محمد زكريامن الأسواق الهامة في عدن التي لم تذكرها المصادر التاريخية التقليدية المكتوبة والتي كانت في يوم من الأيام من أشهر الأسواق بل ومن أخطرها . كانت مركزاً لتصدير الأسلحة المختلفة والمتنوعة المعروفة في تاريخ العصور الوسطى حينئذ لغالبية المدن اليمنية أو بالأحرى للحكام والأمراء والملوك الذين كانوا يسعون لتقوية نفوذهم ، وإرهاب خصومهم السياسيين أو الطامحين والطامعين في مُلكهم . وإذا ما ضعفت شوكة وهيبة الدولة المركزية في اليمن ، وتفتت إلى كيانات سياسية صغيرة أو إلى ((أقزام)) . وتناحر الأمراء ، والحكام ودخلوا في دوامة الحروب فيما بينهم بغرض الجلوس على سرير مُلك اليمن. رأينا ازدهار سوق السلاح في عدن وغيره من أسواق السلاح في اليمن ، بسب ازدياد الطلب على الأسلحة المتنوعة من سيوف ، وسهام ، ورماح ، ودروع وما شابه ذلك ، ولكن على حساب شقاء وبؤس الناس البسطاء الذين يدفعون من عرقهم وتعبهم الإتاوات ، والجبايات ، والضرائب للأُمراء والحكام الذين يعيشون في برج عاجي ويعيثون في البلاد الفساد . ويحسن بنا ألاَّ نخرج عن الحديث عن تاريخ سوق السلاح في عدن . [c1] نشأة سوق السلاح [/c] والسؤال الذي يطل برأسه أين يقع سوق السلاح في خريطة ثغر عدن التاريخية ؟. والحقيقة أنه من الصعب الإجابة على ذلك السؤال بسبب عدم وفرة المصادر التي في حوزتنا والتي في إمكانها أن تقودنا إلى الخيوط الأولى للوصول إلى أقرب نقطة من الحقيقة . ولكن من المحتمل أن سوق السلاح في عدن كان سوقاً قديماً ، ولكنه لم يحتل شهرته الواسعة في اليمن إلاَّ في عهد حكم بني زريع الذين انسلخوا عن الدولة الصليحية نهائياً في سنة ( 532 - 569هـ / 1137 - 1173م ) والذين حكموا عدن أكثر من ثلاثين عاماً . ولقد كان بنو زريع من عمال الدولة الصليحية وعندما ترنحت الدولة بسبب العواصف والرياح السياسية الشديدة التي هبت عليها من كل مكان ، وأخذت سفينتها تغرق شيئاً فشيئاً في بحر متلاطم الأمواج حتى استقرت في قيعانه واختفت عن المشهد السياسي في اليمن . فوجد أمراء بني زريع أن الفرصة قد صارت سانحة لينقضوا على ممتلكات الدولة الصليحية وأهمها وأغلاها عدن ليقيموا فيها إمارة مستقلة وحتى يكتسب حكمهم الشرعية في حكمها. فقد أقاموا علاقة وثيقة مع الدولة الفاطمية في مصر مستغلين الخلاف الحاد الذي نشب بين السيدة أروى بنت أحمد الصليحي المتوفاة سنة ( 532هـ / 1138م ) والخليفة الحافظ الفاطمي الذي جلس على كرسي الحكم بدلاً من الطيب . ولقد رأت السيدة الصليحية أن ذلك العمل من جانب الحافظ اغتصابًا للحقوق الشرعية (( الطيب )) الذي من المفروض أن يجلس على كرسي الحكم قبله ، وأن ذلك اختراقاً خطيراً لمبادئ وتراث الخلافة الفاطمية في الحكم . مما دفع السيدة الصليحية أن تدعو إلى الطيب في اليمن والهند وتترك أمر الدعوة للخليفة الحافظ لبني زريع. [c1] الاستقرار السياسي[/c] وكان من نتائج انسلاخ بني زريع عن جسم الدولة الصليحية ، أن صارت لهم الكلمة العُليا في الحكم ، وصاروا الحكام الفعليين بعد أن كانوا تابعينلها . والحقيقة أن أمراء بني زريع كانوا يتحلون بالحكمة الهادئة ، والنظرة السياسية البعيدة ، والرؤية الثاقبة ، ونستطيع أن نطلق عليهم أنهم كانوا ساسة من الطراز الأول أو من رجال الدولة الكبار. فقد اهتموا اهتمامًا بالغًا ببسط الأمن والأمان ، ونشر الاستقرار السياسي في إمارة عدن . ووضعوا نصب أعينهم كسب ود وحُب وثقة أهل عدن وذلك من خلال إظهار احترامهم الكبير لمذهبهم السُني . علمًا أن بني زريع ينتمون إلى المذهب الشيعي الرسمي للدولة الفاطمية في مصر وهو الإمامية (( الاثنا عشرية)) . وقربوا إليهم أيضاً الطُرق الصوفية المنتشرة في المدينة ، ولم يتدخلوا في شؤونها . بل أظهروا توقيرهم العميق لهم ، وكانوا دائما مع اتصال بشيوخها الكبار ، إدراكًا منهم أي بني زريع بأن هؤلاء المشايخ لهم رأي مسموع بين مريديهم ، وأتباعهم ، ومحبيهم من أهل عدن . فكان الغرض من تلك السياسة التي أتبعها أمراء بني زريع في أهل عدن هو استتباب الأمن ، ونشر رداء الاستقرار السياسي في المدينة من ناحية وتثبيت أقدامهم في إمارة عدن من ناحية أُخرى. [c1] النشاط الاقتصادي[/c] و الاستقرار السياسي معناه الازدهار في الحياة الاقتصادية . ولذلك شهد ميناء عدن في حكم بني زريع حركة ونشاط تجاري كبيرين . وهذا ما أكده الدكتور محمد الشمري حول ازدهار ميناء عدن الذي طبقت شهرته الآفاق ، وصار مركز جذبًا تجاريًا لتجار الشرق والغرب القادمين من الهند ، والصين ، وبلاد فارس ، ومصر، فيقول : " وقد تمتعت عدن في عهدهم بمركز تجاري مهم بين الشرق والغرب ، مما أثار حقد واستياء ملك جزيرة قيس ( كيش ) - الواقعة في بحر عُمان - التي أخذ دورها التجاري بالاضمحلال ، بسبب تحول التجار عنها إلى ميناء عدن ، وقام ملك كيش بمحاولة لغزو عدن إلاّ أنها باءت بالفشل الذريع ". [c1] بنو زريع وبناء الجيش[/c] وكان من الطبيعي أن ذلك الازدهار الاقتصادي التي شهدته عدن سببه الاستقرار السياسي - كما قلنا سابقًا . فقد تمكن أمراء بني زريع أن يحموا حدود إمارتهم المستقلة من الطامحين والطامعين بهم والقضاء على كل ما يعكر صفو أمن الحياة في الإمارة فمن نتائج ذلك أن " جُلب كثير من التجار ؛ للعمل في المجال التجاري لهذه المدينة فدخلها وتوطنها الكثير من التجار وأصحاب الأعمال من العراق ومصر والهند والصومال وغيرها ". وكان من الطبيعي من أجل الحفاظ على ذلك الأمن والاستقرار السياسي ، والانتعاش الاقتصادي ، وتثبيت أقدام أمراء بني زريع في عدن هو بناء جيش قوي مسلح بكافة الأسلحة الفتاكة المعروفة حينئذ ، فتصير إمارة عدن مرهوبة الجانب في عيون أعدائها. وكان من الطبيعي أن تحتل صناعة الأسلحة مساحة واسعة في تفكير حكام بني زريع . والحقيقة أن الدول التي تعاقبت على حكم اليمن وعدن كانت تبذل قصار جهدها في تقوية جيشها ليكون لها درعها الواقي ضد أعدائها من ناحية وتحقق أيضاً أغراضها التوسعية من ناحية أخرىَ . وعلى سبيل المثال الدولة الرسولية التي حكمت اليمن أكثر من مائتي عام ( 626 - 858 هـ / 1228 - 1454م ) فقد كانت تمتلك جيشاً قوياً ومدرباً على القتال تدريباً رفيعاً . ولقد هاله أحد كبار البعثة الصينية التجارية التي زارت السلطان الملك الناصر أحمد المتوفى سنة ( 827هـ / 1424م ) في عدن القوة العسكرية التي تمتلكها دولته ، إذ يقول : " تبلغ قوتها العسكرية ثمانية آلاف من الخيالة ، والرجالة المدربة تدريباً جيداً ، ولذا فهي بلاد قوية ، يخافها جيرانها". [c1] مقومات صناعة السلاح[/c] ومن المحتمل أن سوق السلاح شهد تطوراً وازدهاراً واسعاً في عهد بني زريع بسبب طلبهم الخاص بتسليح جيشهم بالأسلحة المتنوعة لحماية إمارتهم الفتية عدن - كما أشرنا في السابق - وأكبر الظن أن سوق السلاح لم يقتصر على بيع أنواع الأسلحة المختلفة ولكن كان أيضاً فيه مصنعاً أو ورشة كبيرة لصناعة السلاح . ومما لا شك فيه هناك ارتباط وثيق بين صناعة السلاح ، وسوق السلاح ، فانتعاش سوق السلاح مرتبط بتطور صناعة السلاح كماً ، وكيفاً . ولا شك أن نجاح قيام صناعة السلاح تحتاج إلى توفير معدن الحديد ومعادن أخرى ، ، ولقد ذكرت المصادر أن في عدن كان تتوفر فيها كميات تجارية كبيرة من الحديد ، وكان يستخرج من جبل بالقرب من عدن فسمي بـ ( جبل حديد ) . وهذا ما أكده الدكتور محمد الشمري ، إذ يقول : " وسبب التسمية ترجع إلى وجود منجم للحديد فيه ، ففي رواية أن بعض أصحاب الخبرة جاءوا للجبل وسبكوا منه كميات من الحديد " وفي نفس السياق يفسر المؤرخ عبد الله أحمد محيرز سبب تسمية جبل حديد ، قائلاً : " علل بعضهم الاسم لوجود معدن الحديد فيه . ويزعم أن أحدهم استخرج كمية منه في مطلع القرن السابع الهجري ( القرن الثالث عشر الميلادي )". وإذا صحت تلك الرواية، المقومات الأساسية والرئيسة لنجاح صناعة الأسلحة كانت متوفرة في إمارة عدن لصناعة السلاح أو الأسلحة . وهناك أيضاً مقومات أخرى أدت إلى نجاح صناعة السلاح أو الأسلحة في عدن بصفة خاصة واليمن بصورة عامة وهو " ... نتيجة لتوافر المعادن المختلفة في العديد من المواقع المختلفة بالبلاد " . بالإضافة إلى عناية واهتمام حكام بني زريع بصناعة السلاح في عدن بغرض تكوّين جيش قادر على الذود على حياض إمارتهم ضد كل من تسول له نفسه من أعدائهم .[c1] مصر والسلاح[/c] ومن المحتمل أن صناعة السلاح المحلية في إمارة عدن في عهد بني زريع تأثرت إلى حد كبير بصناعة السلاح بصورة عامة والفنون المادية المتنوعة بصورة خاصة بالبلدان الإسلامية التي كانت لها علاقات سياسية ومذهبية مثل الدولة الفاطمية في مصر ، وهذا ما يؤكده الدكتور ربيع حامد خليفة في دراسته القيمة تحت عنوان (( الفنون اليمنية في العصر الإسلامي دليل على التواصل الحضاري))، فيقول :" ومن أبرز العوامل التي ساعدت على ازدهار الفنون اليمنية في العصر الإسلامي انتعاش الحركة التجارية حيث ظلت علاقة اليمن التجارية في العصر الإسلامي مع البلاد الأخرى على ما كانت عليه من ازدهار في الفترات القديمة ، كما أدى ارتباط اليمن ببعض البلاد الإسلامية وبصفة خاصة مصر بروابط سياسية ومذهبية إلى تأثر الفنون اليمنية بالاتجاهات الفنية التي سادت فنون هذه البلاد " . ونستشف من ذلك أن صناعة السلاح وهي تعد فن من الفنون اليمنية المتنوعة قد تأثرت بطريقة ما بصناعة السلاح في مصر الفاطمية ومن المرجح أن الفنان أو الصانع اليمني قلد بعض السلاح الوارد من مصر وطوعه حسب ما يناسب ويلائم طبيعة وجغرافية بيئته اليمنية .[c1] الصليحيون ونظامهم العسكري[/c] ولقد ذكرنا سابقاً أن الدولة الفاطمية في مصر كانت مهيمنة على الدولة الصليحية هيمنة روحية عميقة بسبب وحدة المذهب الديني وهو مذهب الإمامية (( الاثنا عشرية )) . وكانت الدولة الصليحية تدور في فلك الدولة الفاطمية في مصر ، تنهج نهجها في كل أمور حياتها السياسية ، والمذهبية ، والفكرية . وهذا ما أكده المؤرخ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ، إذ يقول : " فلا جرم إذا صاروا ( أي الصليحيين ) تبعاً لهم ( أي للفاطميين في مصر) يدورون في فلكهم ، ويلتزمون بتعاليمهم ، ويأتمرون بأمرهم ، وينتهون بنهيهم ، ويقلدونهم في شؤونهم كُلّها ، وما ذاك إلا لأنهم امتدادُُ لنفوذهم في اليمن " . فكان من الطبيعي أن تستورد الدولة الصليحية من الفاطميين في مصر أيضاً أسلوبهم ونظامهم العسكري .. والحقيقة أن الجانب العسكري للدولة الفاطمية وأثره على العسكرية اليمنية في عهد الدولة الصليحية يعد في - رأينا - من الأبحاث الجديدة التي لم يتطرق إليها أحد من الباحثين الحاليين على الرغم من أهميتها فيجب دراستها تحت مجهر البحث التاريخي، وإننا على ثقة بأن تلك الدراسة ستقودنا إلى معلومات جديدة و مثيرة وقيمة ، وستكشف الغطاء عن تاريخ العسكرية في عهد الدولة الصليحية . [c1] سياسة التقارب[/c] وقلنا سابقاً ، إنّ بني زريع كانوا على علاقة قوية مع الدولة الفاطمية وتحديداً في عهد الخليفة الفاطمي (( الحافظ )) التي تدهورت العلاقة الروحية والسياسية بينه وبين السيدة بنت أحمد الصليحي - كما قلنا سابقاً . ولقد استغل بنو زريع تلك الخلافات الملتهبة التي اشتعلت بين الدولتين الصليحية والفاطمية ، فعمل امراؤهم على تقوية علاقاتهم بالخليفة الفاطمي (( الحافظ )) ، فقاموا بأمر الدعوة له في إمارة عدن . وهنا ربما يكون مناسباً ، أن نقتبس فقرة من كلام الدكتور محمد عبده السروري حول انعكاس الخلاف العميق الذي نشب بينالسيدة أروى بنت أحمد الصليحي - آخر ملوك الدولة الصليحية العظام - والخليفة الفاطمي (( الحافظ )) على سياسة التقارب الكبيرة والوثيقة بين بني زريع حكام إمارة عدن والفاطميين في مصر ، فيقول : " وعندما تولى الحافظ الفاطمي أمر الخلافة الفاطمية في مصر سنة 524 هـ /1130 م . امتنعت السيدة الحرة عن طاعة الحافظ . وتولت القيام على نشر الدعوة الطيبية في اليمن والهند ، وقالت : ( حسب بني الصليحي ما علموا من أمر مولانا الطيب ) مما يدل على الاكتفاء عن موالاة الفاطميين. لذلك تركت السيدة الحرة أمر الدعوة الحافظية إلى سبأ بن أبي السعود بن زريع . ومن جهة الخليفة الحافظ الفاطمي . فقد أوكل إلى سبأ بن أبي السعود الزريعي القيام بأمر الدعوة الحافظية وبذلك أعلن حكام عدن موالاتهم للفاطميين في مصر " . [c1] السلاح الهندي[/c] ومن المرجح أن سوق السلاح في عدن ، كان يعرض فيه سلاح أو أسلحة ترد من بلدان أُخرى غير مصر الفاطمية مثل ذلك من الهند نظراً للعلاقة التاريخية التجارية القديمة والعميقة بين عدن والهند . ولقد كانت تستوطن جالية من الهنود في عهد بني زريع وكذلك في عهد الدولة الرسولية ، والدولة الطاهرية في عدن وكان لهم ثقل تجاري كبير في المدينة . ويصف الرحال المسلم ابن بطوطة في أثناء زيارته إلى عدن في عهد الدولة الرسولية وتحديداً في حكم السلطان الملك المجاهد علي بن داود المتوفى سنة ( 764 هـ / 1363 م ) ميناء عدن والذي وصفه بأنه أكبر موانئ اليمن ، وأن الميناء يموج بالسفن القادمة من المحيط الهندي ، وموانئ الهند المختلفة ، وأشار أيضاً إلى وجود جالية من التجار الهنود . وربما يكون مناسباً أن نورد نص رواية أبن بطوطة ، إذ يقول : " مدينة عدن، مرسى بلاد اليمن ، على ساحل البحر الأعظم ( البحر العربي )، والجبال تحف بها ولا مدخل إليها إلا من جانب واحد ( ويقصد به باب عدن أو العقبة ) ، وهي مدينة كبيرة ، ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء ، وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيام المطر ... وهي شديدة الحر. وهي مرسى أهل الهند. تأتي إليها المراكب العظيمة من كبايت ، وتانه ، وكولم ، وقالقوط ، وفندراينه ، والشاليات ، ومنجرور ، فاكنور ، وهنور ، وسندابور وغيرها ، وتجار الهند ساكنون فيها " . وكان من الطبيعي أن تأتي المراكب العظيمة إلى عدن مرسى اليمن - على حسب تعبير أبن بطوطة - من الهند المحملة على ظهرها البضائع والسلع المختلفة والمتنوعة. و من بينها أنواع من الأسلحة الهندية المختلفة والمتنوعة التي كانت تعرض وتباع في سوق السلاح في عدن. ومن المحتمل أن الفنان اليمني قلد بعض الأسلحة الهندية وطوعها على حسب ما تناسب طبيعة اليمن على غرار ما فعل مع السلاح المصري الفاطمي - إذا جاز ذلك التعبير - . [c1] سلاح المنجنيق[/c] والحقيقة لا نعلم علم اليقين نوعية السلاح أو الأسلحة التي كانت تعرض وتباع في سوق السلاح في عدن ، ولكنه من الطبيعي أن تكون من أنواع الأسلحة التي كانت السائدة استخدامها في حروب العصور الوسطى حينئذ مثل السيوف ، والرماح ، والسهام ، والدروع وما شابه ذلك . أما آلات المنجنيق صحيح كانت في اليمن مشهورة استخدامها في الحروب أثناء حصار الحصون وضرب جدرانها ولكن أكبر الظن كان استعمالها على نطاق ضيق ، ويبدو أن سلاح المنجنيق ظهر في ارض المعركة في اليمن في عهد الأيوبيين ، والرسوليين والذين كانوا الأخيرين امتداداً لهم . ولكنها لم تكن تُباع في سوق السلاح بسبب ضخامة آلة سلاح المنجنيق من ناحية وأن استخدامها كان ينحصر فقط على الجيوش الكبيرة وليس على الأفراد أو الجماعات من ناحية أخرى ولقد دفع بسلاح المنجنيق الضارب بصورة واسعة ومكثفة في ميدان الحروب الصليبية على المشرق العربي . وخصوصاً في حروب الناصر صلاح الدين الأيوبي في ضرب ودك حصون وقلاع الإمارات الصليبية في بلاد الشام وفلسطين . ويبدو أن سوق السلاح كان تعرض فيه الأسلحة الخفيفة التي ذكرناها قبل قليل . [c1] أسلحة دفاعية[/c] وطالما تكلمنا عن نوعية السلاح الذي كان يعرض ويباع في سوق عدن وهوـ كما قلنا سابقا ًــ السيوف ، والسهام ، والرماح ، والدرع الذي يحمي المقاتل من لدغة السيوف ، وطعنات الخناجر وما شابه ذلك من الأسلحة ، فإن الشيء بالشيء يذكر فإنه من المرجح أن نوعية الأسلحة المستخدمة في جيش بين زريع أنها كانت مقتصرة على السيوف ، والسهام ، والرماح أو بعبارة أخرى كانت من نوع الأسلحة الدفاعية ـــ على حسب تعبير المصطلح العسكري الحديث - وذلك بسبب أن قوات بني زريع كانت تعتمد على صد الهجوم على عدن من خلال باب عدن أو العقبة التي لا يمكن اختراقها طالما المدافعون يحرسون بابها . وطالما الآخرين ويقفون على رءوس الجبال الملتصقة والقريبة منه ويلقون السهام ، والرماح ، ويقذفون الحجارة على رءوس عدوهم وإذا حاول العدو اختراقه أو الاقتراب منه فإنهم يتكبدون خسائر فادحة في الأرواح وينهزمون هزيمة منكرة . ولكن إذا لعبت يد الخيانة والغدر لعبتها في نفوس الحراس المسئولين على حراسة باب عدن أو العقبة فإن العدو من السهولة بمكان التسلل إلى المدينة . وهذا ما حدث بالفعل مع السلطان توران شاه الذي سقطت عدن في قبضته في سنة ( 569 هـ / 1174 م ) وذلك بعد أن تخلى الحراس المكلفين بحراسة باب عدن أو العقبة ، وتركوا القوات الأيوبية بقيادة توران شاه تتدفق إلى المدينة دون قتال . وهذا ما أكده حسن صالح شهاب ، فيقول : " ففتح عدن من جهة البر أمر صعب ، ولم يكن يتم إلاّ بتواطؤ حاميتها ، المرتبة على الجبال المحيطة بها من جهة البرزخ" . [c1] صنعاء وصراع الأمراء[/c] والحقيقة أن سوق السلاح في عدن وغيرها من أسواق السلاح في مدن اليمن كانت تنتعش فيها الحياة الاقتصادية انتعاشًا كبيرًا إذا تجمعت سحب الاضطراب السياسي الكثيف والقاتم على اليمن - كما أشرنا في السابق - . ولقد جاءت فترة من فترات تاريخ اليمن أن صارت إلىَ مناطق و إمارات صغيرة وكل أمير أو حاكم من تلك الإمارات يظن في نفسه أنه الحاكم الشجاع ، وأنه يستطيع أن يسوس اليمن واليمنيين على الطريق المُستقيم وأن كل صفات الحاكم الناجح تتوفر فيه ولذلك ينبغي أن ينفرد في حكم اليمن . وهذه صنعاء العتيقة دُرة مدن اليمن الضاربة جذورها في أعماق التاريخ الإنساني ، وحاضرة اليمن كانت مطمع الطامعين من الأمراء ، فكل منهم يريد أن ينقض عليها، فتدور تحت أسوارها وفي شوارعها , وأزقتها ، وأحياءها قتال ضاري تسفك فيها الدماء ، وتزهق فيها الأرواح البريئة ، تتقاذفها أهواء الأمراء والحكام , وصار لها كل شهر أو كل سنة أمير. وهذا ما أكده المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع ، فيقول : " ... صنعاء حاضرة اليمن التي هي مطمعُ كل من حكم اليمن للسيطرة عليها حتى يجعلها عاصمة له ، وكرسي مملكته أو إمارته ، فكان الصراع والتنافسُ يشتد في ما بينهم عليها حتى كان لها في كل شهر أمير ، وفي أكثر أوقاتها تخلو عن الإمارة " . ويضيف قائلا " وهذا ما أكده المؤرخ النسَابة صلاحُ بن الجلال المتوفى سنة 805 هـ / 1402 م تقريباً بقوله : " وكانت صنعاء وأعمالها كالخرقة الحمراء بين ألأحدي ( جمع حدأة ) تتجاذبها( وفي رواية بين الأيدي ) لها في كل سنة أو شهر سُلطان غالبَ عليها " . [c1] عدن والأمير عُثمان الزنجيلي [/c] وفي سنة 569 هـ / 1174 م ، جرد السلطان صلاح الدين بن أيوب المتوفى سنة (589 هـ / 1193 م ) حملة عسكرية ضخمة يقودها أخيه الأكبر السلطان توران شاه المتوفى سنة ( 576 هـ / 1181 م ) إلى اليمن لتحقيق عدد من الأغراض الأول هو القضاء على البقية الباقية من النفوذ الفاطمي السياسي والروحي في اليمن أما الغرض الثاني هو تأمين الحرمين الشريفين مكة والمدينة من عبث وخطر الفرنج الصليبيين الذين كان يفكر البعض من قادتهم المغامرين الاستيلاء عليهما . وبالنسبة للغرض الآخر هو ملء الفراغ السياسي في اليمن بسبب انهيار الدولة المركزية فيه ، واشتعال الاضطرابات في كل مناطقه ومن ناحية أخرى استغلال إيرادات ميناء عدن الضخمة بغرض دعم المجهود الحربي ضد حروب الفرنج الصليبيين في بلاد الشام ، وفلسطين . وعلى أية حال ،زحفت القوات الأيوبية صوب مدن اليمن التهامية والتهمتها الواحدة تلو الأُخرى والتي كانت مدينة زبيد أول المدن التي وطأت أقدامها الجيوش الأيوبية ، وبعدها عدن ، وتروي المصادر أن عدن سقطت في يد السلطان المعظم توران شاه في يوم الجمعة 20 ذي القعدة سنة 569 هـ . وبعد عام من بقاء توران شاه في اليمن قرر الرحيل إلى مصر ، وعين في إمارة عدن والتي كانت تعد من أهم الإمارات في اليمن نائبًا عنه وهو الأمير عُثمان الزنجيلي التكريتي والذي كان يعد من القادة العسكريين الكبار الذين حازوا ثقة توران شاه ولذلك عينه نائبًا على عدن .وهنا ربما يكون مناسبًا ، أن نورد ما ذكره الدكتور محمد الكريم الشمري عن أسباب تعيين الأمير عثمان الزنجيلي أو الزنجبيلي نائبًا لعدن ، فيقول : عين توران شاه نوابًا في بلاد اليمن قبل مغادرتها ، فكان عز الدين أبو عمرو عُثمان بن علي الزنجيلي التكريتي نائبه في عدن وأعمالها ، وهذا يعني أنه كان نائبًا على لحج وأبين والشحر و حضرموت وهي أعمال عدن وتوابعها ، مما يدل على قوة شخصيته ، ومكانته السامية عند توران شاه ، واعتماده عليه في ضبط تلك المنطقة وإدارتها " . [c1]الصعود إلى قمة المجد[/c]والحقيقة تعمدت تسليط الأضواء على شخصية الأمير عُثمان الزنجيلي أو الزنجبيلي المتوفى سنة ( 583 هـ / 1187 م ) الذي كان نائبًا للسلطان المعظم توران شاه على عدن لأن شخصية أية حاكم لها دور كبير في سياسة شؤون البلاد ، ونهضتها . وكما ذكرنا سابقًا ، أن الأمير عُثمان الزنجيلي التكريتي كان يتحلىَ بالشخصية القوية ، والانضباط ومن ناحية أخرى وكان ذا حظوة كبيرة عند السلطان توران شاه كل تلك العوامل فعلت فعلتها في نفسه فصار له اليد العُليا ، والكلمة النافذة، والحاكم الفعلي في شق عصا الطاعة على السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر وبلاد الشام وخصوصًا بعد وفاة توران شاه ، فصارت له الطريق ممهدة ومهيأه أن يستقل بعدن . وكانت عدن الخزانة العظيمة تمثل للأمير عُثمان الزنجبيلي الصعود إلى قمة الجاه ، والصولجان ، والمجد . [c1]الأمير ألزنجبيلي وسوق السلاح[/c]ولكن السؤال المطروح هو هل كان سوق السلاح في عهد الأمير عُثمان الزنجبيلي مزدهرة ؟ . والحقيقة أن الأسواق المختلفة والمتنوعة في عدن شهدت ازدهاراُ واسعاً وكبيرا . ومن الأسواق التي بناها قصارى سوق البز ( القماش ) والذي كان يصرف منه على مسجده المسمى باسمه ، وجزء من إيرادات السوق يحول إلى الحرم المكي الشريف وذلك دليل على أن سوق البز كان من الأسواق التي تدر أرباحاُ كبيرة في عدن ، ولقد بذل قصارى جهده أن تصير عدن قاعدة للبيع والشراء - على حسب قول الدكتور محمد الشمري - ولكن المصادر لم تشر من قريب أو من بعيد إلى أوضاع سوق السلاح الاقتصادية في عهد حكمه . ويبدو أن سوق السلاح في عهده لم يشهد انتعاشًا تجاريًا ، وقد يكون اقتصر على البيع والشراء على الأفراد من الناس فقط وليس على الأمراء والحكام الذين كانوا يجلبون الأسلحة منه بكميات كبيرة . ويبدو أن هذا شيء طبيعي فإن الأمير عُثمان ألزنجبيلي المعروف عنه بصرامته وانضباطه ، وقسوته ، وقبضته الحديدية على مقاليد إمارته عدن . فقد كان في تلك المسألة غاية في العنف ضد كل من يشك فيه أنه يعارضه . ولقد قتل الكثير من العلماء ، والقراء ، والفقهاء في عدن الذين عارضوا أساليب حكمه ، وهذا ما دفع بالمؤرخ الجندي أن يهاجمه هجوماً لاذعاً ، ويصفه ، قائلاً: " فظاهر أفعاله الفسق الشنيع " وذلك بسبب فعلته الشنعاء في قتل القراء والعلماء . وكان من الطبيعي أن تكون نظرته إلى سوق السلاح في عدن نظرة توجس وخوف و قلق كبير وربما يستخدم خصومه الأسلحة التي تباع وتشترى في السوق ضده ، وخصوصًا بأنه كان يشعر أنه يواجه داخل وخارج إمارته خصوماً سياسيين يتربصون به الدوائر وعلى رأسهم الدولة الأيوبية . وبالفعل لم ينقضِ وقت طويل على استقلاله بإمارة عدن حتى أرسل السلطان صلاح الدين الأيوبي حملة عسكرية كبيرة أخرى إلى اليمن في سنة ( 579 هـ / 1183م ) بقيادة أخيه طغتكين بن أيوب المتوفى سنة ( 593 هـ / 1197 م ) مما دفع الأمير عُثمان ألزنجبيلي الهروب من إمارة عدن ، ويقال انه استقر في الشام وتوفي فيها . [c1]مع الدولة الرسولية[/c]وبعد انحسار المد الأيوبي من اليمن ، يبزغ نجم الدولة الرسولية ( 626 - 858هـ / 1228 - 1454 م ) التي حكمت اليمن أكثر من مائتي عام . وعندما نتصفح كتب المؤرخين القدامى عن تلك الدولة ، فإننا لا نعثر في سياق تاريخها عن سوق السلاح . ولقد كان محور الحديث عن تاريخها يدور بأنها كانت غرة شادخة في جبين اليمن - على حسب قول مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل الأكوع - فقد اهتم سلاطينها وملوكها بالعلم والعلماء ، وكانت تعز عاصمتهم قِبلة الكتاب ، والشعراء النوابغ الذين كانوا يأتون من داخل اليمن وخارجه وعلى الرغم من اهتمام تلك الدولة بالحياة الفكرية والثقافية كانت تملك جيشًا قوياً ، وهذا ما أكده أحد كبار البعثة الصينية التجارية التي زارت عدن في عهد السلطان الملك الناصر أحمد ألرسولي ، واصفاً الجيش ألرسولي قائلا : " تبلغ قوتها العسكرية ثمانية آلاف من الخيالة ، والرجالة المدربة تدريباً جيداً ، ولذا فهي بلاد قوية ، يخافها جيرانها " . ولا نعتقد أن الذي شاهده ذلك الزائر الصيني هو كل جيش الدولة الرسولية ، وإنما الذي رآه هو جزء من قوات الجيش. [c1]شروق الدولة الطاهرية[/c]وتغيب شمس الدولة الرسولية من سماء اليمن ، وتشرق بعدها شمس الدولة الطاهرية ( 858 - 933 هـ / 1453 - 1527 م ) والتي حكمت معظم أقاليم اليمن أكثر من سبعين عامًا . وفي عهدها شهدت عدن ازدهارا وانتعاشا اقتصادياً كبيراً . وتذكر المصادر أنه كانت تقام سباق الخيول في حقات بالقرب من جبل صيرة المشهور في عدن ، ويقال أيضاً أنه كان سوقاً لبيع وشراء الخيول، وكان أكثر ما يلفت النظر في إنجازاتها ومآثرها في المدينة هو عنايتها الكبيرة ببناء الصهاريج لتخزين مياه الأمطار ، وتفريغ المياه فيها التي تجلب من خارج عدن . أما ما يخص سوق السلاح وتاريخه في عهد الدولة الطاهرية فلم نتمكن من الحديث عنه بسبب عدم العثور على روايات تاريخية يمكنها أن تقودنا إلى معلومات عنه . ويبدو أن المؤرخون القدامى اهتموا بتسجيل الحوادث الخطيرة التي زلزلت أركان الدولة الطاهرية في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي بسبب الحصار البرتغالي لسواحل اليمن من ناحية وقوى المعارضة السياسية المحلية للسلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري التي تمردت عليه من ناحية ثانية ودخول المماليك إلى مدن تهامة من ناحية ثالثة .[c1]أين موقع سوق السلاح ؟[/c]ولكن أين يقع سوق السلاح في عدن ؟ . والحقيقة لا نعلم علم اليقين أين كان موقعه في العصور الوسطى وتحديداً في عهد بني زريع أو الدول المركزية التي تعاقبت على حكم عدن واليمن . ويقال أن موقعه أو مكانه الحالي هو في سوق الحدادين القابع في ( كريتر ) عدن القديمة . وتلك الرواية الشفهية تحتاج إلى فحص وتمحيص تحت مجهر البحث التاريخي . [c1]الهوامـش : [/c]الدكتور محمد كريم إبراهيم الشمري ؛ عدن دراسة في أحوالها السياسية و الاقتصادية 476 - 627 هـ / 1083 - 1229 م ، الطبعة الثانية 2004 م ، إصدارات جامعة عدن . الدكتور محمد عبده محمد السروري ؛ الحياة السياسية ومظاهر الحضارة في اليمن ، سنة الطبعة 1425هـ - 2004م ، الناشر : الجمهورية اليمنية ، وزارة الثقافة والسياحة - صنعاء - . القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ؛ أعراف وتقَاليد حكاّم الَيمَن في العَصر الإسلامي، الطبعة الأولى 1994 م ، دار الغرب الإسلامي . بيروت - لبنان -الدكتور ربيع حامد خليفة - أستاذ الآثار والفنون الإسلامية - جامعة القاهرة - دراسة بعنوان : ( الفنون اليمنية في العصر الإسلامي دليل على التواصل الحضاري ) . رحلة ابن بطوطة المُسماة : تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ؛ الجزء الأول ، دار الشرق العربي - بيروت - لبنان - حلب - سورية .عبد الله أحمد محيرز ؛ رحلات الصينيين الكبرى إلى البحر العربي ؛ سنة الطبعة 2000م ، الناشر : دار جامعة عدن للطباعة والنشر - الجمهورية اليمنية - .حسن صالح شهاب ؛ عَدَن فرضة اليمن ، الطبعة الأولى 1410 هـ / 1990م ، مركز الدراسات والبحوث اليمني - صنعاء - .الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ الفتح العثماني الأول ( 1538 - 1635 م ) سنة الطبعة 1969م ، معهد البُحوث والدَراسات العربية - جامعة الدول العربية - . القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ؛ الدولة الرسولية في اليمن ، الطبعة الأولى 2003م ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر - الجمهورية اليمنية - .
|
تاريخ
سوق السلاح في عدن
أخبار متعلقة