د. فهد الصبرىلم تشكل على امتداد التاريخ إلا أزمات قليلة تمثل تهديدا لصحة البشر وتقدمهم الاجتماعي والاقتصادي مثلما فعل وباء فيروس نقص المناعة البشرية / متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). بل إن الأمر يزداد سوءا إذ لوحظ أن الكثير من المعاناة التي سببها هذا المرض ، كان ممكن منعها. والأمل معقود على إمكانية إنقاذ حياة الكثيرين ، وتقليل شقائهم والحد من انتشار الوباء إذا تضافرت الجهود. ورغم ذلك سيظل وباء فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز و تأثيراته الضارة واسعة النطاق على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسنوات عديدة قادمة . فلم يعد من الممكن اعتبار هذا المرض مجرد مشكلة صحية فالأمر بحاجة إلى جهود كافية لمعالجة آثاره الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية . كما أن له تأثيره الخطير المتزايد على الصحة والتعليم و التغذية , والأمن الغذائي, والإنتاج الزراعي. فجميع الجوانب المتعلقة بالأمن الغذائي أي توافر الأدوية واستقرارها, وفرص الحصول عليها واستخدامها ـ كلها تتأثر سلبيا كلما زاد انتشار هذا المرض .لفيروس نقص المناعة البشري/الإيدز تأثير كبير على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لكثير من البلدان . ونظرا إلى أن الإيدز يفتك غالبا بالناس من الفئة العمرية (15 - 45سنة) , فإنه يحرم الأسر, والمجتمعات ، والأمم عموما من الشباب وأكثر السكان إنتاجا. وهو متفرد في آثاره المدمرة من حيث أنه يؤدي إلى زيادة الفقر , والإطاحة بمنجزات التنمية البشرية , وإضعاف قدرة الحكومات على تقديم الخدمات الأساسية والحفاظ عليها وتقليل اليد العاملة المتاحة وخفض الإنتاجية , ووقف النمو الاقتصادي.عند إصابة الرجل أو المرأة بالإيدز أول مايحدث هو تفكك الأسرة وتشرد الأبناء ناهيك عن النبذ من الأهل والأقارب والأصدقاء و أحيانا التعرض للعنف هذا إن لم يكونوا معظم أفراد الأسرة قد أصيبوا بالإيدز .و جرت العادة على حدوث انهيار تدريجي في مستوى العائلة / الأسرة مع إصابة أول شخص بالغ من أفرادها بهذا المرض . فالإنفاق على الرعاية الصحة يزيد, والإنتاجية تقل , والطلب على الرعاية يتزايد. وينخفض إنتاج الأغذية ويتراجع الدخل بسرعة مع زيادة عدد المرضى. وبمجرد أن تنتهي مدخرات الأسرة , تلجأ إلى الأقارب وتقترض النقود أو تبيع أصولها الإنتاجية . وقد أثبتت إحدى الدراسات التي أجريت في أوغندا أن 65 في المائة من الأسر التي عانت من مرض الإيدز قد اضطرت إلى بيع ممتلكاتها لتسدد نفقات العلاج . وكثيرا ما يضطر الأطفال إلى قطع دراستهم , مع احتياج الأسرة إلى المساعدة وعجزها عن دفع المصروفات المدرسية . ويضيع الوقت الذي كان يخصص من قبل لرعاية الأطفال , والنظافة العامة , وتجهيز الأطعمة وتحضيرها.وعندما يقضي أحد المصابين بالإيدز نحبه , فهناك تكاليف الجنازة ، ثم هناك تراجع قدرةالأسرة على الإنتاج . وطبقا لإحدى الدراسات التي أجريت في تنزانيا فإن تكاليف الجنازة تمثل 60 في المائة من التكاليف المباشرة لمريض الإيدز. وفي المرحلة التالية , يقع الزوج صريع المرض وتتزايد سرعة انحدار الأسرة . وينتهي الأمر إلى أن لا يتبقى من الأسرة سوى الشيوخ والأطفال المعوزين . وقد لا يكون لدى هؤلاء الأفراد سوى قدرة محدودة على اتخاذ القرارات والحصول على الموارد للاستمرار, بالإضافة إلى نقص معارفهم وخبراتهم وقدراتهم الجسمانية اللازمة كلها للمحافظة على الأسرة . وربما عجز الأقارب عن رعاية الأطفال الذين فقدوا آباءهم .كما ينخفض استهلاك الأغذية عادة في الأسر التي تتعرض للإصابة بمرض الإيدز. فقد لا تجد الأسرة الوقت ولا الطعام ولا وسائل إعداد بعض الوجبات , وخاصة عندما تموت الأم . فقد ظهر من البحوث التي أثبتت في تنزانيا أن استهلاك الفرد من الأغذية قد انخفض بنسبة 15 في المائة في أشد الأسر فقرا عندما يموت أحد البالغين . وكم من دراسة أجريت في أوغندا أن انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية كانا من أهم المشكلات المباشرة التي واجهتها الأسر المنكوبة بالإيدز التي ترأسها نساء. بالنسبة لأي مريض , فإن سوء التغذية ومرض الإيدز قد يشكلان حلقة مفرغة , فنقص التغذية يزيد من فرص التعرض للإصابة ليزيد بالتالي من حدة المرض ليؤدي المرض بدوره إلى زيادة تدهور الحالة التغذوية . وحتى قبل أن تظهر على الشخص أعراض المرض فإن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية قد يؤثر على حالته التغذوية . فقد يفقد الشخص شهيته,ويعجز عن امتصاص العناصر المغذية ، وتبدأ حالته في التدهور. وهناك تغير غير مباشر على الأسرة إذ تتأثر المؤسسات ، والأعراف والتقاليد بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. فعندما تتأثر نسبة كبيرة من الأسر بهذا المرض ، فإنها تكتسح أمامها آليات الأمان التقليدية لرعاية الأيتام ، والمسنين ، والعجزة والمعوزين ..فالمرض لا يبقي وقتا يمكن تخصيصه للمنظمات المجتمعية . إن الخسارة الكبيرة للبالغين المنتجين , تؤثر على قدرة المجتمع بأسره على البقاء والتجدد. فآليات نقل المعرفة والقيم والعقائد من جيل إلى جيل تنقطع والتنظيم الاجتماعي ينهار. وقد تضيع المهارات ، عندما يعجز الأطفال عن مشاهدة آبائهم وهم يعملون . ونظرا للفصل بين الجنسين ، فإن من يبقى من الأبوين على قيد الحياة يعجز عن تعليم الأبناء خبرات من قضى نحبه منهما. وفي داخل أي أسرة وخصوصا الريفية ، هناك اختلاف ملحوظ في تأثير المرض ، اعتمادا على من يصيبه أولا هل هو الرجل أو المرأة . والحقيقة , أن انتشار فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز يمكن أن يمزق نسيج المجتمع نفسه كما يهاجم فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز الأسر الفقيرة أكثر من غيرهم . فالآسر الريفية التي تصاب بالمرض تتحول عادة إلى أنشطة غير زراعية للحصول على دخل ، وهي عادة أنشطة التجارة البسيطة ، والتجهيزوالخدمات وكلها تحتاج إلى الدخول في المجتمعات المحلية الحضرية وشبه الحضرية . وقد يهاجر السكان بحثا عن فرصة عمل ، أو يسعون للحصول على دخل سريع ، الأمر الذي قد يؤدي إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر الشديدة مثل سوء استعمال العقاقير أو امتهان البغاء. وهكذا يتسبب الفقر في زيادة خطر العدوى ويؤدي المرض بدوره إلى زيادة الفقر.إن تلافى انتشار المرض يكتسب أهمية بالغة فبدون وقف انثسار المرض لن يكون لأي جهود تبذل لتخفيف آثاره أية قيمة . ولابد أن تقرر كل حكومة كيفية مساهمة وزاراتها ومؤسساتها وخصوصا التعليمية والصحية وشركانها في مجال التنمية في جهود الوقاية والتصدي للو باء.
آثار انتشار مرض الإيدز على الأسرة
أخبار متعلقة