صـباح الخـير
كثيرون هم الذين يمضغون القات ، ومن لم يمارس هذا الطقس اليومي استثناء نادر .. بمعنى أن القات وجلساته طغت على جوانب حياتنا وأوقاتنا فما نستغرقة من الوقت في جلسات القات يزيد على نصف العمر .أمور قدرية ندلف اليها في البدء بقناعاتنا وربما بدافع الفضول الذي يجعل المرء في بداية حياته يمارس قدراً مهولاً من الفضولية وحب استكشاف الأشياء بما فيها تلك الممنوعات التي يحذره منها الأهل .نتلذذ في القيام بفعل المحاذير من حولنا .. ونمعن في مخالفة كل ما يشيرإلى ذلك .. وكأننا بهذا المسلك العجيب نكتشف عالمنا ونطل على ذاتنا المغمورة في جوف محاذير الأهل التي لا تنتهي .هكذا نوغل في اختلاس ما نعده حقاً يراد حرماننا منه لنفاجأ بعد كل هذه السنوات أننا أمام حقيقة ذاتنا ومسؤولية أنفسنا بكل ما أكتسبنا من عادات ما كان لها أن تكون لو أننا استجبنا لتحذيرات الأهل النابعة من حرصهم علينا .نندم وقتها حيث لا ينفع الندم .. ونظل مشدودين إلى ممارسة هذه العادات لا بطيب خاطر ولكن لأن شعوراً قوياً يوعز لنا بعدم إمكانية مخالفة هذه العادات اليومية .. كمضغ القات أو التدخين .ربما هو وهم يوحي لنا بأن الحياة فراغ لامتناهٍ من دون هذه الأشياء .وقليلون جداً من شذوا عن هذه القاعدة .. فنجدهم يستمتعون بقضاء أوقاتهم أما بانجاز بعض الأعمال التي تعود عليهم بالفائدة وتحسن مداخيلهم وتقيهم العوز والحاجة أو بالمطالعة وتصفح الانترنت ونحوها من الأعمال التي في سياق الحياة الطبيعية لبني البشر كالاهتمام بالاولاد ومتابعة دروسهم أو ممارسة بعض الانشطة الرياضية والاستمتاع بالحياة بصورة طبيعية .إلاّ أن القاعدة العامة في أحوالنا الاجتماعية توحي بعكس ذلك تماماً حتى الشرائح التي تعد نفسها مثقفة نجدها الأكثر ايغالاً في جوف هذه الحلزونية الخضراء .. بل إنهم يقضون جلَّ أوقاتهم بحضرة هذه الطقوس .. إلى درجة أن عطاءهم الذهني لا ينشط إلاّ في أوج أوقات قيلولتهم اليومية المرمنة .الأمر الذي ولد تقليداً مخيفاً لدى الأبناء من الجيل الذي لا ينبغي له أن يمر من هذا النفق الذي أخذ منا كل هذا الوقت وأهدر المال .. ومع ذلك لم نبلغ مداه ولا يبدو إننا في عجلة من أمرنا في مغادرته طالما وقد أخذتنا متعة الوهم للبقاء فيه ما بقي من أعمارنا ، وهو حال يدعونا إلى أن نجنب الأبناء متاهاته ونفقاته التي تأتي على حساب الضروريات الحياتية الأخرى .ولا أخفي شعوري بالحزن العميق عندما أسمع طالباً يقول إن إمكانية المراجعة لديه غير ممكنة إلاّ بالقات والدخان ، وكل ما يعتبره منشطاً لذاكرته التي ينبغي لها أن تشحذ إلاّ بتوفير مثل تلك الأشياء الضارة !! .