إعداد/ ميسون عدنان الصادق ولد الشاعر عقيل علي في مدينة الناصرية حيث أمضى فيها طفولته وصباه ولم يتسن له الحصول على تعليم اكاديمي منتظممما جعله يدخل معترك الحياة مبكرا فعمل خبازا ثم تنقل مع والده بعد ذلك الى مدينة البصرة الى ان استقر به الحال في بغداد ليعمل خبازا قبل ان يهجر العمل المهني الى الابد ويتفرغ للعدم؟!.تتطابق الكثير من خطوط وتفاصيل حياة الراحل مع مصائر شعراء سبقوه وتركوا وراءهم آثارا وندبا شديدة الايلام والاثارة في المشهد الشعري العراقي واتفق على تسميتهم بـ (الشعراء الصعاليك) منهم حسين مروان وعبدالامير الحصيري وجان دمووكزا رحنتوش ثم تلاهم جيل آخر اصغر سنا هاجر معظم ابنائه الى المنافي في حقبة التسعينات امثال نصيف الناصري وحسن النواب وآخرين، غير ان مأثرة عقيل انه ظل مخلصا لنفسه وفضل ارصفة الوطن على متاهة المنافي حتى عندما غادر العراق متوجها الى عمان لاول وآخر مرة قبل سنوات ضاق بالمدينة الحجرية ذرعا وسرعان ما عاد الى ارصفته البغدادية.قبل رحيله بأيام نشر احد مواقع الانترنت صورا لعقيل علي وهو نائم بملابس رثة في محطة مهجورة للحافلات في منطقة الكونتينة ببغداد وكان من نشر الصور اراد ان يسخر مما آل اليه مصير الشاعر في تلك الحالة المزرية وعلى الفور ارسل له صديقه القديم الشاعر (حسن النواب) المقيم حاليا في استراليا (100) دولار على سبيل المساعدة في تجاوز ازمته المادية المزمنة بعد نشر موقع ايلاف صورتين للشاعر يظهر فيهما بمظهر المتسول والمتشرد. فهو ينام خلف موقف باص الحافلة في الكونتينة ولم يستطع النوم في أي مكان سواه وبعد يومين من استلام المساعدة توفي عقيل علي. وجده الشاعر محمد وهيب يتخبط في دمه على الرصيف وقد اتصل شخصا طالبا سيارة اسعاف من مدينة الطب القريبة ولكنها رفضت نقله الى المستشفى لانهم كانوا يشكون في شخصيته المريبة وقد يكون ارهابيا وقد طلب الشاعر محمد وهيب سيارة اسعاف اخرى ايضا ولكن رجالها رفضوا اسعافه مقدمين اغرب اعتذار بقولهم «ان المحتضر يبدو ثملا وانهم لايساعدون السكارى» ثم غادروا المكان بسرعة.اصدر الشاعر عقيل علي ديوانين شعريين مهمين قبل سنوات هما (جنائن آدم) و(طائر آخر يتوارى) الاول عن دار توبقال في المغرب والاخر عن دار الجمل في المانيا وقد اثار جدلا كبيرا وكتبت حولهما دراسات ومقالات غير ان الشاعر لم يحظ باهتمام المؤسسة الثقافية العراقية طوال السنوات العشرين الاخيرة وعومل كصعلوك يثير الشبهات الشعرية اينما حل حتى ان بعضهم زعم انه لايكتب قصائده لانه امي ولايجيد الكتابة والقراءة كما منع عقيل من دخول نادي الادباء لانه لايستطيع ان يدفع.وقد عرف عن الشاعر الراحل عقيل علي انه كان اكثر اعتناء بمظهره الشخصي وكان يشذب شعر لحيته وشعر رأسه وكان يتحدث عن ظاهرة الصعلكة ويصفها بمظهر سلبي تدل على التمرد في الحياة الثقافية العراقية.كان عقيل علي يأمل ان يحقق التحول الاخير في الحياة السياسية والثقافية قفزة نوعية في حياة العراقيين غير ان انتشار ظواهر العنف المسلح والقتل والفساد المستشري في اوساط المؤسسات سببت له احباطا شديدا ونكوصا دفعا به الى منحدر اليأس والعدمية فعاقر الخمرة ولجأ الى الرصيف الذي وجد فيه رحماً دافئاً اكثر رحمة ودفئاً من كل مقولات ووعود السياسيين والمثقفين كان الشاعر مجنونا بعراقيته وجنوبيته ولكنه عاش ايامه الاخيرة مخذولا ومحطما يستأجر غرفة مع عدد من العراقيين في احد الفنادق البائسة في العاصمة الاردنية عمان وكتب فوق سريره عبارة تقول : «أيها الإنسان لاتسهم في تدمير نفسك».
|
ثقافة
طائر يتوارى عن العراق
أخبار متعلقة