القاهرة /14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية: مازالت المقاهي التاريخية في مصر تقاوم الزمن وتفوح بعبق التاريخ ،علي الرغم من انتشار الكوفي شوب والنت كافيه.. فبعض هذه المقاهي·· شهد أحداثا تاريخية حاسمة والبعض منها مثل شعلة للثقافة حيث ضم اجتماعات للرواد الأوائل من الأدباء والمثقفين.. هذه المقاهي مازالت شاهدة علي العصر . تبوح بأسرار التاريخ وتحكي حكايات المشاهير.. عن هذه المقاهي التي انتشرت في أرجاء القاهرة تدور تلك السطور.ترجع بداية المقاهي في القاهرة إلى مطلع القرن العاشر الهجري حيث انتشرت في القاهرة الأماكن التي تقدم مشروب القهوة ويطلق عليها اسم (المقاهي) رغم أن هذه الأماكن كانت موجودة من قبل ذلك بمئات السنين ولكن لم يكن يطلق عليها اسم المقاهي، لأن مشروب القهوة نفسها لم يدخل مصر سوى عام 905هـ وذلك عندما وصل إلي مصر (أبوبكر) وهو أحد الصوفية وأول من تعرف علي شجر البن أثناء سياحته وقام بأخذ ثمارها وتناولها، فوجدها تجلب السهر والنشاط، فأخذ منها شراباً وطعاما وأهدى أصحابه إياها، ومن هنا عرف مشروب القهوة الذي أخذت من اسمه كلمة المقاهي.وكانت المقاهي أماكن مخصصة لرواية قصص السير الشعبية والملاحم حيث كان أصحاب المقاهي يستقدمون رواة القصص وبعضهم يعرف باسم الظاهرية نسبة إلي الظاهر بيبرس، والآخر يعرف باسم الهلالية لتخصصهم في سير أبوزيد الهلالي، ولكن مع دخول الراديو مصر قضي علي هذه الطائفة وأصبحت المقاهي أماكن لسماع الراديو والمناقشات الأدبية والثقافية والسياسية في بعض الأحيان.
[c1]أشهر مقهى ثقافي[/c]ويأتي مقهي (ريش) علي رأس المقاهي الثقافية والتي يعود تاريخ إنشائها إلي عام 1908 حيث كانت قاعدة لرواد ثورة 1919 حيث كان زعماء الثورة يلتقون بها، وقد تم اكتشاف ماكينة طبع المنشورات التي استخدمها الثوار بالمصادفة حينما كان يتم ترميم المقهى من شروخ زلزال 1992، فوجد دهليز صغير مؤد إلى مخزن قديم بالبدروم كان يتم فيه اللقاءات، أما الآن فقد تحول هذا المخزن إلي تحفة أثرية عربية علي يد صاحب المقهى الذي حوله إلي جلسة عرب، فعلق علي الجدران جيتاراً وعوداً ويوجد بالبدروم بار قديم.يجمع المكان طابع عربي حيث الأرابيسك في كل القطع الخشبية بالمكان، كما تم وضع ماكينة الطباعة القديمة في فاترينة زجاجية داخل الحائط، بالإضافة إلي راديو قديم، وكانسول وتليفون من طراز الأربعينيات، أما الطابق العلوي فيضم أجهزة صوت قديمة كالجرايمافون يعلوه صورة كبيرة لأم كلثوم موجود بها >عم فلفل< أقدم عامل بالمقهى والذي عاصر >نجيب محفوظ<، وبالصالون الثقافي نجد صورة كبيرة في الواجهة لنجيب محفوظ موقع عليها بخطه إهداء للمقهى حيث كان يعقد ندواته الأدبية كل يوم جمعة، كما كان الصالون مليئاً بالعديد من صور الفنانين ورجال السياسة والأدب والصحافة ممن ارتادوا المقهي، منهم علي سبيل المثال لا الحصر :صالح عبد الحي، وزكي مراد، ويوسف وهبي، ونجيب الريحاني، ورياض السنباطي، وإسماعيل يس وعباد العقاد وطه حسين، وتوفيق الحكيم وكذلك أنور وجدي وصلاح جاهين، بالإضافة إلي صور كاريكاتورية للفنان (جورج البهجوري).وكان الفضل لـ(ريش) في التقريب بين روزاليوسف التي كانت بطلة بعض المسرحيات التي كانت تعرض بها، وبين محمد عبد القدوس الذي كان يغني مونولوجات سريعة بين فصول مسرحياته وانتهي الأمر بزواجهما، كما لا يعرف البعض أن شخصيات مسلسل >ليالي الحلمية< كانوا من رواد (ريش) وزبائنه الدائمين.ومازال رواد (ريش) حاليا من كبار رجال الثقافة والفن، فنجد في مجال الرواية إدوارد الخراط، وفي مجال الشعر خيري منصور وفي التأليف أسامة أنور عكاشة، ومن الفنانين التشكيليين جورج البهجوري، فالمكان مازالت له جاذبيته.
[c1]مقهى (الفيشاوي)[/c]ومن مقهي (ريش) إلي مقهى (الفيشاوي)والذي يعد أشهر المقاهي القديمة والذي يتجاوز عمره الآن المائة عام وكان شهرته القديمة بالشاي الأخضر والأحمر وكان يجلس أمامه الحاج فهمي الفيشاوي صاحب المقهي - ليدخلن باستمرار الشيشة وعلي بعد خطوات منه يضع حصانه العربي الأصيل، وفي المقهى يضع أقفاص الحمام الذي كان مغرما بتربيته وكان الفيشاوي يجلس ليتأمل رواد المقهى من الممثلين والصحفيين والشعراء الذين كانوا يقصدون المقهى في المساء بعد الانتهاء من أعمالهم حيث كان المقهى الوحيد المصرح له في ذلك الوقت بالسهر حتي الصباح، ولكن صدر قرار بهدم المقهي عام 1965، ولم يستطع الحاج فهمي - صاحب المقهي أن يواجه الخبر فمات قبل تنفيذ قرار الهدم بأيام قليلة، والآن فالمقهي أصبح مزاراً للعديد من السياح والمشاهير خاصة في ليالي رمضان.أما مقهى (ليالينا) وهو أحد أشهر مقاهي الفنانين بشارع طلعت حرب بوسط البلد فيروي لنا أحمد السويسي أقدم عامل بالمقهي قصته التي تعود إلي عام 1948 حينما تم تأسيس المقهي كمطعم وكافتيريا تحت اسم الدار البيضاء (كازبلانكا) ولكن تم تغيير اسمها منذ عشر سنوات إلي اسم (ليالينا)، وكان يجلس عليه عبد العزيز محمود وسناء يونس حيث كانت تقوم بعمل بروفات لمسرحيتها (هالة حبيبتي) علي المقهى، كما كان يجلس عليها عبد الحي أدي، ليكتب سيناريوهات أفلامه، ويوسف إدريس ويوسف السباعي حيث خرجت أغلب مؤلفاتهما من رحم هذا المقهي الذي كان يوفر لهما جواً ملائما للكتابة.كما كان يجلس عليه أعضاء فرقة رضا أما الآن فالمقهي أصبح يجتذب التجار والشباب والموظفين مع بعض الملحنين الجدد كمصطفي كامل وحجاج عبد الرحمن ومجدي النجار.