أضواء
د. نورة خالد السعد :قد نتساءل: ما الفرق بين جلد الذات ونقد الذات؟ فهناك من يرى أن جلد الذات هو شعور سلبي يتنامى دائماً في أوقات الهزائم والإحباطات, هذا يعني أنه ينبع من رغبة دفينة بالتغلب على الفشل ولكن ليس عن طريق مواجهته وإنما بالهروب منه (ذلك لعجز الفرد عن إدراك مواطن قوته ومواطن ضعفه وأيضاً مواطن قوة وضعف أعدائه) (أو تحدياته) ويسرف بدلا ًمن ذلك في تهميش كل قوة له ويعطي لعدوه (أو تحدياته قوة أكثر بكثير مما هي عليه في الحقيقة). وهي الحالة التي أطلق عليها المفكر الجزائري مالك بن نبي (القابلية للاستعمار).أما نقد الذات فهو شعور إيجابي عكس جلد الذات، فبينما الأخير لا يرى سوى مواطن الضعف في واقعه نجد نقد الذات يدرك الجانبين: معرفة مواطن القوة ومواطن الضعف ولكن بصدق وموضوعية، دون تحيز ودون شعور بالهزيمة النفسية والتشبث بما لدى الغير من مواطن هو يرى أنها (مثالية). أي منزهة عن النقائص ولا عيوب فيها. بينما في الواقع أنه لا يوجد مجتمع مثالي ولا أفلاطوني كما يقال. هذه السطور كي أتساءل إلى أي منحى يتجه بعض منا ومن غيرنا ممن يناقش قضايا مجتمعنا السعودي؟ إذ إننا نجد هجوما كاسحا على معظم سلوكياتنا الاجتماعية، بل حتى الجيد منها كالستر على المعاصي واعتبارها من الهروب من مواجهة الواقع وكأن من يكتب هذا الانتقاد يضع أمام عينيه كشف الموبقات بغية الحصول على جوائز مالية التي روجت لها إحدى القنوات الفضائية في برنامج أمريكي عنوانه (لحظة الحقيقة) الذي يعتمد على أن يجيب المشترك عن أسئلة شخصية جدا ولها علاقة بارتكاب جريمة الزنا للزوج أو الزوجة أو السرقة أو أي حدث مخل بالقيم ولم يكن يعرف عنه أي أحد، ولكن في هذا البرنامج وأمام مغريات الجوائز المالية التي تصل إلى مليون دولار!! نجد ان المشتركين يعترفون أمام المشاهدين وأمام الأقرباء والأزواج أنفسهم !! وهو من البرامج الهابطة التي أثارت ضجة ليس في مجتمعاتنا العربية المسلمة فحسب، بل في أمريكا نفسها ونعته بالبرنامج القمامة, ومُحطِّم العلاقات ويؤكِّد البعض الآخر أن أمريكا تتجه نحو التدمير الذاتي، حيث لم يعد يجد الناس هناك التسلية إلا بالنظر إلى الجانب السلبي للطبيعة البشرية ونشر الغسيل الوسخ والتجريح. هذا هو رأي أفراد المجتمع الأمريكي الذي لدينا من يمجد صراحتهم ويقولون مصداقيتهم!! والفرق واضح بين المصداقية والوضوح وبين نشر الموبقات والاعتراف بفعلها للمتاجرة فيها. وننسى أن ديننا الإسلامي يحثنا على فضيلة ستر العيوب وكما ذكر الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الشثري: (المجتمع الذي يغلب عليه الستر والطهر، لا يكون فيه من الأخبار إلا ما كان طاهراً وعفيفاً، ومن وقع في معصية وأسرها فيبقى مستوراً بستر الله عليه إلى أن يتوب، ويستره المؤمنون لئلا يتجاسر عن الجهر بها، أو الإصرار عليها، وقد استنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث العاصي الفاضح لنفسه، والكاشف لستر الله عنه فقال في الحديث الذي أخرجه البخاري: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه». إن ما نجده الآن من كتابات تحرض على (كشف المستور)!! كما يرددون أجد أنها تدخل في (حديث العاصي الفاضح لنفسه) والأدب الراقي هو الذي يسمو بالقارئ إلى فضاءات الكلمة المهذبة والتصوير البديع وليس سحبه إلى مصارف المياه القذرة كي يقال إن لدينا أدبا محررا من الرقابة. وكم شعرت بالقرف والغثيان عند استضافة أحدهم ممن يلوحون بكشف المستور وهو يقرأ سطورا مبتذلة جدا من صفحات رواية له في أحد البرامج في قناة لبنانية تتاجر بقضايا مجتمعنا السعودي وكأننا (أعجوبة)!! وكانت هناك كاتبة إماراتية تمت استضافتها معه رفضت استمراره في قراءة هذه السفاهات وقالت لا أستطيع البقاء إذا ما استمر في هذه القراءة. من يكتب في محرك البحث (غوغل) أي كلمة لها علاقة بنا نحن السعوديين سيجد العجب من هذا الركام من (جلد الذات) سواء على مستوى التعليم العام أو العالي ومؤسساته, أو القضاء, أو الاقتصاد, أوقضايا المرأة، بل أصبحنا الموضوع المفضل للنكت الساخرة والاستهزاء بالتزامنا بديننا وثوابتنا، بل الاستهزاء بهذه الثوابت!! تحت ستار انتقاد العادات والتقاليد. بل هناك شتائم محددة توجه إلى الرجل السعودي ومنها ما كتبتها إحداهن قائلة: (أغلب تصرفات الرجل السعودي يحكمها خوفه من المجتمع فهو الملتزم دينيا وأخلاقيا داخلها وأمام الناس بالعربي يعبد الله أمام الجمهور، أما خارج بلده فهو الذي لا تعرف له هوية. إن كان مسخا أو عاهة هذا من ناحية أما من الناحية الثقافية، فهو الإمعة التي لا تجيد إلا التزلف لغويا حين يكون متثقفا أو متصحفا، وكل هذا مصدره نفسي واجتماعي ناتج عن إحساسه بثقل الماضي كيف كان وكيف أصبح وهو لا يشعر إلا بالعجز في داخله والضمور في ثنايا فكره الذي لا يعرف سوى لغتين، إما أن تكون منافقا أفاقا لما درج عليه من عادات وتقاليد ونشأة قمعية مسيطرة وإما أن يكون المتثقف الذي يؤمن بالمساواة وتحرير المرأة لأجل حرية الوصول إليها وما يثير السخرية هو عندما يواجه بهذه الحقيقة ينكرها بالأقبح منه ولا يتقبل النقد بل يواجهك بالدين ويرجمك بجهنم ويدعي أنها حسن البشر وأفضلهم بعد النبي في تطبيق الشريعة بينما هي على مقاسات مزاجه المتعفن)!! هل قرأتم أسوأ من هذا الوصف الذي تم فيه وصم (جميع الرجال السعوديين)، وليس هناك أي استثناء للفضلاء الذين يشكلون نسبة كبيرة في مجتمعنا؟ أنا لا أدافع عن أي رجل فاضل لأن الرجال أقدر مني على الدفاع عن أنفسهم ولكن أجد أن جلدنا للذات كانت من نتائجه هذه العبارات المتجنية وسواها من الصفات التي تتزاحم بها بعض البرامج والمقالات والتحقيقات الصحافية!!. *** مجتمعنا ليس مثاليا , نعم ولكن لسنا الأسوأ من بقية المجتمعات العربية والإسلامية. ما يمر به مجتمعنا من تغيرات اقتصادية واجتماعية , ومن ضغوط خارجية ممثلة في بعض منظمات الأمم المتحدة لا يعني أن يسهم بعضنا بعدم الموضوعية في مناقشة جميع قضايانا بعيدا عن غرس ثقافة الوعي والصدق وقيم المسؤولية الوطنية في ذاتنا أولا ثم فيمن حولنا من جماعات وأفراد ، حتى نتمكن من اكتشاف أسباب الخطأ واقتلاعه من جذوره، بعيدا عن جلد الذات. [c1]*عن / صحيفة «الإقتصادية» السعودية[/c]