حكم قضائي بريطاني :
متابعات:في سابقة غريبة أصدر قضاة "مجلس اللوردات" حكماً مدوياً في بريطانيا لصالح صحيفة " وول ستريت جورنال" بعد قبول معارضتها الاستئنافية ضد الحكم الذي حصل عليه رجل الأعمال السعودي محمد جميل، الذي يقضي بتغريمها 04 ألف جنيه استرليني بتهمة السب والقذف.ويأتي هذا الحكم الجديد بعد استئناف "وول ستريت جورنال" الطبعة الأوروبية لقرار قاضي المحكمة العليا الذي أيده ثلاثة قضاة بمحكمة الاستئناف بدفع04 ألف جنيه استرليني للملياردير السعودي محمد جميل، الذي تملك عائلته شركة هارتويل موتورز بأكسفورد، وذلك بسبب قيام الصحيفة بنشر قصة إخبارية يوم 6 فبراير 2002 مفادها أن الحسابات المصرفية الخاصة بعدد من أبرز المواطنين السعوديين من بينهم عائلة جميل، وصفقاتهم التجارية، كانت تخضع للمراقبة من جانب السلطات السعودية، وذلك بناء على طلب السلطات الأمريكية، كي تضمن أنه لا يجري ضخ أية أموال عمداً أو عن جهل لمساندة الإرهابيين ودعمهم.ونشرت "وول ستريت جورنال" اسم جميل إلي جوار أسماء أخرى، ليس بهدف اتهام " المدعين" في هذه القضية بتورطهم في أنشطة إرهابية، ولكن للإشارة إلي أن السعوديين يتعاونون مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب من خلال الموافقة على مراقبة الحسابات المصرفية الخاصة ببعض مواطنيها الأثرياء وأكثرهم نفوذاً.ولم تتمكن الصحيفة من إثبات حقيقة القصة، لأن مصادرها في الرياض تملكهم الخوف من انتقام السلطات السعودية إذا ما تقدموا بشهاداتهم، وعلى الرغم من ذلك كانت معلوماتهم مؤكدة في واشنطن من خلال مصدر موثوق فيه داخل "الخزانة" الأمريكية والذي كان يتعذر تحديد هويته أيضاً.وحكم قاضي المحكمة، إيدي جيه، بأن نشر القصة لم يكن للصالح العام، معللاً السبب بأنه خرق للاتفاق بين الولايات المتحدة والحكومة السعودية، والذي يقضي بالحفاظ على مراقبة الحسابات المصرفية سراً بينهما، ومن ثم قام بتطبيق قاعدة قانونية إنجليزية عتيقة، تفيد بأنه يمكن الدفاع عن القذف إذا كان هناك واجب أخلاقي يستدعي النشر.غير أن لوردات القانون حكموا في الفقرة 241بأن وسائل الإعلام ليست مقيدة بسرية الحكومة، مؤكدين أن التعاون مع أية حكومة، ناهيك عن الحكومات الأجنبية، سواء كانت صديقة أم لا، ليس جزءاً من واجب الصحافة، وليس من واجبها أيضاً أن تحجب عن الجماهير معلومات، تتحقق بالكشف عنها مصلحة عامة بحيث لا يمكن القول بأن هذا الكشف من شأنه أن يشكل ضرراً بالمصالح الوطنية.ومضوا في الحكم بأن "وول ستريت جورنال" كان منوطاً بها نشر القصة الإخبارية، على الرغم من قذفها في حق السيد جميل، وذلك لإظهار مدى تعاون السعوديين في الحرب على الإرهاب.وقال القضاة: "حيثما كان موضوع التحقيق الذي تقوم به وسائل الإعلام له أهمية جماهيرية عامة، فإنه لا ينبغي أن تجلب، المزاعم ذات الصلة، والتي لا يتسنى إثبات مدى صحتها بعد ذلك، أية تعويضات استناداً إلي القذف، وذلك إذا كان نشرها قد تم علي مستوى المسؤولية".وأضافوا أن الصحيفة كان منوطاً بها نشر مزاعم تنطوي على سب وقذف كجزء من واجبها الحيادي في رصد الأخبار أو ما قد تبين بعد البحث والتحري أنها ذات أصل وتثير أموراً خاصة بالمصلحة العامة.وانعقد الإجماع بين اللوردات الخمسة على حكمهم المتقدم، وأصدر الحكم الرئيسي اللورد هوفمان، وأيده اللورد سكوت والبارونة هيل، وكان الغرض منه هو إزالة الخطورة التي أدرجت تقرير الصحيفة في الأمور ذات الهم العام والتي قد يتم تأويلها كنشر صورة أو انعكاس سيئ لشخصيات عامة (بحسب نص الفقرة 83وأكد اللورد هوفمان أن التقرير مثال ممتاز للصحافة والذي ينبغي أن يتوافر له الدفاع من منطلق المصلحة العامة.وقال: "للقاضي أن يطبق اختبار المصلحة العامة ولكن يمكن لهذه الصحيفة أن تجتاز هذا الاختبار بسهولة، مشيراً إلي أن إقحام التقرير ككل كان بغرض إعلام الجماهير بأن السعوديين كانوا يتعاونون مع الخزانة الأمريكية في مراقبة الحسابات المصرفية، معتبراً ما تم نشره بمثابة إسهام جاد بدرجة محسوبة في موضوع له أهمية كبرى" (الفقرة 94)ومضى يقول: "علي الرغم من أنه لم يتسن إثبات صحة التقرير بطبيعة الأشياء، فإن وجود رقابة سرية من جانب السلطات السعودية يحول دون الإثبات بالدليل في جلسة علنية بالمحكمة، وهذا لا يعني بالضرورة عدم حدوثه" (الفقرة 24)وأكد أن الصحيفة منوط بها تحرر تقريرها حتي ولو تضمن قذفاً شديداً في حق الأفراد، طالما قدم إسهاماً حقيقياً لعنصر المصلحة العامة في التقرير" (الفقرة 15)وقال مؤلف كتاب "قانون وسائل الإعلام" جوفري روبيرستون: "إن هذا القرار يوفر لوسائل الإعلام في بريطانيا مساحة متزايدة من الحرية لنشر قصص ذات قيمة إخبارية".مستدركاً بأنه ليس رخصة للصحافة غير المسؤولة ولكنه يحرر الصحافة "التنقيبية" الجادة من التأثير المخيف الناتج عن دعاوي السب والقذف، طالما كانت المعالجة لا تنطوي على إثارة، وكان المسلك التحريري مسؤولاً.وتقع حيثيثات الحكم في 36 صفحة، ومن ان المتوقع أنه سيعمل علي تحرير الصحافة الإخبارية القائمة علي البحث والتحري، من التهديدات والملاحقات التي تستهدف الصحفيين بتهم كالسب والقذف وتشويه السمعة.كما أنه يجعل القانون الإنجليزي أكثر تماشياً مع الحرية التي تتمتع بها وسائل الإعلام الأمريكية في نشر المزاعم التي تحيط الشخصيات العامة من منطلق المسؤولية الإعلامية وتبصير الرأي العام.