الخيام الرمضانية تجمعات ثقافية وروحية تعانق ليالي رمضان
القاهرة /14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية : فرضت الخيمة الرمضانية نفسها على الساحة الثقاقية والفكرية كأحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم ، فهو مصطلح مصري يطلق علي التجمعات الفنية والثقافية التي تشهدها ليالي الشهر الكريم ، إلا أن المصريين يرون في هذه الخيمة نمطا اجتماعيا جديدا أفرزته الحياة المدنية التي تشجع نوعا خاصا من الاحتفال بليالي رمضان ، وعادة ما تحوي الخيام الرمضانية صالونات أدبية وفنية ودينية حسب الجهة التي تقوم علي تنظيمها، وكانت البداية من الطوائف الصوفية التي بدأت فكرة الخيام الرمضانية المليئة بالإنشاد الديني وحلقات الذكر ودروس العلم.غير أن النوادي والفنادق الفاخرة اقتبست الفكرة لتتحول تلك الخيام الرمضانية إلي ليال ٍ فنية وغنائية يحييها فنانون وأدباء طيلة الشهر الكريم وسط أجواء ترفيهية لإعداد من التجمعات العائلية والشبابية التي تتضمن غالبا تناول وجبة السحور بشكل جماعي.ولم تقف الفكرة عند هذا الحد بل تطورت الخيمة الرمضانية لتصبح ظاهرة اجتماعية ممتعة حيث تلتقي العائلات للسهر في الجو الرمضاني مع فاصل بسيط من الترفيه بدعوة بعض المطربين لغناء تواشيح دينية أو أغان من التراث، كما أن هذه الخيام أصبحت متنفسا للشباب في ليل رمضان.وشهدت القاهرة عبر كل العصور مظاهر متجددة للاحتفال بقدوم شهر رمضان ، وذلك منذ تأسيسها ، في عهد المعز لدين الله الفاطمي ، وقائده جوهر الصقلي ، حيث عرفت العاصمة الإسلامية ( الرابعة ) لمصر - بعد الفسطاط والعسكر والقطائع - أسواقاً مخصصة للبضائع والحرف المختلفة ، والتي لا يزال بعضها يمارس وظائفه حتي الآن .ومن بين تلك الأسواق سوق ( الخيامية) الذي تصنع به الخيام المزينة بالنقوش والرسومات ذات الطابع الإسلامي ، وتجد رواجا ليس له مثيل في أيام وليالي شهر رمضان ، وكان استخدام الخيمة قاصرا علي الاحتفالات الدينية ومراسم العزاء في الأحياء الشعبية ، ولكن السنوات الأخيرة أفرزت استخدامات أخرى ، وانتقلت الخيمة إلى الأحياء الراقية والفنادق ذات الخمسة نجوم .وإذا كان لشهر رمضان عبق خاص في رحاب الأحياء التاريخية، ذات الماضي البعيد مثل الأزهروالحسين والسيدة زينب والفسطاط ، حيث تتعانق الروائح الزكية مع فيوضات وروحانيات الشهر الفضيل ، فإن الكثير من سكان القاهرة يحرصون على التردد طوال أيام وليالي رمضان علي تلك الأماكن ، ليقضوا بها ساعات ممتددة مع هذا العبير الذي يتجدد كل عام ويذكر التاريخ أن الخيمة الرمضانية استخدمت كإطار من القماش لإقامة الاحتفالات الدينية في العصر الفاطمي ، طوال ليالي شهر رمضان ، وبعد أن يفرغ الناس من صلاة العشاء والتراويح ، وكانوا يجتمعون بها للاستماع إلي التواشيح الدينية والاذكار ، وفي فترات الراحة توزع عليهم أكواب المشروبات الساخنة كالقرفة والينسون والحلبة ، حيث يمتد السهر إلي وقت السحور بجوار الجامع الأزهر .. ومنذ ذلك العهد صارت ( الخيمة ) من التقاليد الرمضانية ، التي تتكرر كل عام ، وما زالت (الخيمة) أو السرادق الديني يقام طوال ليالي رمضان بجوار الجامع الأزهر ، ليلتقي الآلاف بكبار العلماء والمشايخ ، ويستمعون إلى أحاديثهم الدينية ، ويجيبون علي كافة الاستفسارات والتساؤلات حول شئون الدنيا والدين .وقديما كانت تعلق في سقف ( الخيمة ) مجموعة من القناديل ، أما الآن فتعلق المصابيح الكهربية بشكل باهر، وتوضع منصة ومقاعد للمتحدثين ، بينما تصطف المقاعد للجمهور ، ومهما كانت المساحة التي تنصب عليها الخيمة ، فإن الحضور يستطيع بيسر وسهولة أن يتبين صوت المتحدث ، من خلال الميكروفانات والسماعات التي تنقل إليهم الصوت ، وذلك على عكس ما كان يحدث في الماضي من ضرورة أن يرفع المتحدث صوته حتى يصل إلى آذان الحضور .[c1]طابع شرقي [/c]وبعد أن تأصلت تلك الظاهرة في الأحياء الشعبية ، وحققت جذبا جماهيريا لمتابعة الاحتفالات بقدوم شهر رمضان ، خرجت ( الخيمة ) بطابعها الشعبي الأصيل ، إلي الأحياء الراقية ، كمحاولة لنقل هذا الزخم بين الجدران الأسمنتية والعمائر الحديثة التي تخلو معظمها من هذا الحس الجمالي الخالد في الآثار القديمة ، وبدلاً من أن ينتقل سكان تلك الأحياء إلي جوار الأزهر والحسين ، حاولوا أن يغيروا الجغرافيا ، فهل نجحوا في ذلك ؟ ورغم حداثة التجربة واقتصارها علي فئات بعينها ، فإنها خففت هذا الضغط الشديد والتزاحم علي الخيام الرمضانية ، في المناطق الشعبية ، إذ حاولت ( الخيمة ) المستحدثة أن توفر جميع العناصر والخصائص التي تميزت بها (الخيمة ) القديمة ، وبدلا من أن تمارس دورها في إذكاء الوعي الديني ، تحولت لتشبه المقهى ، حيث تقدم المشروبات الساخنة والنرجيلة ، وتصطف المقاعد والمناضد الخشبية تقليدا ومحاكاة بالمقاهي الشعبية الشهيرة كمقهى الفيشاوي في حي الحسين .وصارت الخيمة الرمضانية في الفنادق ، مصدرا لجذب العديد من النزلاء وسكان الأحياء الراقية والسياح أيضا ، حيث تصل أسعار الفرد الواحد إلي ما يزيد علي خمسين جنيها ، بالنسبة للمصريين ، أما الأجانب فتزيد إلي مائة وخمسين جنيها بالنسبة للفرد الواحد .وتخصص الخيمة ضمن برنامجها تقديم بعض الفقرات الفنية لكبار المطربين والمطربات ، بالإضافة إلى وجبتي الإفطار والسحور ، وهي عادة ما تواجه بانتقادات نظرا لخروجها عن الطابع الرمضاني الأصيل ، ويسعي القائمون علي أمر هذه ( الخيام) إلي اجتذاب الشباب لقضاء السهرات على أنغام الفرق الموسيقية الحديثة ، حيث تستقبل بعضها ما يقرب من ستمائة شخص يوميا ، وتنظم العديد من الحفلات للفنانين المصريين والعرب.[c1]مسابقات طريفة[/c]أما النوادي فقد ابتكرت أيضا وسائلها لجذب أكبر عدد من الجمهور ، وذلك بإقامة ( الخيمة ) الرمضانية ، والتي يقدم من خلالها الإفطار والسحور ، والعديد من المسابقات والألعاب الطريفة .ولم تقتصر الخيمة الرمضانية علي البر فقط ، بل انتقلت إلى ظهر البواخر النيلية ، حيث تصنع من مواد شفافة غير قابلة للاحتراق ، ويتاح من خلالها مشاهدة النيل والأضواء المتلألئة على ضفتيه ، حيث تسير الباخرة في جولتها وعلى سطحها الركاب يتناولون طعام الإفطار ، أو السحور في نزهة نيلية بديعة ، وما بين الوقت تقدم الفقرات النيلية ، ويحتسي الركاب المشروبات الساخنة ويدخنون النرجيلة .أما المراكز التجارية المنتشرة في ربوع القاهرة ، فقد أخذت فكرة (الخيمة) ، وعملت على تنفيذها خلال ليالي رمضان ، بصورة أكبر لتتسع لما يزيد على ألف شخص يجلسون إلى الموائد المتجاورة ، ويتناولون طعام الإفطار والسحور، وسط جو معبق بلمسات التراث الإسلامي من زخارف ونقوش ، وديكورات جهزت خصيصا كي تعطي للرواد هذا الإحساس المفعم بالفرح وفيوضات الشهر الفضيل وروحانياته .وقد حملت تلك ( الخيام ) أسماء ذات ملامح رمضانية ، مثل خيمة الفوانيس والكنافة والقطايف ، وفتافيت السكر ، وعادة ما تقدم وجبات الإفطار والسحور بنظام (البوفيه المفتوح ) ، حيث تمتد منضدة طويلة عليها شتى الأصناف من المأكولات والحلويات ، ويقف إليها عدد من الجرسونات لمناولة الزبائن ما يطلبونه في أطباق ، ليجلس هؤلاء ومعهم أطباقهم جنبا إلي جنب ، ويبدؤون في تناول الطعام ، و من الأشياء الطريفة أن يتم إلحاق مقهي بلدي ، بالخيمة ، حيث ترص المقاعد الخشبية ، ويرتدي ( الجرسون ) الزي الشعبي لعامل المقهي ، ويقوم بخدمة الزبائن ، وبذلك يضفي المقهي هذا الطابع الشعبي ، من خلال ديكوراته التي تتشابه في تصميمها مع المقهي الشعبي المعروف داخل الأحياء الشعبية ·· ويبقي أن الخيمة الرمضانية في قلب القاهرة القديمة ، لها طابعها المتميز والأصيل ، ودورها في إذكاء الروح الدينية ، وسط الأجواء العامرة بروحانيات الشهر الفضيل .