عشية انطلاق فعاليات مهرجان أسعد الكامل السياحي الأول في محافظة ذمار
[c1]مقدمة الكتاب :[/c]شخصية الملك أبي كرب أسعد كان لها تأثيرها القوي عند العرب وأجمعت كل العرب على أنه الملك الجامع والكامل الذي دان بدين التوحيد (ذي سموي) ونشر تعاليمه وعاصر وجود الديانة اليهودية في ذلك الحين ولكن لم يتأكد اعتناقه لها بشهادة الكثير من المؤرخين والكثير من الوقائع التاريخية المدونة في النقوش الاسعدية الحميرية ووجود نوع من الخلط بينه وبين أحد أحفاده وهو (ذرا أمر حسان أو عمرو حسان) ، وهذا هو الذي اعتنق اليهودية والتقى بأحبار يهود في قصة مشابهة للقاء (أسعد) بالحبرين في يثرب ولكن الكثير من الحقائق التاريخية المرتبطة بمسير حياته بينت أنه كان مؤمنا فقط بديانة التوحيد (ذي سماوي) كما ورد في النصوص والنقوش المسنودة إلى عهده وعهد ابنه (حسان) و(شرحبيل) ، هذا الملك الذي جمع بين المعرفة والعلوم وبين الشعر والفروسية ، وهو الملك الذي أهتم بالبيت الحرام في مكة المكرمة وطهره من الأصنام وجعل له بابا ومفتاحا وهو الذي سن تعاليم تلك الطهارة وهو أول من كسا الكعبة وعاود على كسائها ثلاث مرات في حياته ونحر سبعون ألفا نحرا عن نفسه وعمن معه من الجنود أثناء دخوله مدينة مكة للمرة الأولى ، وهو الذي أعتمد أسلوبا مغايراً في قيادة جيوشه حيث كان يقود جيوشه خارج دولة سبأ لمدة عامين كاملين ثم يعود للإقامة في أرض سبأ يدير فيها شؤون الحكم ويذكر سكان دولته بأنه الملك المسيطر على أرض سبأ والبلدان التي افتتحها وعمد إلى إبقاء ابنه (حسان) نائباً له في أرض سبأ وعين له سبعة من المساعدين في الأقاليم السبئية مؤسسا ما يشبه بالحكم اللامركزي في تلك الأقاليم في ضل حكم مركزي قوي عاصمته الجامعه مدينة مأرب واحتفاظه بمدينة ظفار كمحطة علمية وثقافية، كما عمد إلى إبقاء ابنه (شرحبيل) وأخيه (ذرا أمر) يقودون جيوش سبأ في كثير من البلدان الخارجية أثناء تواجده هو في أرض سبأ.وهو الملك الذي طور الصناعات التعدينية وصناعة الأسلحة والعتاد الحربي وأهتم ببناء المنشآت المائية وزاد من المساحات المزروعة بالحبوب والخضار، وأحسن اختيار القادة العسكريين المساعدين له في قيادة الجيوش أثناء غيابه وتواجده فواصلوا تقدمهم وفتحهم للبلدان وكأنه حاضر بينهم بينما كان يتولى هو الهجوم الكبير بالقوات الرئيسية ويفتتح البلدان الجديدة حتى داست قدماه البحار والمحيطات ورأت عيناه أرض الظلمات وأعاقت تقدمه فبلغ حيث لم يبلغه أي ملك سبئي من قبله وسيطر على أركان الأرض الأربعة التي عرفتها البشرية في ذلك الزمان ووطن الكثير من القبائل والعشائر العربية في مناطق بعيدة. شخصية الملك أسعد الكامل ومسيرة حياته اكتسبت شهرة كبيرة في البلدان التي افتتحها لأنه كان يعلم العلوم ويدعوا إلى دين التوحيد (ذي سموي) ويقول أحسن الشعر وأعذبه ،ما ميزه عن غيره من الملوك السبئيين الذين سبقوه فاستحبته العرب وتناقلوا شعره ومسير حياته لآلاف السنين مخلدين بطولاته وفتوحاته التي قام بها ، وكان لاهتمامه بالنقش والتدوين على الصخور لبعض الأحداث التي مرت بحياته وهو يقود جيوشه خارج أرض سبأ دوراً كبيراً في تأكيد عظمة ما قام به من أعمال بطولية وفتوحات بعيده طالت أركان الأرض الأربعة وهذه النقوش عثر عليها في كثير من المواقع وأهمها نقوش وادي (ماسل الجمح) الذي يبعد مسافة 25كم عن مدينة الرياض حاليا. الملك أبى كرب أسعد واحد من الملوك السبئيين الذين فتحوا البلدان والأمصار ووطنوا فيها القبائل العربية حتى سيطرت على تلك البلدان وكونت فيها دويلات وإمارات خاصة بها في فترات زمنية لاحقة امتدت حتى وقتنا الحاضر، وبهذا استحق هذا الملك العظيم أن يحظى بدراسة شاملة ومختصرة تعنى بمسير حياته بأسلوب سردي مرتب فيه قليل من الحوار والتحاور وفيه محاولة لاستدراك شخصيته التاريخية وأسباب شهرته التي فاقت شهرة كل ملوك سبأ وحمير وهو الذي فتح الكثير من البلدان دون أن يعرف له بأي هزيمة أو تراجع وعزز من قوة وسطوة دولة سبأ في ذلك الحين بعد أن كادت أن تضعف وتحيط بها الممالك القوية مثل بابل وأشور وتهدد مصالحها التجارية في عهد والده (ملكي كرب) وعهد (كراب أيل وتار) نائب جده (ياسر وابنه ثاران) ، وحاولنا الإيجاز في السرد حتى يستطيع أي قارئ تصفح الكتاب في وقت قصير دون أن يمل أو يميل إلى موضوع آخر حتى يستفيد من محتوى الكتاب والرجوع إليه في أي وقت. نأمل أن نكون قد وفقنا في دراسة شخصية هذا الملك العظيم ومسيرة حياته بأسلوب سردي معتمدين على كل المراجع التاريخية التي وقعت عليها أيدينا وأفادتنا في معرفة تلك الشخصية السبئية العظيمة. تأليف د. صالح السحيقي / إعداد مكتب 14 أكتوبر بذمار- سام الغباري / محمد الوشلي / فاطمة المنحي :[c1]سيرة حياته :[/c]الزمان (473) بحسب التقويم السبئي الموافق (735) ق.م، المكان مدينة مأرب عاصمة دولة سبأ وذو ريدان وحضرموت، الحدث في قصر الملك (ثاران يهنعم) وابنه (ملكي كرب) كما ذكر محمد الفرح (1)، في مثل هذا الوقت من العام من كل صيف يزداد النشاط التجاري ويزدهر في أسواق المدينة، وعند أطرافها تحط القوافل رحالها من البضائع المختلفة بما فيها البخور والمنتجات الزراعية ومشغولات الحرف اليدوية ، والبعض من تلك القوافل يواصل رحيله في اتجاه الشمال والغرب بعد استراحة توقف قصيرة وضرورية للتزود بالمؤن، والبعض الآخر يفرغ حمولته ليأخذها التجار إلى داخل المدينة، فتعود تلك القوافل محملة بالمنتجات التي تصنع في مدينة مأرب وتفتقر إليها الأقاليم السبئية الأخرى . في حي من أحياء مدينة مأرب شيد قصر الملك (ثاران يهنعم) الذي يقطن به مع ابنه (ملكي كرب) وتحيط به حديقة واسعة مزروعة بالأشجار المثمرة وأشجار الزينة . داخل القصر الكبير رقد الملك (ثاران يهنعم) على فراشه وقد أشتد عليه المرض ومن حوله الإذواء والأقيال يتقدمهم شقيقه (ياسر) وابنه (ملكيكرب) مع طبيب القصر الخاص المعالج للملك المريض الراقد على فراشه دون أن يقوى على فعل شيء لنفسه وهو ذلك الملك الذي فتح الأمصار ودوخ أعدائه بغزواته التي غزاها شرقا وغربا معتمدا على قوة ونفوذ دولة سبأ، والآن هاهو يرقد على فراشه تاركا الأمر لابنه ملكيكرب يتدبر شؤون الحكم لدولة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت، وحين أشتد المرض على الملك (ثاران) وغاب عن وعيه استدعى ابنه (ملكيكرب) وشقيقه (ياسر) والأقيال إلى القصر فالتفوا حول سريره حتى فارق الحياة ومن حينها آلت الولاية إلى ابنه (ملكي كرب) في مدينة مأرب لتشمل كامل مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت والتي كان قد مارسها فعليا أثناء مرض والده. بعد موت الملك (ثاران) بفترة قصيرة وتولي (ملكيكرب) الحكم وركونه إلى الهدوء والسكينة استعادة بابل وأشور أنفاسها وإعادة تنظيم شؤونها وبدأت جموعهم تهدد حدود الدولة السبئية وتهدد المصالح التجارية لها وأصبحت بلاد الشام والأجزاء الساحلية من فلسطين وشرقي الأردن والمملكة العربية (شمسي) في شمال الجزيرة العربية تحت تهديد ملك أشور، كما ورد في الأمم السامية (2) (بأن ملك أشور (تجلات بليزر) أخذ فسحة من الوقت بعد رجوع الملك (ثاران يهنعم) إلى أرض سبأ وغياب أي تقدم للجيوش السبئية على تلك البلدان)، وكان سبب ذلك مرض الملك وانشغال ابنه (ملكيكرب) بالداخل أكثر من الخارج والتواجد معظم الوقت في مدينة مأرب بجوار والده المريض حتى مات. تسليم الحكم لأي ملك سبئي جديد كان يعني قيام ذلك الملك بتأمين مصالح الدولة التجارية وصد الهجمات عن البلاد وتأمين الطرق التجارية وبالتالي خروج أولئك الملوك على رأس جيوش جرارة إلى تلك البلدان حيث منبع ذلك التهديد وغزوها وفتحها، ولهذا كانت غزوات ملوك سبأ تطال بلاد ("عيلام" وأرض "بابل وأشور ومصر والمغرب وبلاد الحبشة" "أكسوم" و"السودان") وهي البلدان المحيطة بدولة سبأ والتي كانت تتأهب منها الممالك وتحاول فرض سيطرتها على الطرق التجارية في أي فرصة تراها سانحة لها، وقد استهل (تجلات بليزر) ملك أشور حكمه بتكوين جيش كبير من خلال نظام (أشبه بنظام التجنيد القسري) الغرض منه شن الغزوات كما ذكر طه باقر (3) واحتلال المناطق المحيطة بطرق القوافل التجارية والهيمنة عليها، تلك التجارة القادمة بحراً الواصلة إلى ميناء (قناء) من سواحل الهند والعابرة لأراضي سبأ وصولا إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط مضافاً إليها منتوجات أقاليم سبأ. بعد تولي (ملكيكرب) سدة الحكم لدولة سبأ أبدى ضعفا في قيادة الدولة وقيادة الجيوش للحروب الخارجية فهددت مصالح الدولة التجارية بدرجة لم تعهدها من قبل مما أضعف من هيبتها وقوتها كدولة مسيطرة على كل ما حولها وتتحكم في طرق التجارة وتحميها، في هذه الأثناء كان الجميع في دولة سبأ بانتظار تحرك الملك الجديد مع الجيوش نحو تلك الممالك ومحاربة ملوكها والقضاء عليهم وتأمين مصالح سبأ التجارية المتضررة، ولكن تحركات الملك كانت بطيئة ولم تسفر عن شيء سريع وعاجل فتوقفت حركة القوافل واكتظ ميناء قناء بالسفن المحملة بالبضائع القادمة من الهند وبلدان أخرى والتي كانت تعبر بها القوافل إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط مروراً بأراضي سبأ مما أصاب تجارة دولة سبأ بالكساد، وهكذا بداء التذمر يزداد حدة ضد ملكيكرب وبداء الأقيال الثمانون مع الأذواء الثمانية بتنظيم الاجتماعات في قصورهم وتبادل المراسلات للخروج بحل لهذه المشكلة، وفي أحد القصور المملوكة لأحد هؤلاء الاقيال وفي مدينة مأرب جرى نقاش حاد بين الحاضرين من الأقيال حول أمر الحكم وما آلت إليه الأمور في الدولة فتكلم أكبرهم سنا قائلاً: - هذا شأن لا يمكن السكوت عليه، مصالح الدولة التجارية تعطلت وقوافلنا تراوح مكانها وأطراف دولتنا تهاجمها جموع الطامعين بها وحتى الآن لم نلمس من (ملكيكرب) أي تحرك لوقف هذا الخطر- ورد عليه بعض من الأذواء والأقيال الحاضرين: -لو انتظرنا لطال انتظارنا ووصلت جيوش آشور وبابل إلى ديارنا –فتساءل أحد الحاضرين قائلا: - إذا ما العمل يا قوم ؟ يجب عليكم اتخاذ قرار! - وتعالت الأصوات من هنا وهناك مرددين: - العزل – ليس أمامنا سوى عزل (ملكيكرب) وتنصيب من هو أهلا لذلك! وسرعان ما أتت الإجابة من بين الحاضرين. - ياسر يهنعم- عليكم بياسر فهو شقيق الملك (ثاران) وعم (ملكيكرب) وأهلا لتولي الملك وقيادة الجيوش، ثم نهض الجميع من أماكنهم وعلى الفور اتجهوا إلى قصر الحكم والمعروف الآن بعرش بلقيس وداخل صالته الرئيسية التي تضم ثمانية صفوف وفي كل صف عشرة أو إحدى عشر كرسياً رخامياً يجلس عليه الأقيال الثمانون وإلى جانبهم الأذواء الثمانية عند الاجتماعات ، وهناك أعلنوا قرارهم للجميع بعزل (ملكي كرب) واستدعوا عمه (ياسر يهنعم) لتولي زمام الأمور وقد ذكر ذلك المؤرخون الأوائل حيث قال نشوان الحميري (4) (كان ملكيكرب ملكا على اليمن لا سواها، وماله (أي خلعه) بنو سبأ الأصغر وسائر بطون حمير إلا لأنهم طلبوا بذلك الراحة مما كانوا يعتادونه في المغازي مع ملوكهم الأوائل) (وأضاف بأن الملك لا يصلح لمن يملك حتى يقيمه هؤلاء الاملاك الثمانية ، وأن اجمعوا على عزله عزلوه)، لم يعارض الملك المعزول واستسلم للأمر الواقع الجديد طالباً السماح له بالرحيل وتحديد مكان إقامته بعيداً عن مدينة مأرب حتى لا يحدث أي نزاع مستقبلي بينه وبين عمه الملك الجديد (ياسر يهنعم)، وهكذا بدأت مسيرة حياة (ياسر يهنعم)، وبعد توليه للحكم وأخذ زمام الأمور كان (ملكيكرب) قد شد رحاله للسفر وغادر مدينة مأرب قاصداً مدينة خمر في ظواهر همدان حيث وصلها ودخل في ضيافة صاحب قصر خمر (موهبيل ابن عبدريم البكيلي) وأقام عنده في قصره فترة من الوقت، وبعد أن استقر الحال بالملك الجديد (ياسر يهنعم) وتسلم الحكم لدولة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت لم يغفل سبب عزل ابن أخيه من الحكم وسبب وجوده هو ملكاً جديداً على البلاد فبادر بالخروج لزيارة أقاليم الدولة متوجهاً بالبدء إلى مدينة ظفار ثاني أكبر مدن الدولة بعد مدينة مأرب ومن هناك أعد العدة لحربة القادمة فجمع الفرسان والعتاد ونادا في جميع أقاليم دولة سبأ والبعض منها سار إليها بنفسه واستعجل في الأمر لإدراكه بأن الخطر بات وشيكاً وأي تأخير قد يضاعف من الضرر، فهبت إليه الفرسان من كل أرجاء الدولة وزودته الأقاليم بالمؤن والعتاد، وبعد أن أطمئن إلى التجهيزات باشر بالمسير مع جيشه نحو هدفه وهدف كل سكان دولته، وبعد فترة وجيزة كان قد لحق به ابنه (ثاران أيفع) ليكون له عوناً وسنداً في بلاد الأعداء والغرباء لأن هذا هو عهد ملوك سبأ في غزواتهم وحروبهم، لم يستمر مسير الجيش طويلاً بعد تخطيه أطراف دولة سبأ حتى بدأت المعارك الحربية الرئيسية وأمام ضربات جيش ياسر يهنعم تهاوت الحصون والقلاع التي أقامها (الأشوريون) بالقرب من حدود الدولة وخضعت القبائل المتمردة للملك الجديد فنصب أمراء وقادة جدد على رأس تلك القبائل والممالك ليحموا مؤخرة جيشه ويؤمنوا طرق القوافل التي بدأت تتقاطر محملة بالبضائع من أرض سبأ فدبت الحركة من جديد في ميناء قناء والموانئ السبئية الأخرى وعاودت السفن رحلاتها البحرية، وتحركت القوافل عبر الطرق البرية التجارية، بعد ذلك واصل مسيره باتجاه (بابل وأشور) حيث مركزهما الرئيسي فأعاد حكم بابل للكلدانيين بعد أن هزم جيش الأشوريين فذاع صيت الملك القادم الجديد وعرف بأسم (ي/سر /كون) كما ذكر د.طه باقر (5) (أن ملك البابليين حينها "مردوخ ابلاد" لم يكن يسمي خصمه الملك سرجون ملك الأسوريين، بل ملك السوبارتيين وجيشه جموع السوبارتيين)، وقد عمد إلى بناء القلاع والحصون على طول خط سيرة وتثبيت حاميات عسكرية من جيشه أومن القبائل والعشائر المنخرطة تحت قيادته وكان الغرض منها وضع نقاط مراقبة واتصالات خلفية دائمة، وهكذا أنطلق مسير الملك (ياسر يهنعم) مع جيشه وإلى جانبه ابنه (ثاران أيفع) تاركين ورائهم أحد أقيال صرواح (كرب أيل وتار) يحكم أرض سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت أثناء غيابهما وانشغالهما في الحروب الخارجية وتأمين المصالح التجارية ، كما ذكر محمد الفرح (6) (كان الملك "ياسر يهنعم" انذاك وفي غزواته الخارجية ببلاد بابل وجهات المشرق، ثم اتخذ أشور مركزا له وسار إليه ابنه الملك "ثاران ايفع" واشترك في بعض غزواته ثم عاد إلى أرض سبأ بعد وفاة ابيه) وقد ورد ذكرهما معا في نقوش معثور عليها في محرم بلقيس. عند استقرار الأمور في بابل وأشور وانضوائهما تحت ملوكية (ياسر-كون) وابنه (ثاران) وجها قواتهما شرقا وشمالا حتى وصلا بهما بلاد الظلمات حيث تغيب الشمس في فصل الشتاء ويطول ليلها لعدة أشهر وتتحول الأرض إلى ظلمة وهذه الأراضي عند أعالي جبال القفقاز وياقوتياً، فتوقف هناك حيث لم يجد بد من مواصلة المسير فعاد أدراجه إلى قصره (دور سركين) في أشور، ومن هناك ومجدداً أنطلق بجيشه نحو مصر وبلاد الشام فأخضع دولة (يهودا) وأنضمت كلها تحت ملوكية (سبارتوا) وملكها (ياسر كون)، واستمرت فتوحاته تلك أربعة عشر عاماً كاملة، استطاع خلالها أن يحقق لسبأ مجدا عظيما لم تعرف مثله إلا في عهد الملك (شمر يهرعش وثاران يهنعم الثاني وذمر علي)، ومن سبقهم من ملوك سبأ ، وقد ذكر محمد الفرح (7) (بأن الملك "ياسر" وفي حروبه سانده فيها ابنه "ثاران أيفع" تاركين أرض سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت ورائهما يحكمها "كرب أيل وتار" طوال هذه الفترة حتى تحول من نائب للملك إلى ملك له كامل السلطة لا ينازعه فيها أحد ولم يكن له من شاغل سوى تأمين الإمدادات من الداخل إلى جيش (ياسر) وإدارة شؤون الدولة وحماية أطرافها البحرية فقط، وفي الواقع كان (كرب أيل) نائبا لهما في اليمن انذاك، ويجب عدم الخلط بين (كرب ايل وتار) هذا وبين (كرب أيل وتر) صاحب نقش النصر في صرواح لأن الأخير حكم في العصر السبئي الأول وكان ملكاً شجاعاً وتكرر هذا اللقب لأكثر من ملك وفي أكثر من عصر، وبعد موت الملك (ياسر) ودفنه في بابل وبعد نحو سنتين من وصول (ثاران) إلى مأرب قادماً من أشور توفي هو الآخر ودفن فيها فتم تمليك (كرب أيل) بصفة رسمية ، الذي يبدوا أنه نفسه (8) قيل ناعط وهو (الصامخ بن مرثد بن بكير بن نوفان) ويوجد تضارب في بعض المصادر التاريخية حيث ورد أنه زوج لميس بنت (أسعد) وهذا لا ينطبق مع الوقائع التاريخية لأن زمن (كرب أيل) يسبق زمن (أسعد) وفي تلك الفترة كان (أسعد) ما يزال طفلا، ومن المحتمل أن (كرب أيل) تزوج بابنة (ياسر) أو ثاران أيفع) على اعتباره كان نائبا لهما بينما ورد أن لميس بنت (أسعد) تزوجت بأحد أقيال همدان، في مأرب وبعد أن أسند الحكم لملك جديد هو الملك (كرب أيل وتار) أتضح أنه لا يرغب في الحرب والغزو خارج حدود سبأ (مثل مليكيكرب) فقام بمهادنة سنحريب ملك أشور الذي قام بغزو وإخضاع حلفاء سبأ من الآراميين والكلدانيين والفينيقيين ببلاد بابل والشام وغيرها، وقام (كرب أيل) بإرسال كميات من الذهب والجواهر الثمينة إلى (سنحريب) مما ساعد على قيام ثورة ضده وأنتهى عهده بتمليك (أبى كرب أسعد)) ويمكن القول أن (كرب أيل) اعتاد على قيادة الحروب الداخلية أكثر من قيادة الجيوش خارج حدود الدولة وهذا لم يكن كافيا للإبقاء على هيبة دولة سبأ والحفاظ على مصالحها التجارية الخارجية في المدن البابلية والأشورية التي فتحت سابقا وشيدت فيها القصور الكبيرة (التي تمركز فيها الملك ياسر وأدار شؤون تلك البلدان) وكان أهمها قصره الذي شيده بالقرب من قرية (خر سباد) والمسمى قصر (دور –سر-كين) كما ذكر ذلك محمد الفرح (9)، في هذه الأثناء وفي مدينة خمر حيث استقر الملك المعزول (ملكي كرب) وفي قصر موهبيل بداء البعض من الأذواء والأقيال يتوافدون عليه وهم من معارض (كرب أيل وتار) أو متضررين من تصرفاته فقصدوا ملكيكرب وحرضوه ضد (كرب أيل وتار) وأقنعوه بأنه من الأولى له أن يكون نائباً لعمه (ياسر) أثناء غيابه على الأقل والذي طال ابتعاده مع ابنه عن أرض سبأ مما أفسح المجال (لكرب أيل وتار) التمتع بكامل الصلاحية والنفوذ، وشيئاً فشيئاً بدأت رغبات (ملكيكرب) وتطلعه لاستعادة الحكم تعود إليه لما رآه من تذمر من بعض الأذواء والأقيال وعندها بدأ التفكير الجدي بالاستيلاء على مقاليد الحكم ووجد أن من الصعب العودة إلى مدينة مأرب حيث مركز الحكم ومقر (كرب أل وتار) ولكن مدينة ظفار هي المدينة المناسبة للقيام بالتحريض وقيادة التمرد واستعادة الحكم وحيث بدأت بوادر التمرد والعصيان تظهر. بعد استقرار (ملكيكرب) في مدينة خمر ونزوله في قصر موهبيل توطدت علاقته بمالك القصر حتى توجت بزواجه بابنة موهبيل (فارعة) تلك الشابة الجميلة والمشهورة بفروسيتها وشجاعتها فلم تمانع الشابة عندما تقدم بطلب يدها ضيفهم القادم من مأرب فتزوجا وأستمر زواجهما عاما واحدا قبل أن يقرر ملكيكرب الخروج إلى مدينة ظفار وقد تطلع إلى الحكم مرة أخرى خاصة وأن غياب عمه (ياسر يهنعم) وابنه (ثاران أيفع) طال والظروف أصبحت مواتية لاستعادة ملكه، وقبل خروج (ملكيكرب) من خمر كانت زوجته حامل وتنتظر مولودا فوعدها (ملكيكرب) بالعودة إليها بأسرع ما يمكن بعد أن يقضي على (كرب أيل وتار) ويستعيد الحكم منه ، وعند خروج (ملكيكرب) من خمر قاصداً مدينة ظفار ترك زوجته الشابة (فارعة) عند والدها، منتقلاً بمفرده إلى مدينة ظفار حيث أعد العدة مع مناصريه وأحدثوا ثورة في المدينة ضد (كرب أيل وتار) وأعلنوا (ملكيكرب) ملكاً شرعياً جديداً، كما ذكر د.محمد بافقيه (10) (إلى أنها حدثت ثورة في ظفار ) ولكن لم يمر وقت طويل بعد إعلان التمرد في مدينه ظفار وقبل ان يمتد خبر إعادة تمليك ( ملكيكرب ) إلى اقاليم الدولة حتى مرض وأشتد علية المرض حتى توفي فدفن في مدبنة ظفار دون ان يتمكن رؤية زوجته ووليدها في مدينة خمر ، عند ذلك تفرق مناصريه وفروا من مدينة ظفار فأستعاد (كرب إيل وتر ) السيطرة على البلاد وتعززت قوته ومكانتها وبداء ينظر الى (موهبيل ) وقصره في خمر نظرة الشك والريبة خاصة وأنه قد شارك في التمرد وشاع خبر مولود ملكيكرب الذكر من إبنه عبد ريم صاحب قصر خمر موهبيل وقد ذكر نشوان الحميري (11) (( مال ملكي كرب الى همدان وكان ينتاب ناعطا وظهرا ومدرا ورياما ،ثم خطب الى موهبيل بن عبد ريم صاحب قصر خمر ابنته ( الفارعه ) فزوجه بها وتقدم بها في قصر خمر، فأقام معها حولا وعاد الى ظفار ، فحملت غلاما اسماه ( اسعد) ، ولم يلبث ملكي كرب في ظفار إلا يسيرا حتى توفي )) . موت ( ملكيكرب ) المفاجئ في مدينه ظفار أحدث حزنا شديداً في قصر خمر عند (موهبيل) وإبنته ( فارعه) وإلى جانب ذلك الحزن خافا من إنتقام أعداء ( ملك يكرب ) وبطشهم فعمدا لإخفاء خبر المولود الذي أسمياه ( أسعد ) ولكن خبره قد إنتشر وعرف الجميع أن ملكيكرب قد رزق بمولود ذكر ويعيش في كنف جده موهبيل ، وعلى ما يبدو أن ( ملكيكرب ) كان قد تزوج من قبل وصوله خمر بإمراة أخرى أو أنه قد تزوج أثناء مكوثه في ظفار لوجود ابن شقيق لاسعد إسمه ( ذرا امر ايمن ) لم يكن له شأن مع أخيه ( أسعد ) سوى أنه كان احد قاده حيشه ومساعداً له في حروبه الخا رجيه ،بعد موت ( مكليكرب ) وولاده الطفل أسعد ومع مرور الزمن إزداد قلق ( موهبيل ) على حفيده ، فنظرت الأم الشابه إلى إبنها الصغير بحنان وعطف وأدركت أن موعد فراقها له قد حان بعدوفاه والده وإشعاله نار كانت تحت الرماد بعد ما سعى لإستعاده الحكم مرة أخرى من ( كرب إيل وتر ) ، وهذا ما حدث بعد موت ملكيكرب ودفنه في ظفار وإخماد التمرد الذي أحدثه هناك إتجهت أنظار أعدائه نحو قصر موهبيل في خمر حيث تعيش زوجته مع إبنها الصغير ( أسعد ) واضعين نصب أعينهم ما قد يسببه هذا الصغير من مشاكل مستقبليه إذا ما فكر بإستعادة إرث أبيه وأجداده خاصة وأن جده ( ياسر يهنعم ) قد استقر في بلاداشور وفضل العيش هناك حتى مات وإلى جانب إبنه ( ثاران أيفع ) الذي حضر الى مأرب ولم يمكث وجيزا حتى توفي وخلت الساحة من أي منافس قوي من سلالة ( شمر يهرعش ) (1) وهم يعفر شقيق (ملكيكرب ) وإبنه ( أسعد وذرا امر ) ، ولأبعاد الشبهات عن الفاعل جندتا امرأتان (كما ذكر محمد الفرح ( 1) وبعض المصادر ) وفي مدينة خمر بالقرب من قصر موهبيل نزلت المرأتان وبدأتا تدبرا كيفية تنفيذ المهمه وخطف أسعد والتخلص منه والحصول على المكافأة المغرية بعد تنفيذ المطلوب منهما . السنين تمر والطفل أسعد يترعرع في كنف والدته وجده ( موهبيل ) وكلما كبر قليلا كلما زاد فضوله لإستكشاف ما حوله بالرغم مما فرض عليه من رقابة تمنعه من مغادرة القصر بمفرده ، إلا أن الفضول كان هو الغالب عند الطفل فتحين الفرص متسللا خارج قصر جده لينظم إلى حلقات لعب الأطفال في محيط القصر وجد عالما جديداً لم يألفه من قبل بسبب منعه من الخروج وحيداً والتصرف بحرية تامة بعيداً عن أنظار والدته وجده فأطلق لنفسه العنان وتنقل في المدينة وتعرف على دروبها ، والشعاب المحيطه بها ، وهي تلك المدينة الصغيرة التي يمكن لطفل في التاسعه من عمره إستكشاف كل أطرافها ، وخارج القصر كانت المرأتان تراقبان وتتحينان الفرصة للإمساك به ، فواتتهما الفرصة عندما أبتعد أسعد عن قصر جده وبالقرب من جبل أهنوم استطاعتا أن تغافلاه مدعيتان بأنهما قد حضرتا لإعادته الى القصر وأن والدته وجده قد أرسلاهما لإحضاره فلم يمانع الطفل من الركوب معهما فأنطلقتا به إلى ظهر صخرة مرتفعه والقيتاه به من فوق فتكسرت عضامه وأصيب بجروح بليغة كما ذكر محمد الفرح في ( 1 ) ( ان إمرأتان إختطفته إلى جبل هنوم وهو ابن تسع سنين والقت به من فوق مركوب فسقط وتجرح بدنه ، وتهاضمت عضامه ، فوجدته إمرأة ثالثة وجعلت تمرضه حتى برئ جسمه وقويت عظامه ) ، فنظرتا الى الطفل وهو لايبدي حراكا فأعتقدتا أن الطفل قد فارق الحياة فغادرتا المكان باتجاه المدينه حيث إنتظرتا سماع الخبر والتأكد من موت الطفل أسعد ، في ذلك الحين وبالجوار منهما كانت تسكن إمرأة ثالثة في منزلها المجاور لهما وقد حاولت ان تتقرب إلى جا رتيها ولكن دون جدوى حيث فضلتا عدم الإختلاط بأحد حتى جارتيهما الفضولة بالرغم من إلحاحها المستمر والتودد إليهما ، تصرف امرأتان زاد من فضول الجارة على معرفة ما تدبرانه وقد لاحظت إهتمامهما الشديد بقصر (موهبيل ) واستمعت خلسة إلى جزء من حديثهما حول الطفل أسعد ولكن دون ان تعرف فحوى حديثهما فضلت يقظة لهما لعلها تحصل على جزء من الجائزة التي تكلمت عنها المرأتان دون ان تدرك انهما تدبران لخطفه وقتله ، وفي ذلك اليوم الذي إبتعد فيه أسعد عن قصر جده لاحظت إهتمام المرأتان الزائد بالقصر ومداخله منذ الصباح الباكر فأدركت ان الوقت قد حان وبالفعل كانت المرأتان قد لاحظتا تكرار خروج الطفل وحيدا وتسلله عبر سور القصر ليلعب في الخارج فتبعتاه حتى ظفر تابه وتمكنتا من رميه من على الجبل، وذكر نشوان الحميري (1) ( وخرج ذات يوم اسعد من قصر خمر ولا علم لهم بخروجه حتى إنتهى جبل هنوم ) ، بعد مغادره المرأتان لجبل هنوم وإعتقادهما أن أسعد قد فارق الحياه كانت جارتهما قد لاحظت ما جرى من مكان تخفت فيه جيدا وبعد تأكدها من خلو المكان تماما صوب الطفل الملقى على جانبه والدماء التي تنزف منه وكانت تعتقد هي الآخرى بأنه قد مات ، ولكن عند وصولها إليه ورفع جسمه قليلا وجدت ان تنفسه مازال مستمرا وقلبه ينبض فما كان منها إلا ان لفته بقطعه من القماش وعادت به مسرعة إلى المدينة لتتسلل من الباب الخلفي لدارها متحاشيه أي إلتقاء بالمرأتين ، وداخل دارها ضمدت جراح الطفل الذي بدأ يستفيق شيئا فشيئا مصدرا انينا خافتا ثم تعالى صراخه بسبب الألم فخافت المرأءة من ان يزداد الصراخ ويفضح امرها فنقلته الى الغرفه الخلفيه المعدة للمؤن بعيدا عن المنزل الذي تقطنه المرأتان فلم يعد يسمع له صراخ ، عندما استعاد الطفل وعية لم يطمئن إلى وجود تلك المرأة ، ولكن إحضارها له الطعام وتضميد جراحه جعلاه يشعر بالطمانينة تدريجيا مما شجعها على شرح ما جرى له وما كام من المرأتان من تصرف نحوه شارحة له بأن عليه تحمل الألم وعدم إصدار أي ضوضاء حتى تتمكن من إبلاغ جده ووالدته بما جرى له ليأخذانه الى القصر ، وبادئ ذي بدئ تتبعت أخبار المرأتان حتى تيقنت انهما يعدان العدة لمغادرة المدينة بعد ان مر على إختفاء اسعد يومان كاملان وجده ووالدته يبحثان عنه في كل ارجاء المدينة حتى يأسا من البحث عنه وفقدان الأمل في العثور عليه وشاع ان الطفل قد مات وأكلت جثته الضباع ليلا فما كان منهما إلا ان حزمتا أمتعتهما وغادرتا المدينة دون ضجة ، وحينها أخبرت المرأة اسعد بأنه سياتي يوم يكون له فيه شأن عظيم وأنه سيقتل اعدائة ووعدته بالخروج الى جده وإحضاره اليه وأخبرته بان خطر المرأتان قد تلاشى بعد مغادرتهما مدينه خمر واعتقادهما بموته ، وفي اليوم التالي عند مدخل قصر موهبيل إنتظرت المرأة خروج صاحب القصر الى السوق كعادته كل صباح وعند ولوجه عتبه مدخل القصر القت عليه التحيه وأشارت عليه بالحديث على انفراد وهمست له بالسر وطلبت منه كتمان الأمر حفاظا على حياة حفيده ، وعلى الفور تبعها إلى حيث يرقد ( أسعد ) فانحنى نحوه وضمه الى صدره وقد ترققت عيناه بالدموع وقبل ان يخرج مع حفيده ويعود إلى القصر فكر مليا عما يمكن فعله فهداه تفكيره إلى كتمان الأمر برمته والإستفاده من إعلان إختفاء أسعد للإبقاء على حياته وإبعاده عن انظار اعدائه ، فعاد مسرعا الى القصر ودخل على إبنته الحزينه وكشف لها امر إبنها وانه على قيد الحياة وأن إمرأة من نساء خمر قد أخفته وعالجت جروحه فهبت من مكانها وقد همت بالخروج إليه ، لكن والدها منعها من ذلك كاشفا لها خطته المستقبلية لإخفاء حفيده فوافقت على ذلك وفضلت الانتظار في القصر ، وبعد ان اخذت ملئ كفيها من النقود الذهبية ووضعتها في صرة من القماش طلبت من والدها إيصالها لتلك المرأة مكافأة لها على صنيعها وحتى تحفظ سر إبنها فأخذ الصرة ووضعها في جلبابه وعاد إلى حفيده وقد تحين فترة المساء للعودة به الى القصر بعد ان سلم صرة النقود الى المرأة وشكرها على ما فعلته لحفيده طالبا منها كتمان الأمر ونسيانه حفاظا على حياة الطفل . عاد الطفل الى القصر يحمله جده بين ذراعيه وقد أخفى وجهه جيدا متحاشيا ان يراه احد ، ودخل القصر استقبلته والدته بلهفة كبيرة لتخفيه في غرفتها حتى تلتئم الجروح وكسور العظام وكان يتردد عليه جده كل يوم ليطمئن علي صحته وقد إنتابه القلق من طول فترة شفاؤة لأن خطته تقضي بنقل حفيده الى مدينه ظفار بعيدا عن خمر قبل ان يكتشف احد وجوده في القصر ، وبعد شفاء اسعد تماما من الجروح وإستعادته لكامل صحته أعد الجد عدته للسفر وبعد وداع حزين بين الأم وولدها (اسعد ) كررت كلامها قائلة: - عليك بالحذر يابني واعرف من اليوم فصاعدا أن اسمك هو ( اسعد بن تبان ) ويجب عليك الا تبوح بسرك لأي كان مهما بلغت ثقتك به ، هز الصبي رأسه موافقا وعانق والدته وانطلق نحو جده الواقف بجانب الخيول المسرجه والمحمله بالمؤن ، وقبل ان يطلع الفجر كان الجد وحفيده يرافقهما إثنان من الفرسان الأشداء المختارين بعناية والغير مدركين لما دبره (موهبيل) وكلما عرفاه ان الطفل ( اسعد بن تبان ) هو حفيد احد ابناء موهبيل ويرغب في إرساله الى مدينه ظفار لتلقي العلوم والعيش فيها . الطريق المؤدي الى ظفار طويل وشاق ويستغرق المسير يومان كاملان مع اخذ إستراحات متقطعه ، وهذه ليست المرة الاولى التي يسافر فيها موهبيل بإتجاه مدينه ظفار جنوبا اومدينه مأرب شرقا فأصبح عارفا بمسالك الطريق ودربها وله معارف وأصدقاء على طول تلك الطريق فهو شخص من الوجهاء ويحظى بالإحترام اينما ذهب ،واثناء مسيره مع حفيده كان معارفه واصدقائة يقابلونه على طول الطريق ويطلبون منه التوقف عندهم للراحه وتناول الطعام معهم وفي بعض الاحيان كان يقبل بذلك ويستريح لبعض الوقت ثم يواصل سيره وعلى طول الطريق كان يلقي بقصته عن حفيده مرددا إسمه ( اسعد بن تبان ) وينسبه لأحد ابنائة قاصدا من ذلك إخفاء حقيقة حفيده ونسبه الحقيقي وما كان على الشاب البالغ عشر سنوات سوى الانصات واستيعاب الدروس من جده حتى وصلوا مشارف مدينه ظفار ودخلوها . مدينة ظفار هي العاصمة الثانية لدولة سبأ مدينة تعج بالحركة التجارية وفيها الكثير من الحرف اليدوية وتستقبل قوافل التجارة بإستمرار ، كما ان المدينة لها نشاط ثقافي كبير بعد مدينة مأرب ويقصدها الكثيرون من رواد العلم والمعرفه ومنهم الطلاب والمعلمين والكهنه ، وبعد وصول موهبيل مع حفيده الى مدينه ظفار تدبر الجد أمر الإقامة عن طريق معارفه من التجار والأذواء فاشترى منزلا متواضعا واقام الى جوار حفيده بضعه أشهر سعى خلالها الى توفير كل متطلبات الحياه والتعاقد مع معلمين أكفاء قادرين على تلقين حفيده كل انواع العلوم اللازمة وخصص لهم اوقات يتناوبون فيها على تقديم الدروس في منزلة حيث يسكن اسعد ، وبعد إطمئنانه إلى وضع حفيده وتعوده على الحياه المدنية ترك له ما يكفي من المؤن وعهد بالمال اللازم لحفيده عند احد معارفه من التجار ثم غادر مدينة ظفار عائدا الى خمر خيث تنتظره إبنته لتعرف اخبار إبنها ، وفي هذه المدينة تعلم أسعد ( الادب والشعر و الحساب والهندسه والفلك والعلوم الدينية ، وكان أهم اساتذه اسعد هو الكاهن اليمني ( شافع بن كليب الصدفي ) ومنه عرف دين التوحيد كما ذكر ذلك محمد الفرح (1) . دارت عجلة الحياة في مدينة ظفار حيث يقيم الشاب ( اسعد بن تبان ) وخلال الخمسة عشر عاما التي قضاها في المدينة استطاع ان ينهل من العلوم والمعرفة كلما هو مفيد وصالح ، فتعلم الأدب والشعر والحساب والهندسه والفلك وأجاد الكتابة بأشكالها الثلاثة المعروفة في ذلك الزمن وهي كتابة المسند والأبجدية والمسمارية واستطاع ان يصطنع المعروف إلى الاكابر من اهل ظفار وان يلفت انظارهم إليه لما يتمتع به من فطنه وذكاء وإجادة للشعر والأدب ، وخلال تلك السنين كان جده موهبيل يزوره عند نهاية كل عام تنضج المحاصيل والثمار فيحمل ما يقدر عليه من الحبوب والمؤن خلال زيارته لحفيده فيقيم في المدينة ايام وأسابيع حتى يطمئن على حفيده ويرى ما يرى فيه من نضوج وحسن خلق يفخر به أمام معارفه يغادر المدينة ويعود بالأخبار السارة إلى إبنته القابعه في قصرها في خمر دون ان تتجرأ على الذهاب ولو لمرة واحدة لرؤية إبنها في ظفار حتى لاتكشف امره هناك وتتسبب في هلاكه واكتفت بما ينقله إليها والدها من أخبار سارة فتخيلت كل خطوات إبنها وشبابه عاما بعد عام مستنده على ذكرى ملامحة التي اختزلتها عند مغادرته مدينه خمر وهو في العاشرة من عمره ، وفي احد المرات وعند عودة (موهبيل) من زيارته الأخيرة لظفار وبقلب الأم التي تخاف على مستقبل إبنها في مثل هذه السن سألت والدها : - هل حدثك اسعد عن حياته الخاصه ، وهل بدأ يفكر بالزواج ؟ - تبسم لها العجوز ورد قائلا : - - لقد أصبح شابا قويا ومحل إعجاب الجميع بمن فيهم فتيات ظفار ، وهل تريدين أن أخطب له إحداهن في المرة القادمة . - نعم أريد ذلك ولا أراك إلا فاعلا ذلك في زيارتك القادمة . تركها العجوز وهو يضحك ضحكة خافته وقد حركت في نفسه الشوق إلى رؤية اسعد وقد استقر واصبح لديه زوجه واطفال فاتخد قراره على ان يفاتح حفيده عند الزيارة القادمة . في ظفار حدث حادث هام غير من حياة اسعد حيث تعرف على الكاهن ( شافع بن كليب الصدفي ) كما ذكر ذلك محمد الفرح (1) وتتلمذ على يديه كثيرا وعرف منه تعاليم دين التوحيد (ذي سموي) وان إله المقه الذي تدين به الناس في أرض سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت هو دين الشرك والمقه لايضر ولاينفع وان هناك إله واحد وقرأ له تعاليم ذلك الدين من كتاب قديم إسمه ( زبون مزبون )دونت صحائفه على ورق من جلود الحيوان ومن خلال هذا الكاهن عرف ان في مكه بيتا عتيقا هو بيت ابونا ابراهيم الذي اقام فيه ابنه اسماعيل مع والدته هاجر ، فأثارت تلك القصة في نفس اسعد الشوق واحب ان يزور ذلك البيت في احد الايام ، كما ادرك الفتى اثناء دراسته للتاريخ ان الارض لها اربعه اركان وان ملوك سبا وذي ريدان وحضرموت ويمانت قد غزوها ووصلوها بخيولهم فاتحين منهم شمر يهرعش وياسر يهنعم )) فكان يستمع الى كل ذلك دون ان تصدر منه اي بادرة تفضح امره وهكذا تفتحت مدارك الفتى على عالم جديد وتعاليم دين التوحيد (ذي سموي) فتعلم تلك التعاليم وعلمها للآخرين فزاد ذلك من إصطناع الرجال واكتض الحشد من حوله فذاع صيته في مدينه ظفار وانتشرت قصائده وتناقلتها المجالس ، عندما حان ذهاب موهبيل في رحلته القادمة الى مدينه ظفار أخذ من المال الكثير وقد عزم الأمر على ما عزم عليه هو وإبنته وعند البلوغ لدار أسعد ورؤيته له فاتحه بالأمر وبما تراه والدته له ، وفي مثل هذاالعمر كان اسعد جاهزاً لاستقبال الخبر والقبول به وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لمفاتحة جده بذلك ولكنه سبقه القول ، وبعد محادثة قصيرة جرت بينهما كان أسعد يميل إلى إبنه احد الوجهاء في المدينه وهو من معارف جده ومقرب منه وكثير ما أستضاف أسعد في داره وأختلط بأولاده منذ قدومه الى المدينه وقضى معهم أفضل أوقاته وحظى بصداقتهم ، فما كان من الجد إلا ان سارع وطلب يد الفتاة لحفيده وحدد موعد الزفاف مع أهل العروس ولم تمر أسابيع قليلة حتى أقيم الإحتفال وزفت العروسة الى دار أسعد ، ولكن مع هذا الفرح كانت علامات الحزن بادية على وجهي أسعد وجده موهبيل والسبب يعود الى ان الزفاف يتم بعيداً عن الأم المنتظرة بعيدا في قصر خمر ، وبعد الإنتهاء من مراسيم الزفاف ودع موهبيل العريس والعروسه وطار بالخبر الى إبنته ففرحت لذلك كثيرا وانتظرت لعلها ترى إبنها وزوجته وإلى جانبهما الاحفاد ، ومن حينها تباعدت زيارات الجد ورحلاته لمدينه ظفار ، وتحولت مرة واحده نهاية كل عامين لأن اسعد اصبح رجلايعتمد على نفسه وأصبحت له تجارته الخاصة ومن حوله يلتفت الرجال وأصبح معلما بدلا من أن كان تلميذا يدعى في المناسبات ليسمع منه الناس مقتطفات من شعره وأدبة ويسمعون منه مدارك الفلك والنجوم وعلم الهندسة فأصبح معلما وله شأن ، والأهم من ذلك ما كان يشرحه من علوم دين التوحيد والإلة الواحد ( ذي سموي ) وكما ذكر محمد الفرح (1) ( وكان يصطنع الرجال بدعوتهم الى دين التوحيد الحنيف والى افكاره السياسية ، فلما اكثر من الناس مساعده واستجاب له أكابر ظفار ثأر أسعد وإياهم بظفار ) وخلال تلك الفترة رزق بمولودين أسماهما حسان وشرحبيل .وفي مدينة مأرب لم يتغير شئ حتى الآن حيث كان (كرب إيل وتر ) هو الملك المسيطر وله تخضع دولة سبا وذي ريدان وحضرموت ويمانت والى الشمال والشرق كانت تسير القوافل التجاريه حيث تؤمن لها الجيوش بقيادة الملك ( ياسر يهنعم ) وإبنه ( ثاران ) الحركه والتنقل وكان على الملك (كرب يل وتر ) تأمين الملاحة البحرية والطرق التجارية أمام السواحل المواجهه (لأكسوم ) وأفريقيا والسواحل للهند وقد ذكر محمد الفرح (1) ( أن كرب ايل وتر كانت رغبته هي تأمين مصالح سبأ التجارية وبدون حرب ويدل ذلك على أنه كان ملكا ضعيفا مسالما ) ، وهذا أمر سهل لم يتطلب أي جهد كبير من (كرب ايل وتر) مقارنه بما كان يقوم به ياسر يهنعم وجيوشه في بلاد بابل واشور والشام ومصر والمغرب ، وبعد مضي سته وثلاثون عاما من تولي (ياسر يهنعم ) سدة الحكم لدولة سبأ والبلدان التي افتتحها توفي ودفن في قصره (دور سركين) في أشور بعد حياة بطولية حافلة بالأنتصارات ظن وبعد ان وجد إبنه ثاران ايفع نفسه وحيدا في بلاد بابل وآشور أحب ان يعود إلى وطنه الأصلي بلاد سبا وكما ورد في (1) ((( فلما مات الملك ياسر كان معه ثاران ايفع فدفنه في قبه قصره في بلاد اشور ثم مات ثاران ايفع بعد نحو سنتين فتم تمليك (كرب ايل ) وقبل ذلك كان ثارن ايفع في مأرب قد عاد الى مدينة مأرب واستعد الحكم من نائبهم كرب ايل وتر ، وكما ذكرنا سابقا ان وجود الملك ثاران ايفع في مأرب لم يحد من سلطه كرب ايل وتر الذي تمرس عليها طويلا وجمع حوله الرجال اثناء غياب الملك ياسريهنعم وإبنه ولكن خوفه من نقمه الأقيال وثاران ايفع العائد من اشور جعله يسلم دفه الحكم طوعا ولكن وبعد مرور عامان كما اسلفنا على قدوم ثاران ايفع وإستقراره في ارض سبا توفي ودفن في مدينه مارب فتم تمليك (كرب ايل وتر ) بمباركه الأقيال الثمانون وغياب أي منافس قوي من أسرة (شمر يهرعش ) ،وقبل ذلك وبعد وفاة الملك ثاران ايفع لبلاد بابل واشور وبعد وفاة الملك الجسور (ياسر كون ) أستعادت بعض القبائل والمماليك أنفاسها وبدأت تصنع لها تاريخا جديدا واتجهت أنظارها مجددا نحو الطرق التجارية وفرض الهيبة والسطوة عليها وبدأت معالم التهديد تصل إلى مدينه مأرب وأرض سبأ وعادت بعض القوافل وقد نهبت من حمولتها وحملت برسائل والوعيد لانه كما ذكر د . عدنان ترسيسي (1) ( كانت معان ومنطقة الفرات السفلى بحوزة سبأ وقد هددها (تجلات بلايرز) ملك اشور ، وهكذ ا هددت المصالح التجارية لسبا وذي ريدان وحضرموت ويمانت وتوقفت القوافل عن الترحال والحركه وضاق الحال بالتجار واصاب الكساد تجارة البخور وصناع الحرف وتوقفت حركه الملاحه البحرية التجارية القادمه الى ميناء قنا ء وانتظرالجميع تحرك الملك (كرب ايل وتر) وما يتوجب عليه عمله في مثل هذه الظروف وتذكروا عهدهم بملوكهم السابقين وشجاعتهم مثل (ياسر يهنعم ) ، ولكن الملك الجديد كان عاجزا عن التحرك والخروج مع الجيوش فلقد اعتاد على الهدوء والسكينةوالتحرك فقط داخل دولة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانت وليست لديه الثقة للقيام بغزوات خارجية فلجأ إلى أسلوب المهادنه فأرسل كمية كبيرة من الذهب والجواهر إلى ملك اشور أملا أن تحفظ تلك المجوهرات والذهب مصالح الدولة التجارية وتعيد الأمان للطرق التجارية ، ولكن هذا التصرف اظهر الملك أمام شعبه وأعدائه بالعجز فهذا ليس عهدهم بملوك سبأ فما كانوا يرسلوه الى بابل واشور هي الجيوش الجرارة ويغنمون الذهب والجواهر ويعيدوها الى أرض سبا وليس العكس ، وعند وصول الذهب والجواهر الى ملك أشور طالب بالمزيد وزاد من همجيته في مهاجمةالقوافل واعتبر أن ذلك موقف خنوع وتودد من ملك سبأ رتو فأراد ان يمد نفوذه على طول خط سير القوافل وصولا الى موانئ التحميل ولوكانت داخل دولة سبأ ، وهذا الواقع الجديد زاد من تعطيل المصالح التجاريه لدولة سبأ وزاد من قناعه الأذواء والأقيال والتجار بأن ما قام به (كرب يل وتر ) ليس حكيما ولايليق بملك سبئ ، وكما ذكر محمد الفر ح(1) (( فظهرت بوادر تمرد وعصيان في مدينه ظفار )) وذكر د. محمد بافقيه (2) (الى ان ثورة حدثت بمدينه ظفار وهي ثورة أسعد ) وكان ذلك التمرد في مدينه ظفار واشتدت وطأتها شيئا فشيئا فسارع (كرب ايل وتر ) الى مدينه ظفار قادما من مأرب لعله يخمد ذلك التمرد ، ولكن كان قد فات الأوان فعاد مسرعا الى مأرب وقد خاف على نفسه وحمد إله (المقه ) على نجاته هو ومن معه وكان ذلك بعد مرور عشر أعوام على وفاة الملك (ثاران ) ولم تمر سوى أيام قليلة حتى إنتشر التمرد وكان قائد التمرد شاب عمره خمسة وعشرين عاما هو(اسعد بن تيان )،وعند بلوغ خبر التمرد الى خمر سارع جده ووالدته بالسفر الى ظفار قادمين من خمر ليشهروا إسمه الحقيقي وانه ابن (ملكيكرب) وان جده هو (ياسر يهنعم ) فالتفت جموع سبأ حوله واتسع التمرد والثورة حتى وصلت مدينه مارب حيث يتواجد (كرب ايل وتر ) على التنازل عن الحكم على ان يحفظوا له حياته فما كان منه ألا ان قبل بذلك فدخلها أسعد يهنعم ملكا جديدا منتصرا وقد إلتفت حوله الأقاليم ورجالات الدولة لما تسمعه عنه من شجاعه وخلق وأدب ودعوته الى دين التوحيد (ذي سموي) فانضوت كل أرض (سبا وذي ريدان وحضرموت ويمانت وتهامت ) تحت ملوكيته وانضم إليه أخيه (ذرا امر ايمن ) مؤازرا ومناصرا له في حكمه وتحركته وكذلك عمه (يعفر) . وفي هذه الاثناء كان أولاده شرحبيل واسعد وإبنته لميس يشبا وتشرف على تربيتهم والدته وجده موهبيل وكأبناء الملوك حظيوا بتعليم متكامل شمل كل أنواع المعارف واولها تعلم (فنون) القتال ، ولم تستمر الإحتفالات كثيرا بعد إستلام الملك الجديد لسدة الحكم ودخوله مدينه مارب وعلى الفور انصرف الى ما هو أهم من ذلك بكثير والذي بسببه قام هذا التمرد وأوصله الى الحكم وكان مدركا لما ينتظرة منه الأقيال والعامة من تأمين مصالحهم التجارية ،ومن مدينه مأرب إتجه الى كل اقاليم الدولة حيث اقام المعسكرات لتجميع الرجال وتدريبهم وعين القاده وأثناء تنقلاته تلك لم ينس ان يدعو الى دين التوحيد (ذي سموي) حتى إنضوت كل اقاليم الدولة تحت تعاليم تلك الديانه التوحيديه وأثناء زياراته تلك وضع هدفا رئيسيا أمامه وهو تعزيز قوة الدولة في كل الاقاليم وجمع الرجال والعتاد لحروبه القادمة محددا مكانا لتجميع القوات والعتاد في وادي (ماسل الجمح ) على طريق القوافل المؤدي الى أشور وبابل ونشر الديانه التوحيدية في عموم دولته ، واشار بيتر وفسكي (1) الى ذلك الحدث (( ظهرت النصوص التوحيدية في نقوش تعود الى عهد أسعد فبدلا من التوجه الى الالهه الوثنية –اي الالهه المتعدده – نجد توجها نحو اله واحد ......[c1]* يتبع غداً[/c]