"مهنة من لا مهنة له " هكذا أصبح حال الصحافة في مصر ، وهكذا صارت صورتها أمام العامة!آلام مهنة الصحافة في مصر يعاني منها كل الصحفيين المصريين دون استثناء، فلم يعد يستثنى منها حتى العاملين في المؤسسات القومية التي تمتلكها الدولة والذين كانوا يتمتعون بامتيازات تتيح لهم حياة ليست كريمة فحسب بل مرفهة في بعض الأحيان . لكن الآن صار الجميع فى الهم سواء ،الكل شركاء في الهم نفسه : فلا حرية صحافة حقيقية ، ولا استقرار مادي، ولا أمان وظيفي ، ولا احترام من الآخرين لصاحب هذه المهنة العظيمة!وأوضاع الصحافة والصحفيين في مصر ، خرجت من الغرف المغلقة لتعلن عن نفسها بعنف وقوة، بعد أن ظلت زمناً طويلة حبيسة الأنفس ؛فلم يعد هناك صحفي في مصر قادر على تحمل تلك الأوضاع المهينة في وقت يطلب فيه منه أن يدافع عن قضايا مجتمع لا يحترمه ولا يحميه! وفي هذا الإطار تقام عدة فعاليات نقاشية ، أحدثها كان ورشة عمل حملت عنوان " صحفيون بلا حماية" استمرت على مدى ثلاثة أيام في مدينة العين السخنة، بحضور 48 صحفياً من كل المؤسسات الصحفية القومية والمعارضة والمستقلة ،وتحدث فيها عدد من الصحفيين المخضرمين والمعروفين ،فتحولت الورشة إلى "فضفضة " صادقة بل وعنيفة في بعض الأحيان!والملفت أن ورشة العمل لم تقم بها جهة صحافية ،بل "المجموعة المتحدة" وهي مجموعة تضم عدداً من الوحدات المختصة بالدعم القانوني والمحاماة ،والبحث والتدريب،ودعم المؤسسات غير الحكومية ،ووحدة للعلاقات الخارجية! أما عن علاقة هذه المجموعة بالأمر ، فهو أنها ملك لمجموعة من المحامين المهتمين بالشأن العام والعمل الحقوقي.[c1]آلام موجعة[/c]سيندهش من يعرف أن عضوية نقابة الصحافيين المصريين يتمتع بها 6آلاف صحفي فقط، في حين أن عدد الصحفيين المصريين يتعدى ذلك بكثير، مع تزايد الإصدارات الصحفية فى مصر يوماً بعد الآخر و خاصةً إذا ما أضفنا إليهم العاملين في الصحافة الإلكترونية التى لا يعترف بها أحد حتى الآن ، وكذلك الصحافيين الذين يعملون دون الالتزام بمؤسسة، وفي الوقت نفسه فإن الستة آلاف المنتسبين الى النقابة ليسوا بصحافيين اصلا بل كثير منهم إداريون استوفوا الشروط الرسمية للانضمام إلى النقابة!فالنقابة التى اتسعت لاستيعاب الإداريين لا تشمل الصحافيين الحقيقين بحمايتها .. ويصبح الأمر بالفعل وكأن "ياما بره النقابة صحفيين"! ولا يرجع هذا للفساد فحسب ، بل لتخلف النسق الإداري للقيد في النقابة عن مجمل تطور أوضاع المهنة في الأربعين عاماً الماضية! مما أتاح الفرصة لتسلل الفاسدين ، وحرم من له الحق من حقه![c1]الهم واحد:[/c]ورغم الاختلافات والتباينات الشديدة في توجهات وانتماءات الصحفيين الذين شاركوا في الورشة إلا أن الوضع المهين لمهنتهم ؛خلق وحدةً غير مسبوقة فيما حددوه من مشكلات عزموا النية على مواجهتها ، فقد اتفقوا مشكلات" ضخمة " مع ملاك الصحف بغض النظر عن من هو مالك الصحيفة، خاصةً وأن ملاك الصحف هم أعضاء في نقابة الصحفيين إلى جانب الصحفيين العاملين لديهم! وللأسف فإن معيار القيد في نقابة الصحفيين لم يعد كفاءة الصحفي ولا ممارسته الحقيقية للمهنة بل موافقة مالك الجريدة حيث تشترط النقابة وجود عقد عمل للصحفي قبل قيده في جداولها (حتى لو كان جدول تحت التمرين!) وهو ما يضع الصحفي تحت رحمة مالك الجريدة،ما دعا الصحفيين لإنشاء نقابة أخرى لملاك الصحف وتقتصر نقابة الصحفيين على العاملين فحسب .ومن الامور التي تم الاتفاق عليها هو ضرورة الدفاع عن حرية الصحفي في التعبير بالتوازي مع الدفاع عن حقه فى أجر عادل، واستنكروا إزدواجية المعايير فى النقابة التى تتعامل مع مشكلات العاملين في الصحف القومية بسرعة في حين تتلكأ في انجاز معاملات العاملين في الصحف الخاصة .كما طالبوا أيضاً بعودة نظام الانتساب إلى نقابة الصحفيين، وهو نظام تم العمل به منذ ثلاثة سنوات تقريباً ثم ليعود وينتهي عند هذا الحد والذي كان يقضي بمنح عضوية منتسبة للصحفيين العاملين من ذوي المؤهلات العليا الذين ينقصهم شرط توافر تعاقد مع صحيفة مصرية ، ولم يستمر العمل بهذا النظام على الرغم من أن المستفيدين منه لا يحصلون سوى على امتياز الاعتراف بممارسة المهنة في أوارق الهوية ،دون أن يحق لهم الاستفادة من امتيازات أخرى من علاج وتأمين على الأبناء وغيرها !![c1]يوم جديد [/c]كل ذلك وغيره تمت مناقشته، وكأن الورشة جاءت لتعيد فتح جرح ،لا يريد أن يندمل ، فأوضاع الصحفيين المصريين لم يعد من الممكن الصمت على حالها، فقد آثر الكثيرون الهجرة إلى مهن أخرى! إلا أن الأغلبية الصحفية تتمسك بهويتها ،وهو ما يؤكده اكتمال الجمعية العمومية للنقابة منذ عدة أشهر للمرة الأولى منذ أربعين عاماً أو أكثر . المشكلة أن الجماعة الصحفية نفسها .. لا تعرف هويتها! فالجيل الحالي من الصحفيين لا يتمتع بالثقافة المهنية ولا النقابية، ما يعني عدم القدرة على وضع رؤية شاملة وواعية ومستنيرة لآلام مهنة البحث عن المتاعب ، والجيل المخضرم أنهكته المعارك ، ولا يجد من ينصت له ما بين حكم غير مهتم وصحفيين يتألمون أكثر مما يفكرون ! لكن لأنها الصحافة .. فلا بد أن الغد يومٌ جديد !* فاطمة خير- إيلاف، القاهرة[email protected]
أخبار متعلقة