مع الاحداث
ربما كان صوت المرأة السعودية «مبحوحاً» في القرن الماضي، إذ لم تكن تتحدث في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو القانون، وكانت تحصر نفسها في الحقلين التعليمي والطبي. ويعزى غياب المرأة السعودية إلى العادات والتقاليد و «سد الذرائع» من رجال الدين، في موازاة عدم رغبتها في الظهور الجريء أو المشاركة العلنية بالرأي خشية «سيف» اعراف المجتمع و «سطوة» الرجل.يُعتقد ان المرأة السعودية كانت قادرة على التعبير عن ذاتها وطموحاتها، إلا ان بعض المتشددين والمزايدين أوصدوا الأبواب في وجهها، خشية ان تخدش الحياء وتجلب الفتنة وتنشر الرذيلة في ساحات مجتمع محافظ.السعوديات تميزن أخيراً في مهنٍ كثيرة، فمنهن الطبيبات والمهندسات والمعلمات والتاجرات والصحافيات والخبيرات، وما أكثر اليوم الطالبات المتفوقات في البعثات العلمية في الجامعات الأوروبية والأميركية.أعتقد ان السعوديات «موعودات» بتميّز ونجاحات مستقبلية، وسيفرضن أنفسهن على الجبهات المؤيدة والمعارضة لهن، خصوصاً أنهن «جادات» ويجدن الركض على جادة العلم والعطاء والإنتاج العلمي، وستثبت الأيام أنهن منتجات وقادرات على الابتكار والتميز شاء من شاء وأبى من أبى.من المؤكد انه في نهاية المطاف سيلجم الرافضون أو «المعقّدون» من وجود المرأة أنفسهم بأنفسهم، مثلما سارعوا إلى اللحاق بالركب من أجل تعليم بناتهم في المدارس والجامعات، وهم الذين رفعوا الصوت والبنادق في بادئ الأمر، مستخدمين الحرام تارة و «العيب» تارة أخرى.صورة المرأة في المجتمع السعودي تتغير، ليس نتيجة ثورة أو تمرد أو استجابة لدعوات «جوفاء» تريد التحرر «الغوغائي» وفق الأهواء، بل نتيجة عمل دؤوب وتفوق تعليمي وإثبات ذات. النجاحات تأتي نتيجة حتمية لإنجازات علمية أو مهنية أصبحت تحصدها المرأة وتحققها على صعد مختلفة في معترك الحياة اليومية، وهو ما يفرض علينا إتاحة الفرصة لها للإسهام في تنمية البلاد، والمشاركة في صنع القرار لما يصب في مصلحة الوطن.لا يمكن للمزايدات والآراء المتطرفة، أن تحبط من طموح المرأة، طالما انها تؤمن بقدراتها وترنو إلى تحقيق تطلعاتها لمشاركة الرجل مسيرة «تفوق وطن»، ولكونها تعرف أنها تشكل نصف المجتمع، ولا يمكن لمجتمع أن يتقدم ونصفه «مشلول» وغير مساهم في عملية البناء الوطني.من الخطأ عدم الترحيب بحصول المرأة على حقوقها، ومن الخطأ حضها على البدانة وقلة الحركة بلجمها عن ممارسة الرياضة في أندية نسائية، ومن الخطأ ان تحمل بطاقة هوية رسمية لا تُقبل منها في مهمات عملية وقضائية وتجارية، ومن الخطأ الحديث باسمها وهي قادرة على نطق الحروف وصف الكلمات، ومن الخطأ إقصاؤها والاختيار نيابة عنها وكأنها مخلوق «فاقد للأهلية».اعتقد انه يجب علينا تشجيع المرأة للإسهام بفعالية في ميادين الوطن والعطاء والإبداع، بعيداً عن التمسك بالقشور والمبررات التي لا تقدم، بل هي من مسببات تأخر المجتمعات.الوطن يحتاج إلى كل أبنائه سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً، فدعونا نبني مجتمعاً متكاملاً لا يسيطر عليه جنس على حساب الآخر.علينا أن نعي أن التفكير الجاهلي باعتبار المرأة شيطاناً نحساً ومدعاة للشؤم، قد انتهى واندثر، فالمرأة اليوم طبيبة ومهندسة ومعلمة وصحافية واقتصادية وخبيرة ومميزة وناجحة، وتملك قدرة على الإسهام في كل المجالات بما يناسب مكانتها وخبراتها ودورها في المجتمع وتحقيق ذاتها، ما يستدعي كسبها طرفاً منتجاً لا طرفاً معوقاً.المطلوب هو إعطاء المرأة حقوقها كاملة «غير منقوصة» كما كفلتها الشريعة الإسلامية من دون الالتفات للمزايدات والتجاذبات «السلبية» التي تفقدها قيمتها وأهليتها. فلندع المرأة تتحدث باسمها بنفسها وتطالب بحقوقها، بدلاً من استمرار الرجل في الحديث نيابة عنها. أليس كذلك*عن/ صحيفة «الحياة» اللندنية