علي بدوانكسرت اجتماعات القاهرة الحمساوية الكثير من المراهنات والتوقعات، التي كانت ترى بأن حركة حماس عصية على استيعاب ظروف انتقالها من موقع المعارضة، ذات الوزن الكبير الى مواقع السلطة المسؤولة. فاجتماعات القاهرة التي ضمت لأول مرة منذ فترة زمنية طويلة القيادات الأولى للحركة في الداخل والشتات تحت سقف واحد، خرجت بنتائج ايجابية، تشير الى مدى استيعاب الحركة لدروس المرحلة، ومنها ضرورة التكيف في خطابها وموقفها العملي مع المتغيرات القائمة على أرض الواقع من دون جنوح أو تطاير. وعلى هذا الأساس جاء الخطاب الايجابي البراغماتي المسؤول، والتصريحات المتوازنة التي أطلقتها حركة حماس على لسان العديد من رموزها في فلسطين والشتات، خصوصاً بعد اجتماعات القاهرة، والداعية الى هدنة طويلة المدى مع الاحتلال الاسرائيلي، والى بناء حوار ايجابي مع الادارة الأمريكية وفتح القنوات معها بشكل علني بدلاً من ابقائها في فلك كواليس الدبلوماسية السرية، الا أن الأخيرة بادلت الموقف »الحمساوي« الفلسطيني بمزيد من لغة الاستكبار والطغيان، وبالخطاب السياسي العدواني الفج، المليء بمفردات الانحياز لدولة الاحتلال الاسرائيلي. واستتباعاً مع المواقف العقلانية لحركة حماس، وفي ظل النتائج التي أفرزتها الانتخابات الفلسطينية للمجلس التشريعي، سواء رضي أم لم يرضَ بها البعض في مراكز القرار الدولية المؤثرة، فإن الخطاب المتوازن يدفع الأوروبيين للحذر من تحمُّل مقاطعة »حماس« أو ترك الأمور بيد أميركا وإسرائيل. فالرأي العام الفلسطيني، الذي كان مع السلطة الوطنية الفلسطينية رغم مشكلاتها الكثيرة، هو من انتخب حركة حماس. ففي الوقت الذي بدأ فيه الإسرائيليون وبخاصة من صفوف اليمين الصهيوني، يزايدون في مهاجمة حركة حماس، آملين الحصول على أصوات أكثر في الانتخابات القادمة للكنيست السابعة عشرة المقرر اجراؤها في مارس (آذار) 2006، سارع الأميركيون للتضامن مع إسرائيل، ومطالبة حركة حماس بالاعتراف بها، وإلقاء السلاح بحسب اتفاقيات (أوسلو) بعد أن صارت في موقع المسؤولية الأولى عن السلطة الوطنية الفلسطينية. وبالطبع، فإن القول المشار إليه لا يعني البتة أن دول الاتحاد ومجمل الدول الأوروبية تنهج جميعها سلوكاً سياسياً عادلاً على درجة مقبولة بشأن قضايا العرب في صراعهم مع الاحتلال التوسعي الصهيوني. لكن علينا أن نلحظ بأن تطور الدور الأوروبي يرتبط بالضرورة بالتطور الموازي على الجانب الفلسطيني ككل، من حيث تقديم حركة حماس خطاباً سياسياً متوازناً، يأخذ بعين الاعتبار الوقائع القائمة على الأرض، وينزع المبررات التي تسوقها الادارة الأمريكية بشأن حركة حماس ذاتها، التي تصنفها الولايات المتحدة باعتبارها حركة ارهابية أصولية، ونسخة فلسطينية اسمها »حماسـ..تان« من »طالبان أفغانستان«، كما هو حال مجموعة أبو مصعب الزرقاوي. وعليه فإن تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في القاهرة مؤخراً، والتي أكد فيها »التزام حماس بالاستحقاقات الدولية المترتبة على السلطة الفلسطينية والاحتفاظ بحق المقاومة المشروعة«، تشير الى تمايز التيار الاسلامي الفلسطيني المقاوم عن التيارات الاسلامية المتطرفة، كما يشير الى اللغة المسؤولة التي بدأت تعطي اطلالاتها علـى لسان القيــادات الأولى في حركة حمــاس. عن / (( الشرق الأوسط))
«حماس» ليست« حماسـ..تان» وفلسطين ليست أفغانستان
أخبار متعلقة