[c1]تمهيد [/c]إن الإنسان يطرح مسألة العدالة، ويرفع راية المساواة ويطالب بالعدل والإنصاف ، في كل مرة يشعر باغتصاب حقوقه، أويرى نفسه مظلوماً أويطاله التعدي. كما في كل مرة يشعر بالضعف وتسلط الآخرين عليه، لذا أقدم الإنسان منذ القدم ، وقبل نزول الرسالات السماوية وانتشار تعاليم الآويان وبعدها، على وضع قوانين للعدالة، تحكم علاقات الناس بعضهم ببعض ، وهو مازال حتى اليوم ، وسيبقى ، يسن القوانين ويضع الرساتير. أما الأديان ، فقد وضعت قواعد للعدالة، وأقامت الحدود، والإسلام كونه الرسالة السماوية الأخيرة، فقدات بتشريعات مفصلة ، وقوانين شاملة، لتنظيم العلاقات الإنسانية، على أساس من العدل، ولقد تعامل المسلمون مع هذه التشريعات بأشكال مختلفة، منذ نزول الوحي وحتى اليوم، فطبقوها حيناً، وابتعدوا عنها أحياناً، وكانوا مسلمين حقيقيين مرة، ومسلمين بالاسم مرات.[c1]معنى العدالة: [/c]لا معنى للعدالة خارج إطار المجتمع الإنساني ، والتجمعات البشرية. من هنا تسميتها بالعدالة الاجتماعية، وهي ، وضمن هذا الإطار ووفق قوانين المرعية ، تعني : الأحترام الدقيق لحقوق الإنسان، فالعدالة تكون قائمة، عندما يقوم كل إنسان بواجباته تجاه الآخرين فتصبح بالتالي جميع الحقوق محفوظة ولايرتفع صوت العدالة إلا عندما تضيع الحقوق أو تفتصب. هذه العدالة التي تهتم بحقوق الناس،وبالمساواة بينهم، وإنصافهم ترتكز على أساس رياضي، وتبني بمصطلحات رياضية، وقوامها التساوي والاستقامة، وعدم الالتواء وهذه المصطلحات هي نفسها التي تستعمل للتدليل على سلوك الإنسان الفاضل ، الذي يعمل بالاستقامة، ويحكم بالتساوي ، أي بالعدل. وهناك ثلاثة أشكال تقليدية للعدالة ، هي : عدالة في التبادل . عدالة في القصاص والعقاب. عدالة في التوزيع . عدالة التبادل : تحكم العدالة التبادلية علاقات الناس في المقايضة ، وفي تبادل السلع والأموال ، ويفترض فيها تساوي الأشياء المتبادلة، كما تفترض المساواة بين الأشخاص المتبادلين أنفسهم، وإلا حصل التعدي ، وحصل الاستغلال ، وغالبا ماتضيع هذه العدالة أيام الحروب، والأزمات الاقتصادية والمجاعات. والتبادل لا يكون في السلع وحدها ، إنما يكون في الأفكار والعلوم أيضاً والتبادل الفكري هو الأغنى. عدالة القصاص والعقاب: أو عدالة الزجر التي تقوم على إنزال العقاب نفسه، بمذنبين متشابهين في ذنوبهم ، ولقد اختلف وجوه هذه العدالة عبر التاريخ، فقديماً طبق حمورابي على البابلبين شريعة (السن بالسن، والعين بالعين) أما اليوم فقد تبدل ذلك الوجه، مع تقدم العلوم الإنسانية ، لاسيما علم النفس العام، وعلم النفس الاجتماعي ، حيث لم يعد ينظر إلى المذنب من خلال فعلته، ونتيجتها الموضوعية فقط، بل من خلال نواياه ومقاصده أيضاً، كما من خلال حالته النفسية، ووضعه الاجتماعية، وكل الأسباب التي من شأنها أن تخفف العقوبة أوتضاعفها. وإذا كانت المجازاة على الأفعال لا تتحدد إلا بناء على مسؤولية الشخص، فإن المسؤولية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوعي ، وبالحرية الإنسانية، فالمسؤولية تختلف من عالم إلى جاهل ولا مسؤولية على مقيد فاقد لحريته. أما الخلل الذي يمكن أن يصيب هذه العدالة فسبب التحيز الفئوي والاجتماعي، والتمييز العنصري أو مايطلق عليه بالعامية (الواسطة) هذه التي بسببها يقتل خائن ويترك آخر، أو يعدم قاتل ويبرأ آخر، او يسجن وتقطع يد سارق ويطلق سراح آخر، أو بجلد مرتكب فاحشة لفقرة ويستر لغناه ، أمر آخر. ج- عدالة التوزيع : المقصود بالتوزيع ، توزيع الإنتاج، والتراث ، والملكية والأجور ، ولم تكن هذه العدالة- كما يقول (ماركس) - مطروحة في التجمعات البشرية البدائية الأولى، كالمشاعية البدائية ، لأن الإنتاج والاستهلاك فيها كانا يعمان بشكل جماعي، وهي لاتطرح أيضاً في التجمعات الفلاحية التي تشكل العائلة فيها نواة إنتاج واستهلاك مستقلة وإنما يصبح مطلب العدالة التوزيعية ملحاً في المجتمعات ذات العلاقات الإنتاجية المعقدة، التي تحكمها الأنظمة السياسية، كالدولة، والتي تظهر فيها العلاقات الحقوقية بأشكالها المتعددة من الرق، إلى الإقطاع، إلى الرأسمالية فالاشتراكية ، حيث يظهر التمايز بين الناس طبقياً أو على مستوى توزيع العمل، فيصبح الاستغلال ممكناً ويرتفع صوت العدالة مطالباً لكل إنسان بحصته. هذه العدالة بشكلها المبسط تفترض وجود شخصين وحصتين : الحصة الكبرى لمن يعمل أو يعطي أكثر، والحصة الصغرى لمن يعمل أو يعطي أقل الأجر الأعلى للأكف والأفضل، والأجر الأدنى للأسوأ. العلاقة العالية للتلميذ الذكي والنشيط ، والعلامة المتدنية للتلميذ المتخلف والكسول. ولا يتم توزيع الحصص بالتساوي ،إلا إذا تساوى الناس أجمعين في الإمكانات والعطاء والمساواة أساس المطالبة بالعدالة ، فهل الناس متساوون؟ [c1]المساواة : [/c]فكرة المساواة تناولتها الأديان أولاً، فساوت المسيحية بين الناس في القيمة، لأنهم خلقهم إله واحد، وقد افتداهم المسيح بدمه. وفي الإسلام نزلت الآية الكريم: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، أن أكرمكم عند الله أتقاكم ..) الحجرات :13 ، فكان معيار التفضيل التقوى ، ثم نادت الثورة الفرنسية بالمساواة بوجهها العلماني ، معتبرة أن الناس يولدون متساوين في الحقوق ، لكن ذلك التساوي في القيمة الإنسانية، وفي الاحترام المطلق للإنسان كفرد، لم يكن ليلغي عمليا وجود فروقات واقعية وأحياناً كبيرة بين أبناء البشر. ويمكن أن نميز بين نوعين من الفروقات : الفروقات الطبيعية . الفروقات المصطنعة . الفروقات الطبيعية : وهي أنواع من التفاوت الطبيعي بين الأفراد في الذكاء والمقدرات العقلية والجسدية، وحتى في السلوك الأخلاقي، عندما يرتبط ذلك السلوك بالمميزات الشخصية الأساسية، الفطرية والوراثية ، والإقرار بالتفاوت الطبيعي مجمع عليه تقريباً، فالمعلم يقر بالفروقات بين تلاميذه، رغم وحدة الظروف التربوية والتعليمية، ورب العمل يلاحظ ويقر بالفروقات بين عماله، رغم وحدة الاختصاص والتدريب المتماثل الوالدان يلاحظان ويقر ان بالتمايز بين أولادهم رغم وحدة المعطيات الوراثية وظروف التنشئة .الفروقات المصنعة : إلى جانب التفاوت الطبيعي، الذي لم يعد يقره العلم اليوم إلا على مستوى التمايز والذي بميل إلى التلاشي في المجتمعات المتقدمة، نرى تفاوتاً مصطنعاً، هو وليد الظروف يتقوقون على الآخرين، فأبناء الزعماء السياسيين وأبناء الأثرياء وأبناء الموظفين الكبار، أو المثقفين والعلماء هم الأوفر حظاً للنجاح في الميادين التي يبرز فيها إباؤهم. أما الذين يولدون محرومين من السند المالي، ومن الدعم السياسي الذي ينتقل غالباً والوراثة في أكثر الدول والمجتمعات، فأنهم سيتخلفون حتما عن غيرهم ، والذي يولد في بيئة متخلفة اجتماعياً يكون أكثر عرضه للانحراف، ومن يسقط رأسه في منطقة نائية بعيده عن المدينة لاتسمح له ظروفه بتنمية مواهبه. وتعمل الأنظمة السياسية الديموقراطية جاهدة على إلغاء الفروقات المصطنعة، وتحقيق المساواة المدنية بين المواطنين بجعلهم يخضعون لنفس القوانين في الحقوق والواجبات.. لكن ذلك كله يبقى حبراً على ورقة عندما نعلم مثلاً أن الفقراء وذوي الدخل المحدود يعجزون عن إيصال أولادهم إلى التعليم العالي. إن العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس كانت مطلب الرسالات السماوية كما كانت مطلب الفلاسفة الكبار الذين كتبوا في السياسة والأخلاق وأبرزهم أفلاطون وماركس. [c1]العدالة الاجتماعية قبل الإسلام : [/c]سادت قبل الإسلام شرائع كثيرة، ففي العهود القديمة كانت شرائع البابلبين متوجه بشريعة حمورابي، كذلك كانت شرائع الإغريق، وأهمها شريعة صولون، أما الشرائع الرومانية الشهيرة، التي جمعها عشرة من أعيان الرومان في الألواح الأنثى عشر ، فقد اعتبرها شيشرون (106 - 43 ق.م) نواة للتشريع الروماني اللاحق ، وهي موجودة في كتب غاريوس ، إضافة لهذه التشريعات غير السماوية، هناك أيضاً تشريعات سماوية سابقة للإسلام نذكر منها النظرية الكاثوليكية، التي بموجبها تساوي المسيحية بين الناس في القيمة الإنسانية وفي الاحترام ولكنها لاترى في عدم المساواة الاجتماعية ما يتعارض مع الدين. ولا يوجد في المسيحية تشريع ثابت أو متكامل ، يحدد مبادئ العدالة لاسيما التوزيعية منها، لكن أقوال يسوع المسيح وتعاليم، تشكل منطلقاً لاحكام العدل، فمن أهم ما قاله السيد المسيح في مقت الأغنياء : (وأيضاً أقول لكم، أنه لأسهل أن يدخل الجمل في ثقب إلا بره، من أن يدخل غني ملكوت السماوات). وقد رسمت خطوط العدالة، في المسيحية، انطلاقاً من تعاليم الرسل وبالاستناد إلى قرارات البابوات، فالبابوات يدينون الماركسية لقولها بالمادية، كذلك تدين الكنيسة الكاثوليكية الرأسمالية التي تستعبد الكادحين ، ومع إقرارها بحق الملكية فأنها تجيز تدخل الدولة لتحقيق العدل وتسمح بتشكيل اتحادات العمال للمطالبة بحقوقهم ، وقد ذهب البابا بيكسي ( piexi) والذي تول مركز البابوية من سنة 1922م حتى وفاته في 1939م أبعد من ذلك، فاعترف بشرعية بعض التأميمات في سبيل المصلحة العامة. [c1]عدالة الإسلام: [/c]أتى الإسلام بشريعة متكاملة، تشكل نظاماً تاماً ، فيه حلول لكافة المشاكل الاجتماعية.. والإسلام ليس عقيدة روحانية مجردة أنه دين دنيا وآخرة. وأعمق ما قيل فيه على الإطلاق على هذا الصعيد قول الإمام على بن أبي طالب: ( أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) . هذا القول البليغ تدعمه الآية القرآنية: ( وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ، ولاتنس نصيبك من الدنيا ..) القصص :77. إن مطلب العدالة في الإسلام، هو أمر الهي قبل أن يكون مطلباً إنسانياً ، فردياً واجتماعياً يقول تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وأبناء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، ويعظكم لعلكم تذكرون) النحل :90. وبالعودة إلى الأشكال التقليدية الثلاثة للعدالة: التبادل ، القصاص والتوزيع نرى للإسلام احكاماً مبرمة على جميع هذه الصعد ، فقد جمع الإسلام أولاً كل مظاهر عدالة التبادل في الآيات البينات التالية : (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين * وزنوا بالقسطاس المستقيم) ولاتنجسوا الناس أشياء هم ولاتعثوا في الأرض مفسدين) الشعراء: ( 181، 182 ، 183) . وفيما يخص عدالة القصاص والعقاب فإن الإسلام قد اتخذ الموقف الواقعي الذي ينسجم مع طبيعة الإنسان الأنانية والعقلانية التسامحية معاً تقول الآية الكريم (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة :194 / لكن الله حرم أن يعتدي إنسان على إنسان ( ولا تعتدوا أن الله لايحب المعتدين) المائدة: 87/ والصفح والعفو محببان إلى الله تعالى مفضلان عنده : (.. وأن تعفوا أقرب للتقوى ) البقرة: 137 .. (.. وأن تعفوا وتفضروا فإن الله غفور رحيم) التغابن : 214. وإذا كانت العدالة الجزائية ، المتعلقة بالزجر والعقاب أو القصاص قد أقرتها كل المجتمعات الإنسانية، في كل زمان ومكان، فإن تقدير الأخطاء والذنوب يختلف تبعا للعقيدة، وتبعا للحضارة صحيح أن المبدأ العام يقره الجميع، فالكل يحرم القتل والسرقة، ويدعوا للعمل الصالح، لكن العقوبة التي تفرض على المذنب لاتتعلق بنوع الذنب وحجم فقط، إنما ترتبط أيضاً بفرضية الجبر والإلزام ، فلا يعتبر شخصاً مرتكباً فعلاً لذنب أوجنحة ، بتعا للقانون المدني الحديث مثلاً، مالم يكن ذلك الشخص حراً وفي كامل وعيه وقواه العقلية ، فاختلاف القيم والشرائع في المجتمعات تؤدي حتما لاختلاف في أمور التحليل والتحريم وهكذا، فإن بعض المجتمعات تحرم من المأكل والمشارب ما تحلله مجتمعات أخرى، فالمجتمعات الإسلامية تحرم أكل لحم الخنزير كما تحرم تناول المشروبات الروحية بينما تحلله المجتمعات الأخرى، كما أن الاختلافات في أمور الزواج والعلاقات الجنسية وحرية المرأة فهي أكثر من أن تعد .إن الخطوط العريضة للعدالة الجزائية في الإسلام معروفة من إقامة الحد على القاتل ، والسارق والزاني مثلاً.. لذلك تكفينا الإشارة إلى أن الإسلام قد أقر مبدأ العقاب بشكل عام كمبدأ لازم وضروري من أجل الحياة، قال تعالى :( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم نتقون) .. البقرة 179. ولا يقل أهمية عن إقرار مبدأ العقاب، وضع الضوابط له، وإلا فكيف تتحقق العدالة فيه قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنئان قوم على أن لاتعدلوا ، أعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله أن الله خبير بما يعملون).[c1]المساواة في الإسلام : [/c]كيف ينظر الإسلام إلى المساواة؟ هل يقر بالفروقات أم يعتبر الناس متساوين؟ لنحاول رصد هذه المساواة، في القرآن والحديث كما في الفرائض الدينية والمعاملات الدنيوية. في القرآن الكريم: تركز الآيات القرآنية على نوعين من المساواة : مساواة في وحدة النفس . مساواة في الحقوق والواجبات . لاتفريق فيها إلا بين الأتقياء والضالين، قال تعالى في وحدة النفس: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة..) النساء : 1 . والمسلمون متساوون شرعاً في حقوقهم وواجباتهم، لايفرق بينهم عرق ولا جنس، لون أو نسب، والتقوى وحدها هي أساس الكرامة في الإسلام قال تعالى: (يا أيها الناس أنا خلقنا كم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم.. ) الحجرات :13. في الحديث الشريف : يأتي الحديث بعد القرآن موضحاً أو شارحا او مفصلاً، حيث قال البني في قضية المساواة ( لأفضل لعربي على أعجمي، ولا لابيض على اسود، إلا بالتقوى) تأكيد للآية الكريم (.. أن أكرمكم عند الله اتقاكم). ج- في الفرائض : لا شيء أوضح دلالة على المساواة في الإسلام من تأدية الفرائض والقيام بالواجبات الدينية عند المسلمين ، أنهم متساوون في الصلاة ويتساوون في الصيام ويتساوون في أداء فريضة الحج لا فرق بين فقير وغني. ع- في المعاملات : تلاحظ هذه المساواة في الحقوق والواجبات ، وفي وحدة القضاء والقانون وهذه المساواة في المعاملات والدنيوية لا تطال المسلمين وحدهم، بل الذميين أيضاً الذين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات في المجتمع الإسلامي ، باستثناء وواجب الخدمة العسكرية، الذي بعض الذمي مقابل ضريبة تسمى الجزية. أما الوظائف العامة فلم تسثني البتة من مبدأ المساواة، وقد شغل المسلمين وظائف ومراتب عليا في الدولة الإسلامية.[c1]6) الصفة الاجتماعية للإسلام:[/c]أن من صفات الإسلام الأساسية الصفة الاجتماعية. فبالإضافة لاهتمام الإسلام بعلاقة الإنسان بربه، يهتم أيضاً بعلاقة الإنسان بالإنسان. فيتطرق إلى أسس الحياة الاجتماعية في الأخلاق والمعاملات وتظهر الطبقة الاجتماعية للإسلام في المبادئ الأساسية التالية:مبدأ تقييد الحقوق الفردية بحقوق المجتمع، والمصلحة العامة.مبدأ ارتباط قواعد العدالة بقواعد الأخلاق والإحسان.مبدأ تأمين التكافل الاجتماعي، والضمان الاجتماعي بواسطة، نظام الزكاة، وحق الجماعة في موارد الدولة العامة.[c1]المبدأ الأول:[/c]إقرار الإسلام جملة حقوق الإنسان في الحريات والتي من أهمها:الحرية الشخصية: وقد قدرها الله فجعلها ثمناً يدفعه الآثمون للتكفير عن أثمهم وذلك عندما فرض على مرتكبي القتل تحرير رقاب العبيد. حرب الفكر والمعتقد: وليس هناك أدل عليها من مواثيق التعامل مع أهل الكتاب، ومع غير المؤمنين، وحتى مع الكافرين.فالإسلام في توسعه وانتشاره استعمل الحكمة والموعظة الحسنة، وقد سمح بحرية الأديان داخل المجتمع الواحد. كما سمح بالزواج من الكتابية مع الإبقاء على عقيدتها.ج) حرية التعلم والتعليم، وقد أثبتتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التالية:قال تعالى: (.. وقل رب زدني علماً) “طه 114” وقال أيضاً (.. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) “المجادلة 11”.وفي الحديث الشريف قال الرسول الكريم: (اطلبوا العلم ولو في الصين) و”طلب العلم فريضة على كل مسلم “العلماء ورثة الأنبياء”.د) حرية التملك: وقد أقرها الإسلام وحفظها بالحق في الإرث، والقوانين الشرعية المنزلة، والمتعلقة بتوزيع المواريث.وحرية التملك كباقي الحريات الشخصية وغيرها يقيد الشرع استعمالها بحقوق المجتمع العليا، أي المصلحة العامة أو الصالح العام.فالحريات التي يؤدي استعمالها لإلحاق الضرر بالغير، تمنع لسوء الاستعمال، وهذا المنفع تبناه واقره القانون المدني الحديث.كما يمكن للدولة الإسلامية أن تجبي الضرائب، وان تستملك الأملاك الخاصة، وذلك في سبيل الصالح العام، ولو كانت الحرية مطلقة غير مقيدة لارتاح المرابون والمحتكرون، لذلك منعت النشاطات الاقتصادية والاجتماعية التي تخل بالقيم، وتضر بالمثل الإسلامية، كالربا، والاحتكار والغش وغير ذلك.[c1]المبدأ الثاني:[/c]ترتبط قواعد العدالة في الإسلام بقواعد الأخلاق لاسيما الإحسان بقول تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..) “النحل 90”.وقواعد الأخلاق هي قواعد التمييز بين الخير والشر، المسموح به والممنوع منه، بين الحلال والحرام، ومن أهم مطالب العدالة الأخلاقية: الأمانة، والوفاء بالعقود. ويقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) “المائدة 1”.كما أن الأمر صريح بتأدية الأماناة إلى أهلها: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإن حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)”النساء 58”.[c1]المبدأ الثالث:[/c]ترتكز الصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعية على مبدأين عامين هما: مبدأ التكافل العام، ومبدأ التوازن الاجتماعي.وإذا ما تحقق هذان المبدأن تحققت القيم الاجتماعية العادلة، ووجد المثل الإسلامي للعدالة الاجتماعية.وتنحصر مسؤولية الدولة الإسلامية على هذا الصعيد في تأمين الضمان والتوازن الاجتماعي، ففي الضمان الاجتماعي فرص الإسلام على الدولة ضمان معيشة أفراد المجتمع الإسلامي ضماناً كاملاً. وهذا المبدأ في الضمان يرتكز على أساسين أثنين:ـ نظام التكافل العام.ـ حق الجماعة في موارد الدولة عامة.[c1]1) نظام التكافل العام:[/c]يقتضي ضمان إشباع الحاجات الحياتية والملحة للفرد ومحور نظام التكافل والزكاة، الذي هو عبارة عن تطبيق عملي لعدالة التوزيع في الإسلام. والزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، كانت الأصل صدقة، ثم نظمتها الدولة الإسلامية كضريبة على الأغنياء لصالح الفقراء.والزكاة واجب شرعي، ينفذه الأغنياء الذين في أموالهم حق معلوم للمحرمين وعندما لاتكفي الزكاة لسد حاجات الفقراء والمحتاجين يتوجب على الدولة الإسلامية أن تفرض على الأغنياء ما يكفي حاجة الفقراء. يقول الصحابي أبو ذر الغفاري، محرضاً الفقراء الجياع على أخذ حقهم: (عجبت لمن يجوع، كيف لايشهر سيفه ويخرج إلى الناس).والزكاة تجب في الماشية والزرع والثمار، كما تجب أساساً في الذهب والفضة “بمقدار 5و2% من النصاب)، أما الأوراق النقدية فقد أوجب فيها الأمامية الخمس وذلك في كل مايزيد على مؤونه السنة,أما آلية فرض الزكاة فتهدف إلى منع اكتناز النقد. وهي اذ تتكرر على النقد المجمد كل عام، يمكنها أن تستوعب النقد المكتنز كله، إذا طال اكتنازه عدة سنين. وقد حرم الله اكتناز الذهب، والفضة وهدد القرآن الذي يكتنزونها بالنار.2) حق الجماعة في مصادر لثروة “موارد الدولة” على هذا الأساس تكون الدولة الإسلامية مسؤولة بصورة مباشرة عن ضمان معيشة المعوزين والمحتاجين والعاجزين، بصرف النظر عن الكفالة الواجبة على المسلمين الأغنياء أنفسهم. أما الطريقة فتكون في إيجاد بعض القطاعات العامة في الاقتصاد التي تتكون من موارد الملكية العامة، وملكية الدولة، لكي تكون هذه القطاعات، إلى جانب الزكاة ضماناً لحق الضعفاء، وحائلاً دون احتكار الأقوياء للثروة، ورصيداً للدولة يمدها بالنفقات اللازمة للضمان الاجتماعي ولمنح كل فرد حقه في العيش الكريم.للجماعة كلها إذا حق الانتفاع بالثروات الطبيعية، وهذه مسؤولية الدولة، والهدف ثمان كفاية العاجزين والمعوزين.وتكتمل صورة العدالة الاجتماعية الإسلامية، عندما يتحقق التوازن الاجتماعي والمقصود بالتوازن الاجتماعي، حل مشكلات التفاوت والفروقات الطبيعية في مختلف الصفات النفسية والفكرية والجسدية.ولما كان الإسلام يقر به الفروقات، ويقر في الوقت ذاته بأن العمل أساس الملكية، لذلك فهو يسمح بظهور التفاوت بين الأفراد في الثروة.لكن الإسلام الذي يقر بالتفاوت في مستوى الدخل، يعمل على تحقيق التوازن في مستوى المعيشة. هذا التوازن معناه أن يكون المال موجوداً لدى أفراد المجتمع، ومتداولاً بينهم، لدرجة تتيح لكل فرد أن يعيش في المستوى العام الطبيعي، بحيث لايكون التفاوت في المعيشة بحجم التفاوت في الدخل.
العدالة الاجتماعية في الإسلام
أخبار متعلقة