نبض القلم
إن ديننا الإسلامي الحنيف لايماثله دين في الاهتمام بالنظافة، ولا يقارنه تشريع في العناية بالطهارة، فهو دين يدعو للتجمل والتطيب وحسن المظهر في الجسم والثوب والمكان والوجدان، وهو دين يدعو إلى النظافة في المأكل والمشرب وفي كل شيء. إن الماء مثلاً وهو الوسيلة الأساسية والفعالة في التطهر والتنظيف قد احتل مكانته المهمة في القرآن الكريم في كثير من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهوراً) « الفرقان 48 » وقوله تعالى: (وينزل من السماء ماء ليطهركم به، ويذهب عنكم رجز الشيطان، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) « الأنفال، 11». وقد تكرر ذكر الماء في القرآن الكريم أكثر من ستين مرة، ما يدل على أهميته في حياتنا، ولكن كثيراً منا - للأسف - لم يقدر نعمة الماء، ولم يشكر الله عليها، ولم يدرك أهميته إلا عند غيابه، انظروا إلى أماكن الوضوء في المساجد، وشاهدوا كيف يعبث الناس بالماء، من غير أن ينظفوا أنفسهم، يفتح الواحد منهم الحنفية ثم يتركها مفتوحة دون فائدة وإذا ما توضأ فإنه لا يسبغ الوضوء، وإذا ما اغتسل فإنه ربما يكون غسل جسمه، لكنه لم يغسل قلبه من الأحقاد والكراهية، وقد جاء في الأثر: (عجبت ممن يغسل جسمه مرات في اليوم ثم لا يغسل قلبه مرة واحدة في السنة ). إن كلمة الطهارة بمعناها الحسي قد تكرر ذكرها عدة مرات في القرآن الكريم ما يدل على أن الإسلام هو دين الطهارة والنقاء، منها قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن) « البقرة، 22» وقوله في آية أخرى: (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) « الحج ،26» وقوله تعالى: (وثيابك فطهر والرجز فاهجر) « المدثر،4» وغيرها من الآيات البينات، وهذا يؤكد عناية القرآن الكريم بالطهارة، وأهميتها في حياتنا. وليس بعجب أن جعل العلماء أول باب من أبواب الفقه الإسلامي باب الطهارة، ثم إن الصلاة التي يؤديها المسلم في كل يوم خمس مرات على أقل تقدير، والتي هي مناجاة لله تعالى وهيام للروح في ملكوت السماء، قد اشترط الإسلام لصحتها وأدائها أن يكون المرء طاهراً في ثيابه وجسمه ومكانه، وطاهراً كذلك في وجدانه ومشاعره. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور). ولمكانة الطهارة في حياة المؤمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الطهور شطر الإيمان). وانظروا إلى الوضوء الذي يتكرر غالباً بتكرر الصلاة كل يوم، فإنه يتناول سائر أطراف الجسم التي تتعرض عادة للمس والاستعمال والغبار والأوساخ، والتي هي اليدان والوجه بما فيه من عينين وفم وأنف وأذنين، وكذا الذراعان والرقبة والرجلان، وكذلك الشعر، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان له شعر فليكرمه) ويكون إكرام الشعر بغسله وتنظيفه وتمشيطه ودهنه أو نحو ذلك، ولقد دخل رجل ثائر الشعر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي: (أما كان عند هذا دهن يسكن به شعره، يدخل أحدكم كأنه شيطان). وانظروا إلى الفم، فإن الإسلام قد أمر بنظافته أيضاً، لا بغسله وإدرار الماء فيه عند المضمضة، بل أمر بالسواك وما شابهه من وسائل التطهير والتنظيف، ولذلك قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب) وقال في حديث آخر: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).ولم يكتف الإسلام بذلك بل شرع للناس وسائل أخرى للتطهر، والتباعد عن النجاسات والقاذورات والأوساخ، فشرع لهم حلق الشعر، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ، وحلق العانة، والاستنجاء والاغتسال. ومن حكمة الإسلام في الغسل أنه ربطه بحوادث تتكرر كثيراً كالوقاع والحيض والنفاس والجمعة والعيدين والإحرام والطواف، وغير ذلك، وكأنما يريد الإسلام من ربطه الغسل بهذه المواطن أن يدفع المسلم في مواعيد محددة مكررة إلى دوام الاغتسال والاستحمام، فلا يكون ذلك موكولاً إلى مواعيد مبهمة، قد يراعيها قوم ويتركها آخرون. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة في العناية بالنظافة، فقد كان أصفى الناس منظراً، وأبهاهم طلعة، وانظفهم جسماً، وأطهرهم ثوباً، وكان حريصاً على الابتعاد عن أماكن الوسخ والقذارة ، فكان يحب الطيب ويكثر من التطيب بالعطور والرياحين، وقد جاء في الحديث الشريف: (من عرض عليه ريحان فلا يرده ، فإنه طيب الرائحة خفيف المحمل) وكان صلى الله عليه وسلم يرعى شعره ويفرقه ويدهنه ويتزين في مظهره وهندامه ، إذا خرج إلى أصحابه أو أضيافة.وكان صلى الله عليه وسلم يختار أنظف ثيابه لصلاته، وخاصة صلاة الجمعة، وكان يحث أصحابه على أن يخصصوا ثوبين ليوم الجمعة، وكان يستاك مفطراً وصائماً، ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة وعند الدخول إلى المسجد. وكان صلى الله عليه وسلم يكره الرائحة الكريهة وينفر منها ويتجنب أسبابها، ولذلك كان لا يأكل الخضروات والبقول التي لها روائح كريهة كالبصل والثوم والكراث قبل دخوله المسجد، وكان يأمر من يأكلها بعدم الاقتراب من المسجد أو الاختلاط بالناس. وكان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللون الأبيض لأن البياض عنوان الصفاء والنقاء، وقد لبس صلى الله عليه وسلم الخاتم والخفين والنعل، كما لبس القلنسوة والعمامة والقميص والرداء والحلة والبرد اليمانية والجبة، وغيرها من الملبوسات الشائعة وقتذاك. وجاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أحب أن يكون ثوبي نظيفاً ونعلي حسنة). وبعد، أليس عجيباً أن يكون الإسلام دين النظافة، وأن تكون النظافة من الإيمان، وأن يكون للطهارة كتاب طويل عريض بين كتب الفقه الإسلامي، ونحن المسلمين لا نعطي النظافة أي اهتمام؟!.[c1] خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]