألفاً و283 متدرباً تم استهدافهم من خلال تنفيذ (1422) دورة تدريبية في عموم محافظات الجمهورية.و تزيد نسبة ما تنفقه الدولة على التعليم عن ما تنفقه على القطاعات السيادية الأخرى بما في ذلك القوات المسلحة والأمن, حيث تقارب نسبة ما تخصصه الدولة في موازنتها العامة سنويا لقطاع التعليم ومشاريعه الإستراتيجية 25 بالمائة من إجمالي الموازنة العامة للدولة.وأخيرا يحق لليمنيين أن يفخروا بالمنجزات الرائدة التي تحققت في قطاعات التعليم خلال الأربعة العقود والنصف المنصرمة من عهد الثورة اليمنية المباركة, التي كان لها الفضل في تفكيك ذلك الموروث الثقيل من التخلف والجهل لعهد الإمامة والإسهام في بناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة وقادر على النهوض بمسؤولياته للمشاركة بفاعلية في خدمة مسيرة التنمية في الوطن.