القاهرة /14اكتوبر/ أسامة رمضان :انقسمت آراء الخبراء والمحللون السياسيون حول طبيعة ما سربته إحدي الصحف الإسرائيلية عن وجود مبادرة للسلام يعرضها أولمرت علي الفلسطينيين قريباً ، ففي الوقت الذي أكد فيه فريق علي أن وسائل الإعلام ليست جهة فحلة لعرض اتفاقات للتفاوض بين طرفين متنازعين، موضحين أن هذه المبادرة لم تقدم جديداً علي مسار العملية السلمية، كما أن طرح هذه الأفكار في ظل هذا الاحتدام لم يكن وليد الصفة، وإنما كان بهدف خلق مبادرة موازية لمبادرة السلام العربية تكون منافسة لها علي الساحة التفاوضية·
في المقابل يري فريق آخر أن الجانب الإسرائيلي الآن أكثر جاهزية لإتمام أية اتفاقات معللين ذلك بالضغوط الداخلية، التي تواجهها حكومة أولمرت والتي تسعي إلي حشد شعب إسرائيل من حولها عن طريق صنع أية أحداث من شأنها أن تجمل صورتها أمام الإسرائيليين·فيما كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد سربت أنباء عن طرح اقتراح قديم بشكل مستحدث ينص علي إقامة دولة فلسطينية علي %90 من أراضي الضفة الغربية وتبادل لمناطق تعويض مع إبقاء تجمعات استيطانية كبيرة في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية بهدف خلق تواصل جغرافي بين الضفة والقطاع عن طريق نفق لمنع الصدام وللحفاظ علي الأمن في حين يتم تعويض إسرائيل بمساحة مماثلة لتلك التي تستخدم لبناء النفق داخل أراضيها ويتم إيجاد طريقة بحيث تعرض علي الفلسطينين أجزاء من القدس الشرقية لتكون عاصمة لهم، ويبدو أن هذا المقترح مدرج في إطار التعاطي مع مطالب الإدارة الأمريكية لمنع أية مبادرات قد تفرض علي الجانب الإسرائيلي·يري عبدالقادر ياسين المحلل السياسي الفلسطيني أن ما تم تسريبه من خلال الصحف الإسرائيلية بوجود مبادرة لأولمرت تمثل مرحلة حاسمة في التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فلم يصرح أحداً من القادة الفلسطينيين عن وجود مثل هذه المبادرة بالفعل، خاصة أن هناك قنوات اتصال متبادلة بشكل دائم بين الجانبين بالفعل، غير أن النص الذي عرضته الصحف الإسرائيلية أعتقد أنه لاتوجد به صيغة رسمية·وأوضح أن قضايا المفاوضات يجب أن تتم عبر طاولة للتفاوض وليس من خلال تسريبات إعلامية لبعض الصحف، فمثل هذه الأمور بالغة الحساسية، كما أن ما تم تسريبه سبق عرضه في مباحثات سابقة وكانت سبباً في إفشالها جميعاً، لذا فإن ما طرحته الصحف لايمكن أخذه علي محمل الجد، فما طرح إزاء مسألة حل الدولتين سبق طرحه في مبادرة السلام العربية، وخطة خارطة الطريق، ومبادرة بوش·
وأضاف: أن التوقيت التي سربت فيه الصحف الإسرائيلية هذا ا لكلام ليس صدفة، فالتوقيت هنا مرتبط بالمناخ الذي خلقه وصول توني بلير للمنطقة لأول مرة بعد منصبه الجديد، وهذا يتزامن مع تصريحات الرئيس الأمريكي بوش من قبل حول المؤتمر الإقليمي، وما تلي ذلك من زيارة وزيري خارجية مصر والأردن لعرض أفكار المبادرة العربية للسلام، لذا فإن كل الترجيحات تصب تجاه أمر واحد مفاده أن إسرائيل تريد ألا يكون مطروحاً علي الساحة المبادرة العربية فقط وأفكار اللجنة الرباعية، لذا لجأت إلي اطلاق هذه المناورة، فمجرد أن تتقدم الحكومة الإسرائيلية بمبادرة يمكن اعتبارها أمر إيجابي، لكن إذا كانوا قد تحدثوا عن نسبة %90 من أراضي الضفة، فلماذا لا يتحدثون في المرة القادمة عن %100 مثلاً؟!، وفي رده علي سؤال لماذا غابت القدس عن هذه القضايا والبنود التي تم تسريبها؟ وقال: لايوجد شيء يسقط سهواً ولكن أغلب الظن يوضح أن إسرائيل لديها الرغبة في أن تبدأ بما يسمونه القضايا السهلة، ثم تتدرج في ذلك لتصل إلي الأمور الأكثر صعوبة وهذه الطريقة في التفاوض أمر سيئ، فإذا كان لديهم نية حقيقية في إنجاز عمل تفاوضي بشكل جدي، يجب أن يوضع كل شيء يتعلق بالقضية علي طاولة المفاوضات ليتم الفصل فيها دون النظر إلي الأكثر سهولة أو الأصعب·[c1]اعتبارات أخري[/c]وعن اقتراح أخذ %90 من الضفة الغربية أو غزة قال: الباحث الفلسطيني د· خالد الأزعر أن المساومة في أمور التفاوض أمراً مرفوضة جملة وتفصيلاً، سواء كانت هذه التسريبات الإعلامية جادة أو غير ذلك، لأننا كفلسطينيين نريد كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها القدس، لأن الأمر ببساطة أن هذه الأرض تم احتلالها في عام 1967، لذا فلايوجد ما يدعونا للتنازل ، خاصة أن الشرعية الدولية والمجتمع الدولي يؤيدنا في ذلك الحق·وأوضح أن الإسرائيليين لديهم اعتبارات أخري لكننا في النهاية نريد كامل أرضنا، التي احتلت في عام النكسة دون النظر إلي أهمية وضع قضايا الوضع الدائم علي الطاولة، لأن الأمور كلها تتشابك بمعني أن عدم نجاح أي جزء فيها يعني فشل باقي الأجزاء وأعتقد أن هذا الموقف التفاوضي من بين الثوابت، التي يستند إليها الفلسطينيون في أية مباحثات·وأضاف: سبق وجربنا قصة النسب المحددة، خاصة أن شعبنا لن يفرط في أية شبر من أرضه، كما أن ما سيتم أخذه لايتجاوز الستة آلاف كيلو مترات ، وبالتالي يجب إذا كان هناك ضرورة للتضحية من أجل السلام، إضافة إلي أن الإعلان عن هذه المبادرة قد يكون بهدف لملمة أولمرت لذاته بعد أن أصبح في وضع سياسي حرج علي المستوي الداخلي في إسرائيل أو علي المستوي الحزبي، وهو ما دفعه إلي إيجاد طوق نجاة لنفسه، بجانب أن بعض السياسيين داخل إسرائيل كانوا قد طرحوا مثل هذا المشروع من قبل، لكن عرضه في ظل هذه الأجواء الصعبة قد تدخل الحلبة السياسية الإسرائيلية إلي متاهات معينة، لذا فالاختبار الفعلي سيكون مع بدأ الكنيست الإسرائيلي دورته الشتوية المقبلة أي بعد ثلاثة أشهر·وأكد الأزعر أن أي تفاوض لايتم عن طريق وسائل الإعلام وهو ما يعني أن الحكومة الإسرائيلية تهدف إلي إطلاق بالونات اختبار لأغراضهم الداخلية والخارجية، خاصة أن هناك دعوة حقيقية بالفعل قدمها أبومازن لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي حول قضايا القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والمياه وحلها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة·[c1]فرص جديدة[/c]ومن جهته قال المفكر حمد حجاوي: إن هناك رغبة حقيقية الآن لدي الإسرائيليين لتحقيق السلام بعد أن طال أمد الصراع، فالجميع يتطلع للفرص الجديدة كنتيجة حتمية للتطورات الحادثة في المنطقة، بجانب ما حدث من حماس والتهديدات والتحديات التي تواجهها الدول العربية·وأضاف: أن الحكومة الإسرائيلية الآن في أفضل حالاتها رغم وجود أزمة سياسية داخلية، غير أن النظام الإسرائيلي مجهز للبدء في مفاوضات، وبالتالي فإن نقاش أبومازن وأولمرت حول تطبيق مبادئ الحل النهائي يجب أن يأتي مصحوباً بتقوية السلطة الفلسطينية، يعضدها في ذلك دور قوي وجاد للجامعة العربية·وعن رغبة إسرائيل في خلق مبادرة منافسة للمبادرة العربية للسلام أشار إلي أن زيارة وزراء الخارجية العرب إلي القدس الغربية لم تكن بغرض فرض عملية السلام وإنما بهدف بناء جسور للثقة والتواصل، لذا أعتقد أن هناك موافقة بين وزير الخارجية الإسرائيلي ووزراء خارجية مصر والأردن، كما أن اشتراك الجامعة العربية، واللجنة الرباعية توني بلير في مساندة هذا المسار سيخلق نوع من الدعم الدولي للوصول إلي الحل النهائي في ظل طرح بعض الأفكار الخلاقة والإبداعية، والتي لم يطرح مثيلها من قبل، خاصة إزاء مسألة الحدود وموضوع اللاجئين والقدس، ويبقي في النهاية مأزق تأمين مثل هذه الاتفاقات وبناء أجهزة أمنية قادرة علي لفظ أي عناصر تقوض من هذه الاتفاقات·ولفت إلي أن الزيارة المنتظرة من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية رايس قد تأتي انطلاقاً من أن هناك جدول أعمال أمريكي لوضع أطر جذرية لحل الصراع بين الأطراف العربية وإسرائيل وواشنطن، لأن الولايات المتحدة تريد إنهاء الصراع، الذي امتد طويلاً نظراً لما وتأثيرات علي المنطقة والسلام والقضية العراقية، إضافة إلي أمن واستقرار الدول العربية المجاورة مصر والأردن تحديداً ونحن نشاهد حجم المشكلة، التي تعاني منها مثل هذه الدول فيما يتعلق بشأن العالقين علي الحدود في رفح مثلاً، وخلاصة الأمر إذا استمر ازدياد حالة الاحتقان السياسي الداخلي بإسرائيل في الضغط علي الحكومة، فإن ذلك من شأنه أن يدفع للتقدم خطوة إلي الأمام، وفي هذه الحالة تكون هذه الأجواء الأفضل لإتمام أية اتفاقات مع الفلسطينيين، لأن الوضع في هذه الأثناء سيدفع بمثل هذه الحكومة أن تقدم شيئاً للمجتمع الإسرائيلي بشكل يجمل من صورتها أمام شعب إسرائيل خاصة بعد الصرعات المتتالية، التي تلقتها حكومة أولمرت، والتي مثلت حرب لبنان والفشل الذريع الذي منيت به إسرائيل الضربة القاسمة لظهر الحكومة، وأعتقد أن مثل هذه الدفوع هي التي تدفع للقول بأن حكومة أولمرت الآن قد تكون جاهزة إلي إتمام مثل هذا الاتفاق في هذه الأثناء·