صدر عن المجلس الوطني للثقافة والآداب في دولة الكويت، كتاب مجاني ملحق لسلسلة عالم المعرفة العدد “357” نوفمبر 2008م ويتضمن الكتاب الجزء الأول من أعمال ندوة (الراوية العربية .. ممكنات السرد) التي أقامها المجلس من 11 إلى 13 ديسمبر 2004م في مستهل فعاليات مهرجان القرين الثقافي الحادي عشر.وتكمن أهمية الندوة في المستوى الرفيع للمشاركين وتعدد مدارسهم ومذاهبهم الفنية والأدبية بحسب قول أمين عام المجلس بدر سيد عبدالوهاب الرفاعي في تقديمه للكتاب.والمسهمون بأرواق الندوة د. محمد برادة، الرواية العربية بين المحلية د. مرسل العجمي، تجليات الخطاب السردي “الرواية الكويتية” نموذجاً 21، د. صلاح فضل، التجريب في الإبداع الروائي ود. جابر عصفور ابتداء زمن الرواية ود. جهاد نفيسة، الرواية والسرود السمعية والبصرية ود. روجر آلن، الرواية العربية والترجمة.بدأ المغربي محمد براده بالاشتغال على إشكالية المحلية والعالمية برفضه الأسئلة الجاهزة التي طغت على الحوارات والمقابلات الأدبية طيلة النصف الثاني للقرن الماضي، والتي كانت تستدعي أجوبة “جاهزة” تؤكد “أن كل عالمية تمر بالضرورة من المحلية”.وذكر مشروع المفكر الألماني “جوته” بوصفه أهم من روّج لـ “الأدب العالمي” للنهوض بالأمة الألمانية، ولو أن مشروع “جوته” لم ينج من شوائب الاستخدام الايدلوجي .. الخ.ويخلص الباحث إلى أن كتاب أدوارد سعيد “الثقافة الامبريالية” يتوفر على تحليلات ثقافية تظهر أن الكثير من الروايات العالمية التي يتمتع اصحابها بمواهب فنية ورؤية تنبئية كانت في الوقت نفسه تخدم امبريالية تشتد مصالح المهيمنين على مصائر الشعوب المستضعفة.ويعزو براوده مصدر الإشكال في المعادلة السارية “العالمية والمحلية” في تقويمات النقد العربي لعلاقتنا بالأدب العالمي، هو الارتكان إلى نوع من التعميم والتجريد .. الخ بينما الأمر لايتعلق فيما يخص العالمية، بالموهبة أو احترام الخصوصية كي يرقى العمل إلى العالمية فمثل هذا التصور يتجاهل ويلغي ترسانة الأجهزة والمحافل والأسواق الكامنة وراء بلورة شروط العالمية وشروط ترقية الإبداعات المنجزة في الثقافات المختلفة.وتحت عنوان “الرواية العربية ومنجزات الرواية الكونية” أكد اقتران ميلاد الرواية بالتبدلات التي شهدتها أوروبا منذ القرن السابع عشر، بصرف النظر عن حرصنا على إيجاد أصول للرواية في التراث السردي العربي.ثم تعرض للترجمة ودورها في توطيد المثاقفة، بصرف النظر عن غياب التخطيط والتنسيق، وطغيان “التجاري” و”الطليعي”.وأشار إلى أن “نقد الرواية ونظرياتها” مثمناً دور النقد في نقل النص الروائي من حيز المتعة والتسلية إلى نطاق الحوار الثقافي داخل المجتمع، إضافة إلى إسهامه إلى جانب ترجمة في التعريف بنظريات الرواية وبالتنظيرات المختلفة التي افرزتها ساحة النقد العالمي .. مشيراً إلى أن بعض النقد لم يكن سوى اسقاطات جاهزة لاتمت بصلة إلى النص.وعلى الرغم من هزيمة 1967م، وانهيار الآمال، فقد سلكت الرواية العربية طريقاً قادها إلى ملامسة الأبعاد الكونية بدرجات متفاوتة، فسرعان ما بدأ الشكل الروائي يضطلع بدور المرايا العاكسة للتحولات المتلاحقة، وصياغتها روائياً في نصوص تتحدى الرقابة وتطهر به سدنة المعابد، وفي هذا الاتجاه ظهرت روايات مثل “السراب” لنجيب محفوظ و”الحي اللاتيني” لسهيل أدريس .. الخ.كما استطاعت الرواية العربية أن تمد جسوراً وطيدة مع الرواية في ابعادها الكونية، لأنها ارتادت مناطق الكلام الممنوع، وتوغلت في انتاج خطاب مركب يمتح من المعيشي والمحلوم به، واندفعت الرواية العربية لتسترد الأصوات التي سرقتها قوى القمع والكبح، لتوسع معجم الاحتجاج والرفض والمكاشفة.وناقش براده إشكالية تقديس اللغة العربية واثره في عدم مواكبة اللغة العربية للتطور بحجة صون قداسة لغة القرآن، والحفاظ على “نقائها” .. مشيراً من جهة اخرى إلى عدم انتشار اللغة العربية دولياً، وعدم الاعتراف بها في “السوق العالمية” للثقافة وهذا مايقف عقبة امام “تدويل” الرواية العربية في حين نجد أن الروائيين العرب الذين يكتبون بلغة أجنبية، سرعان ما تحظى نصوصهم بالاهتمام والذيوع، لأنها تستفيد من البنيات التحتية للنشر والتوزيع والتلقي، ومن مناخ حرية التعبير الذي يتيح للروائي الذهاب إلى أقاصي تجربته الفنية.وتابع الباحث تطور البناء الفني للرواية العربية، بوصفها روايات الحياة العربية طوال نصف قرن من التاريخ المعاق، واستحضار للقيم البديلة المتولدة في أتون مقاومة الانحراف والتسلط. ووقف د. مرسل العجمي في البحث الثاني، الموسوم “تجليات الخطاب السردي: الرواية الكويتية نموذجاً” أمام قضايا ثلاث من قضايا تجليات الخطاب السردي هما العلاقة بين الواقع الحكائي والمتخيل الخطابي، والثانية “عتبة النص” حيث بحث “انماط العنونة، والوقفة الثالثة تتعلق بـ “الصوت السردي في داخل النص”.ويتكون النص السردي من: الحكاية والخطاب، بصرف النظر عن أن كل منهما يحيل على مرجعية مختلفة، فالمحور الأول محور الحكاية يحيل على الواقع الحكائي بمرجعياته المختلفة. والمحور الثاني محور الخطاب الذي يحيل على الكتابة الروائية.هذا، وأشار الباحث إلى أن مرجعيات الواقع الحكائي المختلفة في المدونة الروائية الكويتية يمكن تحديدها في ما يلي: مرجعية الواقع الاجتماعي المعاصر الذي يناظر أو “يحاكي” مجتمع كويت ما بعد النفط، مرجعية الحنين إلى الماضي، مرجعية الخيال العلمي التي تتخذ من المعطيات العلمية السائدة أو المتوقعة مرجعاً وموضوعاً لعالمها الروائي، مرجعية تاريخية، أي اتخاذ حدث تاريخي ما موضوعها الرئيسي ومرجعهـــا الحكائي .. الخ.وبوصف “العنوان” أي عتبة النص، أحد تجليات الخطاب السردي التي يقابلها القارئ قبل أن يشرع في قراءة النص، باعتبار أن وظيفة العنوان الأساسية هي التحديد والتسمية، فإن دلالته تؤسس بصفته دالاً يكتمل بمولوله، أو أفقاً بفتح المجال أمام توقع القارئ، أو علامة ناجزة.واسوأ العناوين ـ في الكتابة الفنية ـ هو الذي يأتي علامة ناجزة، لأنه يلغي الاحتمالين الأخرين، ولأنه بهذا الالغاء يهمش دور القارئ في عملية إعادة إنتاج النص وتأويل دلالته النهائية.وقد ظهرت الرواية الكويتية أنماط مختلفة من العناوين، فهناك العنوان المباشر الذي يمثل علامة ناجزة، ونمط العنوان غير المباشر ونمط العنوان المكوّن أي الذي ينهض بدور مهم في تكوين بعض عناصر العالم الروائي، وأخيراً نمط العنوان العرضين وهو كذلك لأنه لايعتمد على تأويل القارئ في تأسيس دلالته، وليس له علامة تكوينية بالمتن الروائي، وانما جاء بصورة عرضية.[c1]الصوت السارد[/c]وهو الصوت السردي داخل النص، والسارد هو صاحب الصوت الذي نسمعه في الرواية، ويتكفل بتقديم الحكاية إلى مخاطب سردي أو قارئ مفترض، وينبغي التوكيد على أن السارد ليس شخصية فعلية لها وجود حقيقي، وانما هو فاعل لغوي، وبنية سردية تعبر عن نفسها من خلال اللغة التي تؤسس النص.ومهما حاول السارد أن يخفي صوته كي يوهم القارئ بواقعية الحكاية أو حيادية النظرة أو آنية الأحداث، فإن ثمة علامات في النص تشير إلى صاحب هذا الصوت على رغم محاولة التخفي.وبصرف النظر عن أنماط السارد “ من جهة الحضور والغياب” فهناك سارد صادق وسارد يشك في صدقه، وهناك سارد متورط شخصياً في السرد ..الخ.[c1]ابتداء زمن المنهجية..[/c] ملاحظات منهجية:سلمت بل وألحت الكثير من الكتابات التي جاءت بعد 1960م سنة صدور كتاب يحيى حقي “فجر القصة المصرية” على أن زمن الرواية العربية بدأ في القرن العشرين، مع رواية “زينب” لهيكل التي صدرت سنة 1913م. ويذكر جابر عصفور في البحث الموسوم “ابتداء زمن الرواية: ملاحظات منهجية” أن كتاب يحيى حقي المشار إليه، تحول إلى فجر للقصة العربية عند كثيرين وأعلن رفضه لذلك، مشيراً إلى أن زمن الرواية العربية زمن ممتد، يبدأ من حيث تكتمل الملامح الأساسية للمدينة الحديثة بكل ما تنطوي عليه من تعدد في الأجناس واللغات، وما تؤكده من تباين بين الطبقات التي تصعد على سلمها الطبقة الوسطى ناهضة، واعدة، نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المقترنة ببداية التصنيع واتساع أفق التعلم المدني وظهور وسائل الاتصال الحديثة المقترنة بالمطبعة،: الكتاب والصحيفة والمجلة.ومعنى ذلك أن زمن الرواية العربية يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.وهذا التغير والتحول الذي شهدته المدينة العربية، خلق ابداع متمايز من الهموم والمطامح والمشكلات التي ما كان من الممكن صياغتها ابداعياً في الشعر، فكانت الرواية هي المعادل الإبداعي الذي تولى تجسيد دوامات هذا التغير.وهكذا، اصبح فن الرواية في الفئات الطالعة للافندية الذين جاوزوا بوعيهم المديني المحدث شروط الضرورة لمجتمعاتهم.ويخلص جابر عصفور إلى أن ميلاد الرواية العربية، كانت نتاج تفاعل بين الموروث والوافد، بين السرديات التراثية والأشكال الروائية العربية.وذلك يعني، ان فن الرواية ليس فناً وافداً،كما كان شائعاً، ان العرب عرفوا فن الرواية مع نهضتهم الحديثة التي بدأت باتصالهم بالحضارة الغربية .. الخ.يضيف “جابر عصفور، قائلاً: “ولنتذكر أن الرواية العربية تولدت ـ في ابتداء زمنها ـ احتجاجاً على شروط الضرورة التي وجد أبناء الطبقة الوسطى انها تحيط بهم، وانها ستظل تحول بينهم وبين مطامح التقدم التي شغلوا بها، وعملوا على تحقيقها.[c1]الرواية العربية والترجمة[/c]من المسلم به “أن البحث الجيد، هو الذي يفجر من الاسئلة أكثر مما يقدم من الأجوبة” وقد فجر أستاذ اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا والباحث والمترجم الانجليزي روجر الن في بحثه عن “الرواية العربية والترجمة” جملة من الأسئلة تعلق بترجمة الرواية العربية وكيف ستتم عملية اختيار النصوص الجديرة بالترجمة؟ ومن هم المسؤولون عن هذه العملية؟ وهل يجب اختيار نصوص تنوب عن الأقطار العربية كلها؟ وهل هذا هدف ممكن ومرغوب فيه أو من ينشر الروايات العربية المترجمة؟ ومن يقرأ الروايات العربية المترجمة. ومن يهتم بهذا الموضوع؟ وهل هناك مؤسسات عربية من الممكن أن يطلب منها المشاركة في مثل هذه المبادرة؟وأشار الباحث إلى المسار التاريخي لتطور الترجمة ودورها، ليس في تاريخ تطور أنواع السرد العربية، فحسب، بل كذلك في مجال العلاقات بين العالم الإسلامي العربي والغرب و”الشرق” مؤكداً على أن الترجمة كانت، ولاتزال عاملاً مركزياً في تطور الاساليب الأدبية النثرية.هذا، ورصد الباحث حركة الترجمة منذ ترجمة أبن المقفع، كليلة ودمنة” الهندية الأصل، بوصفها من أهم الآثار السردية في تطور التراث النثري العربي، ثم حركة الترجمة في العصر العباسي وتأسيس “بيت الحكمة” لهذا الغرض في عاصمة الخلافة بغداد.وفي الاتجاه المعاكس أي نقل العلوم من الشرق إلى الغرب، اصبحت مدينة طليطلة الاندلسية مركزاً مهماً جداً في مشروع ترجمة ذخائر الشرق الإسلامية والعتيقة إلى اللغة اللاتينية، ويذكر الباحث أنه من المثير للاهتمام أن ترجمة أبن المقفع “كليلة ودمنة” كانت من أول ما ترجم إلى اللغة اللاتينية في الاندلس.ويرى روجر آلن، أن عملية الترجمة ليست مشروع نقل نص مكتوب في لغة واحدة إلى لغة ثانية فحسب، بل تشمل كذلك مشروعاً أكبر وأوسع هو إدخال أنواع أدبية من حضارة واحدة في حضارة أخرى مؤكداً في هذا السياق على أهمية الاخذ في الاعتبار دور السيطرة الثقافية.ويخلص الباحث مما سبق إلى القول بتأثر التراث السردي في الغرب تأثراً عظيماً بالنصوص المترجمة من أمثلة السرد العربي المتنوعة في العصر ما قبل القرن التاسع عشر، وتأثر كذلك الأدباء والمترجمون العرب بالروايات الغربية، والنصوص السردية الاخرى أثناء إعادة اكتشافهم للثقافة الأوروبية في القرن التاسع عشر، ولكننا والقول للباحث ـ نحتاج الآن إلى إعادة تقييم الأدوار النسبية لطرق هذين الاتجاهين الثقافيين.وفي مقارنته لرواية العربية ومصادرها ومراحل تطور الأنواع الأدبية الحديثة وبداية الروائية وعلاقتها بالرواية الغربية ودور الترجمة .. الخ يكاد يقترب في مقارنته لهذه الاشكاليات مما ورد في بحث جابر عصفور السابق تناوله.[c1]التجريب في الإبداع الروائي[/c]اشتغل د. صلاح فضل أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن في بحثه الموسوم “التجريب في الإبداع الروائي” على العناوين الآتية: تجريب العوالم الجديدة، الأسطوري والسياسي، عالم الشطار والنساء، تجريب التقنيات السردية، الواقع الافتراضي والكوني، تجريب المستويات اللغوية.واستهل دراسته مشيراً إلى أن “تجريب قرين الإبداع، بوصفه ابتكار طرائق وأساليب جديدة، في انماط التعبير الفني المختلفة، وهو كذلك ـ التجريب ـ جوهر الإبداع وحقيقته عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل.وبحسب الباحث يعد فن الرواية في جملته تجريبي في الثقافة العربية على وجه الخصوص، لتداخله مع أنواع أخرى من السرد “التاريخي والشعبي، والديني والعجائبي”.ويأتي اختيار موضوع التجريب في الإبداع الروائي، من قبل الباحث والناقد بوصف أن “الرواية هي كبرى تجارب الإبداع العربي في العصور الحديثة، وصانعه الوعي التاريخي بمسيرته، وأكبر مظهر لاشتباكاته الخلاقة بحركة الوجود.وتتمحور مفاصل التجريب الروائي في ثلاث دوائر هي: 1) ابتكار عوالم متخيلة جديدة لاتعرفها الحياة العادية.2) توظيف تقنيات فنية محدثة لم يسبق استخدامها في هذا النوع الأدبي.3) اكتشاف مستويات لغوية في التعبير تتجاوز المألوف في الإبداع السائد.ومن المفيد الإشارة إلى أن د. صلاح فضل اكتفى بإشارات وجيزة لابرز ملامح التيار التجريبي خلال العقود الثلاثة الماضية، مؤكداً بل معترفاً “ان هذا الاختيار محكوم بعوامل شخصية وموضوعية.[c1]الرواية السردية السمعية والبصرية[/c] الرواية والسينما .. مسارات نقدية:أثار د. جهاد عطا نفيسه “كلية الآداب جامعة تشرين، سوريا” في بحثه عن “الرواية والسرود السمعية والبصرية ..” اسئلة عديدة يمكن عدّها تأسيس لنقد سينمائي متخصص يفتقر إلى المشهد الأدبي والنقد العربي.ولذلك يعد بحث د. جهاد بتعدد عناوينه التفصيلية ومكارباته وذلك القدر المطلوب والمرغوب دائماً في كل بحث من التركيز والاحكام، محاولة لاستشراف أفق لجمالية مقارنة بين الرواية والسينما، ونقاط الاتفاق والاختلاف بين الفن الروائي والفن السينمائي، ومدى التأثيرات والاستلهمات المتبادلة بينهما.واقل ما يمكن قوله في ختام هذه الاطلالة المقتضبة على كتاب “الرواية العربية .. ممكنات السرد” ببحوثه الستة، التي تفاديت الإشارة إلى التعقيبات عليها، هو أنها ـ البحوث ـ جديرة ـ حقاً ـ بالقراءة من لدن المختصين والمهتمين بالإبداع الروائي العربي وانجازاته العظيمة، وكذلك المهتمين بالنقد الروائي الذي يبدو لي أنه اكتمل إلى حد كبير.
أخبار متعلقة