54 % من أطفال الشوارع ضحايا الفقر
[c1]* المؤتمرات لن تخلصنا من مشروع المجرم الصغير ![/c]القاهرة / 14اكتوبر / عادل دسوقيهم أطفال في عمر الزهور.. ألقت بهم أسرهم في أحضان الشوارع والأرصفة لترضعهم قسوتها وعناءها وإجرامها وليتخرجوا من مدرسة الإجرام بشهادات مبهرة في فن السرقة والقتل وتعاطي المخدرات وبيعها وقطع الطرق واغتصاب الفتيات وغيرها ، ولعل ما تم كشفه مؤخرا عن عصابة التوربيني في مصر وغيرها من عصابات أطفال الشوارع خير شاهد علي تلك الظاهرة المؤسفة.. آثرنا أن ندخل إلى عش الدبابير بأرجلنا لنرصد عشرات النماذج من هؤلاء الأطفال والخلل الاجتماعي الرهيب الذي يهدد سلامة مجتمعاتنا وتماسكها استمعنا إلي حكايات هؤلاء الأطفال المأساوية والتي خاصمتهم البراءة فتابعوا معنا هذه السطور الحزينة.في البداية وقفنا أمام هذه الفتاة زائغة العينين بملابسها الرثة وشعرها المنكوش التي راحت تروي قصتها فتقول: عمري من ثلاث سنوات كان تسعة أعوام، كنت في ثالثة إبتدائي، وتوفي أبي، ولم تمض شهور قليلة حتي تزوجت أمي من رجل ضخم، فظيع، من اليوم الأول لدخوله بيتنا بدأ ينهرني، ثم يضربني، ولم تكن أمي تملك أن تمنع عني إهاناته أو ضربه، ثم فوجئت به في إحدي الليالي يأخذني إلى حجرته، ويبتسم لي - علي غير عادته- بل ويقدم لي قطعة حلوي، وقبل أن أندهش أكثر أخرج من جيبه كيساً طلب مني أن أذهب به إلي أحد أصدقائه الذي سينتظرني أمام مدرستي في الظهر.. وبالفعل ذهبت به دون أن أعرف ما بداخله وانتظرت قليلاً أمام المدرسة حتي جاء الرجل وأخذ الكيس ورحل.. ولم تمض أيام قليلة حتي طلب مني زوج أمي أن أذهب بكيس مماثل في نفس المكان، وتكرر الموقف أكثر من مرة، وفي إحدى المرات وبينما كنت أقف أمام المدرسة في انتظار “المندوب” وجدت أحد أساتذتي في المدرسة يسألني عن سبب وقوفي، تلعثمت وقلت له إنني في انتظار أحد الأشخاص لتسليمه شيئا يخصه.. نظر إلى الكيس متفحصاً قبل أن يجذبه ويعبث بما فيه قبل أن يصرخ مخدرات!! وبالطبع باقي القصة معروف فقد أنكر زوج أمي معرفته بهذه الأشياء بينما تم وضعي في إصلاحية الأحداث.[c1]بلطجة الصبية[/c]أما “محمود سوستة” فهو أشهر طفل في حي الغورية، يمكنك أن تراه يومياً وهو يشم “الكُله” أو وهو يضرب أصدقاءه الصغار ليأخذ منهم كل مليم سرقوه من الأتوبيسات والأسواق، وانتزاع ذلك بالقوة، إذ يمارس البلطجة عليهم رغم أن عمره لايتعدى الرابعة عشرة، ولكن يساعده في ذلك جسده المفتول، وجرأته الشديدة، ولولا آثار ضربة مطواة في وجهه لأمكن القول أنه كان وسيماً، ويحكي أحد أبناء الغورية حكاية محمود سوستة قائلاً لقد كان والداه علي خلق كريم، يحبهما الجميع، ولكنهما رحلا في حادث مروري مروع، وتركا محمود وأخاه الصغير سيد بمفردهما، لم يكن لهما أقارب معروفون، ولم تكن ظروفهما المادية جيدة لذلك وبعد شهور قليلة فوجئنا بصاحب البيت الذي يسكنان إحدى شققه يقوم بإلقاء أمتعتهما خارج المنزل قائلاً أنه لا يفتح بيته كملجأ أيتام.. يومها تطاير الشرر من عيني محمودا وهو يحتضن أخاه الصغير والدموع تملأ عينيه، قبل أن يقدم على عمل انتحاري لم يتوقعه أحد، فقد استل سكينا من بين أواني المطبخ، ودون أن ينتبه أحد، وأغمده في صدر صاحب البيت، ولكنه لم يمت وإن كان قد مكث شهوراً طويلة في الفراش، وقضى محمود نحو سنة في دار الأحداث خرج بعدها ليمارس البلطجة على الجميع.ويقول “حكشة” أقصد محمد الدالي وهو صبي في الرابعة عشرة من عمره التقيناه أسفل كوبري 26 يوليو أنه جاء إلي الحياة كصفحة بيضاء غير أنها ما لبثت أن تلوثت فقد كان والده دائم التعدي على والدته المريضة، وأن عينيه تفتحت علي نساء كبيرات كن يحضرن إلي منزلهم ثم يأتي بعدهم عدد من الرجال، لا يدري المسكين لماذا؟ كما لا يدري شيئا عن هذه المشروبات التي يتناولونها ثم قهقهاتهم الهستيرية، كما لم يدر آنذاك سبب انقطاع الكهرباء المتكرر في هذا التوقيت تحديدا ولكنه بالطبع يتذكر المرة التي تجرأ وأشعل فيها شمعة كان يحتفظ بها عندما احتفلت والدته بعيد ميلاده العاشر، وتقدم بالشمعة نحو الحجرة الفسيحة التي أظلمت على والده وصديقاته وأصدقائه، وعندما فتح الباب متوقعاً مكافأة من والده لأنه جاءهم بالنور، وعندما وقعت عيناه على المشهد المخزي إرتد مصعوقاً وسقطت الشمعة من يده، غير أن والده قفز نحوه وجذبه خارج الغرفة قبل أن ينهال عليه ضرباً فأسال دمه ثم ألقاه خارج المنزل آمراً إياه ألا يعود إليه ثانية.ومن يومها تلقفه شارع، وألقاه إلى شارع، نام، وجاع، وتعرى، وتشرد ثم لم يجد سبيلاً سوي الانضمام إلي مجموعة من الأطفال تعرف عليهم أسفل أحد الكباري، وقاموا بضمه لى فريقهم في عالم النشل وترويج العملة الزائفة.[c1]تلميع إعلامي[/c]التقينا د. أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع والذي يؤكد أن هذه الظاهرة ستظل قائمة بلا حل، مالم تتضافر كل الجهود لاجتثاث ظاهرة أطفال الشوارع من جذورها لأنها المورد الأساسي لظاهرة أطفال الجريمة.. ولكن الواقع العملي يؤكد أن كل ما يعقد من مؤتمرات، ومهرجانات بدعوى التوصل إلي حلول لمشكلة أطفال الجريمة، أو أطفال الشوارع لاتخدم هؤلاء الأطفال بقدر ما تهدف إلي التلميع الإعلامي، إلا أن كل ذلك لايفيدهم شيئاً، ولن ينجح أبداً في تخلص المجتمع من مشروع مجرم صغير أبداً، فضلاً عن تخليصه من مجرم كبير، مشيرا إلي أن هذه المشكلة هي مشكلة كل عصر وكل مجتمع، وإن كانت قد تزايدت بشدة في السنوات الأخيرة فذلك راجع للعديد من الأسباب التي يجب التخلص منها أولا إن أردنا التوصل إلى حلول لهذه المشكلة وتتمثل في الفقر، والجهل، والتفكك الأسري، وغياب دور مؤسسات المجتمع، والمدرسة في تقويم السلوكيات الشاذة للأطفال، وهو ما أكدته دراسة حديثة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية ومفادها أن %54 من أطفال الشوارع أخرجهم الفقر إلى الشوارع، كي يعملوا ويعولوا أسرهم التي أجبرتهم ظروف مختلفة على عدم الإنفاق، بسبب تقاعس الأب عن القيام بدوره، أو لوفاته، أو غيابه، أو أي سبب من هذا القبيل، وحين يخرج الطفل لمواجهة المجتمع لاينجح في التعامل معه والحصول علي ما يسد رمقه بسهولة، فلايجد إلا طريق الجريمة ليسقط في براثن محترفي الجريمة، ليصنعوا منهم مجرمين جددا لاتعرفهم عيون الشرطة.ويشير د. المجدوب إلي التفكك الأسري كواحد من أهم أسباب هذه الظاهرة، لما يترتب عليه من مشاكل عديدة من قهر وتعذيب قد يجدونه من الآباء الحقيقيين أو من زوج الأم أو زوجة الأب، وهذه الفئة هم أكثر قابلية للانزلاق لعالم الانحراف، لتضخم دافع الانتقام من المجتمع نتيجة للقهر الذي ظلوا يعانون منه لفترات طويلة، لذلك لابد أن تتدخل الحكومات والجمعيات الأهلية، ومؤسسات المجتمع المدني للتصدي لهذه الجريمة في حق البراءة، والسيطرة عليها، لأننا إذا لم نتدراك هذا الخطأ الرهيب سيكون نصف المجتمع على الأقل بعد سنوات قليلة من عتاة المجرمين. [c1]غياب الأسرة [/c]أما د. إيمان شريف أستاذة علم النفس الجنائي فتري أن المسؤول الأول عن أطفال الجريمة هي الأسرة، لأنها لو حرصت على تنشئة أطفالها التنشئة السليمة لما سلكوا طريقهم إلى عالم الشوارع، ومن بعده إلي عالم الجريمة، كما تتحمل المصرية الدور الثاني في عدم تقويم طلابها، ومعالجة سلوكياتهم المنحرفة، فالمدرسة التي تشاهد طالبا يسرق قلم زميله دون أن تنهاه عن ذلك وتبين له خطأ هذه الفعلة، فهي مسؤولة عن تنشئة طفل مجرم، لأنها لم تقوم انحرافه من اللحظة الأولى، واستهانت بمجرد سرقة أشياء زملائه، كما أن مؤسسات وأجهزة التنشئة الاجتماعية مسئولة عن أي انحراف يشوب سلوكيات الأطفال، ويدفعهم إلى الجريمة.