مع الأحداث
الثلاثاء المنصرم وحتى الجمعة، كنت ضيفاً على مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة في الحالمة تعز، للمشاركة ضمن العشرات من الصحافيين والأدباء ورجال الفكر والثقافة وشخصيات اجتماعية من عدد من المحافظات في حفل توزيع جوائز المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم - طيب الله ثراه - العام 2008م .. وكانت مؤسسة السعيد ومديرها العام الأستاذ/ فيصل سعيد فارع ، قمة في الاستقبال وكرم الضيافة كعادتها كل عام - وبحق استطاعت المؤسسة أن تجعل من تعز ، عاصمة ثقافية لليمن. الحقيقة إني هنا لست بصدد الحديث عن الاحتفالية ولا عن مؤسسة السعيد وما شاهدته من خدمات ثقافية علمية تقدمها المؤسسة لان ذلك يتطلب مني جهداً في التفكير والوصف والتقييم ، اعترف إنني اليوم عاجزاً عن ذلك ، تاركاً الموضوع إلى مواضيع قادمة بعد أن استكمل الحديث الذي ابدأه اليوم عن ما شاهدته في الحالمة التي كلما زرتها شاهدت جديداً فيها ، جديد في كل المجالات التنموية والخدمية والاستثمارية والسياحية والثقافية والأثرية. صيف 2004م ، أي قبل أربعة أعوام كانت زيارتي الأخيرة لتعز والتي بدأت أتعرف عليها بعد إعلان تحقيق الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو 1990م ، حيث كنت من أوائل الصحفيين الذين عبروا من عدن إلى تعز دون بطاقة شخصية وترخيص أمني بالزيارة يطلبها رجال الأمن في منطقتي (كرش) الجنوبية و(الشريجة) الشمالية قبل الوحدة، وكان الزائر من عدن إلى تعز أو العكس سينتقل من دولة إلى أخرى وليس بين منطقتين في أرض واحدة .. والحال والمشهد في كل النقاط الحدودية المفتعلة والتي نحتفي اليوم بالعيد الثامن عشر لمحو هذه النقاط السوداء في تاريخ حضارتنا اليمنية العريقة .. نحتفى بذكرى يوم انتفض المارد اليمني وأزال (البراميل) من نقطتى (كرش) و(الشريجة) ليظهر تاريخنا من جريمة التشطير التي علقت به عقوداً طويلة .. ويعلن في صبيحة الثاني والعشرين من مايو 1990م ومن مدينة عدن حاضنة التاريخ والأبطال ، يعلن المارد إعادة وحدة الوطن ويرفع بكل شموخ وبهاء علم الوحدة إلى السماء .. ليبدأ الشعب بكل حرية بالتنقل في أرجاء الوطن والتأمت الأسر التي كانت متباعدة إبان التشطير الأسود .كل ذلك والكثير من الذكريات واللحظات السوداء والبيضاء جالت في فكري وأنا للمرة العاشرة أزور الحالمة تعز الثلاثاء المنصرم .. زيارة رسخت قناعاتي التي لم ولن تتزعزع لحظة واحدة منذ مايو 1990م بأن من يحلم أو يفكر بعودة زمن التشطير يعيش خارج التاريخ ويصرخ ويعوي من داخل نفق مظلم ، بل من مواقع رمي القمامة .. فأينما تتواجد اليوم بأي محافظة ومديرية فوق الجبال والصحاري والوديان ، ستشاهد بكل وضوح ماذا صنعت الوحدة وماذا حققت من إنجازات بعضها أشبه بالمعجزات ، كمشاريع الطرقات التي قهرت وعورة الجبال وكانت أهم عناوين الوحدة ووفاء وعظمة قيادة فخامة الرئيس / علي عبدالله صالح ، للوطن وصدق وعودة في جعل خير الوحدة يصب لصالح الوطن والمواطن. إن ما شاهدته في (تعز) ، رغم قصر أيام الزيارة ، كان أجمل ما شاهدته قبل أربعة أعوام .. الحالمة عروس تلبس باستمرار ثوباً جديداً خيوطه من نسيج الوحدة التي تشاهد عظمتها بكل إجلال في هذه المحافظة الواسعة المساحة والمكتظة بالسكان، وذات طبيعة جغرافية وعرة في عدد من مديرياتها .. شاهدت لوحة جديدة في العاصمة تعز ، توسع في الطرقات التي دخلت في كل شوارع وأزقة المدينة حتى في جبلها الشامخ (جبل صبر) .. الطرق المرصوفة تصل إلى قمته الشاهقة الأمر الذي أوجد استراحات سياحية وبناء العديد من المنازل وأدخلت الكهرباء والمياه إلى الكثير من المنازل الساكنة فوق قمة الجبل .. في صورة توحي أن سكان أبناء مدينة تعز هجروا الأرض وصعدوا إلى الجبل .. شاهدت توسع الطرقات وتنظيم حركة المرور بشكل يتلاءم وهذه التوسعات .. زيادة في المنشآت الخدمية والتعليمية وحركة تجارية تتزايد يوماً بعد يوم ، منشآت سياحية جديدة أنشئت .. اهتمام بالنظافة .. والأهم ما شاهدته وأشاع الطمأنينة في نفسي ، المواطنون في مدينة تعز لا يحملون السلاح .. مواطنون حضاريون يعشقون الكتاب.. ولذلك تحتضن المدينة سنوياً معرضاً دولياً للكتاب تنظمه مؤسسة السعيد .. أشياء كثيرة في الحالمة وهي تستعد لاحتضان العيد الثامن عشر للوحدة .. أشياء سأكتب عنها لاحقاً .