غضون
* قرر مسلمون أمريكيون بناء مسجد وملحقات به في مدينة منهاتن على أرضية خاصة تقع بالقرب من مكان برجي مركز التجارة العالمي اللذين دمرا في هجمات 11 سبتمبر 2001م الإرهابية، وهي الهجمات التي نفذها (19) إرهابياً من تنظيم (القاعدة) ومن ورائهم عشرات الداعمين وكلهم عرب ينتمون للإسلام .. متطرفون مسيحيون أمريكيون تبنوا حملة مناهضة لبناء المسجد وبلغ الأمر برجل دين كبير اقتراح يوم 11 سبتمبر يوماً لإحراق المصاحف، ورجال دين مسلمون كبار في منطقتنا العربية نصحوا بل عارضوا بناء المسجد في ذلك المكان لأنه سيذكر الأمريكيين بآلامهم .. وفي ثالث أيام رمضان أقام الرئيس أوباما مائدة إفطار في البيت الأبيض وقال إن الدستور الأمريكي يحمي حرية المعتقد وإنه يؤمن بأن من حق المسلمين في ذلك البلد ممارسة شعائرهم الدينية كأي مواطن أمريكي آخر. وهذا الحق يتضمن بناء مكان للعبادة ومركز للجماعة على تلك الأرض التي حددها المسلمون الأمريكيون في منهاتن.* أوباما ليس سوى أمريكي واحد من بين مئات الملايين الأمريكيين الذين ينظرون إلى الديانات والعلاقة بين الجماعات والشعوب هذه النظرة في مواجهة عدد محدود من رجال الدين المتعصبين .. وهؤلاء موجودون في الجانبين ولو امتلكوا تقرير طبيعة تلك العلاقات لخربت المجتمعات وصارت العلاقات بين الشعوب علاقة حرب على الدوام .. كما هو الحال بالنسبة للجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية عندنا التي تقسم العالم إلى فسطاطين وتقسم الكرة الأرضية إلى ديار حرب وديار سلام وديار كفر وديار إسلام، ومن حسن الحظ أنه لا يزال السياسيون عندنا هم الذين يحددون طبيعة العلاقات مع الدول والشعوب الأخرى وليس المتطرفون والإرهابيون الذين لا يفقهون شيئاً في السياسة ولا يفرقون بين الثوابت والمتغيرات الإسلامية .. والمثال الطازج الذي سقته عن أمريكا له شواهد كثيرة في الغرب الأوروبي .. فالمسلمون هناك يحيون حياة محترمة والذي يثير الاضطراب هم متطرفون من الجهتين وهم قلة قليلة تكافح من أجل مظاهر شكلية وهذا الكفاح يغذيه التعصب أو التطرف الديني.* ما نود أن نلفت الانتباه إليه بعد ما سبق هو أن علينا أن نكون منصفين .. وأن ننظر إلى الغرب كله بوصفه غربين .. وإلى الغربيين بوصفهم فئتين .. فئة محدودة العدد هي المتطرفة والمتعصبة وتقابلها فئة مماثلة محسوبة على الإسلام والمسلمين .. أما الفئة الكبرى والغالبة فهي ضد القلة تلك .. فلا يجوز لنا أن نؤاخذ الأمم بما فعل قليل من سفهائها، وفي الوقت نفسه علينا ألا نهضم حقها علينا في الاعتراف بأنها أمم محترمة وقريبة منا، ولا علاقة لنا بأخلاقهم التي لا تعجبنا وليس من حقنا أن نطالبهم بتغييرها .. بل أيضاً من واجب عقلاء علماء المسلمين في الشرق أن ينصحوا المسلمين في أمريكا وأوروبا وفي غيرهما أن يكونوا مواطنين صالحين وأن يتقبلوا قوانين البلدان التي ينتمون إليها، وهي بلدان علمانية والحمد لله تفصل بين الدين والدولة ولا تتدخل في عقائد وضمائر مواطنيها.