قصة
أنساك..؟! ذا كلام ..؟! أهو ذا اللي مش ممكن أبداً ... ولا أفكر فيه.. ذا مستحيل.. قلبي يميل .. ويحب غيرك .. أبداً .. أبداً ..كنت في غرفتي في الطابق العلوي قرابة الساعة الثالثة عصراً .. أجهز نفسي استعداداً للخروج للتنزه مع بعض أصدقائي .. حين فاجأني صديقي الجريء على كل شيء والذي لا يعجبه شيء إلاً ما يمليه عليه هواه فقط .سمعت وقع (صنادله) وهو ما زال صاعداً الدرج .. وكذلك سمعت صوته المبحوح وهو يقول : أيش ذا (موضة قديم) (ماطاً شفتيه بكلمة "قديم"مطاً طويلاً ) عرفت على طول مقصده باحتجاجه ذلك أنه محتج على اعجابي بغناء أم كلثوم ..فهو بمجرد أن دخل عليً الغرفة حتى برك على ركبتيه نحو المسجلة ضاغطاً على زر الاغلاق وأخذاً شريط ( أم كلثومي) رامياً إياه عرض الحائط وبسرعة أنامل عازف البيانو أو بسرعة لقط (الديكة) لحبوب الذرة المرمية على الأرض أخذ يقلب في كوم (الكاستات) المكورة أمام المسجلة باحثاً فيها عما يبدل به الشريط السابق رامياً ببعضها هنا وهناك حتى استقر به الرأي على شريط لفنان عراقي أخذه في خفة ودسه داخل المسجلة ورفع من مستوى الصوت حتى لعلع كالصفير المدوي :" - البرتقالة ..عذبتي حالة ...إلخ"وبمجرد أن شفى غليله من تلك الحالة حتى نهض باتجاهي وهو يصيح : يآي .. يآي .. يآي ؟!!!من ذا ..؟! راغب علامة .. وإلاّ ...قاطعته ساخراً :وليش مايكون العندليب الاسمر ها ..ها .. هاه..ضحكنا سوياً وتطابقت الأكف مع بعضها مزاملة الضحكات المزاحية .وكعادته بدأ ينتقدني من أعلى رأسي الى أسفل قدمي .. مبتدئاً بالسروال الأسود .. داساً سبابته في مرابط الحزام.. محركني كذا .. وكذا .. حتى كدت أقع على الأرض وهو يقول : لا .. لا .. لا غيّر هذا البنطلون .. (موضة قديم) جداً أيش (أنت) بلا ذوق وإلاّ أيه .. هيا غيّر .. غيّر لا تضحّك الناس علينا .. هذا البنطلون لا يناسب القميص الذي عليك أبداً .. أيش أنت أعمى وإلاّ أيه .هو هكذا دائماً ينتقد ويواصل انتقاداته دون أن يتيح لي فرصة حتى لتبادل الآراء .. وأحياناً كثيرة آتمر بما يقول خوفاً على تصدع العلاقة بيننا .. أستمر في الانتقاد قائلاً : لا يمكن أن ندعك تمشي معنا إذا أنت صريت على لبسك هذا .. الله على كذا سوف تشوه بأناقة الشلة .. هه (الجرم) الداخلي غير مناسب مع القميص أخلعه .. ألبس غيره هيا .. لا تضيع وقتي .. كنت أدري أنك لن تفعل شيئاً مفيداً إطلاقاً وهذا ما أتى بي الى عندك عنوة وإلاّ كنت جلست في بيتي .. أجهز نفسي .. جئت الى هنا خصيصاً من شأنك خشية أن (تلخبط) علينا سمعة أناقة الشلة ..هه ..هيا .. هيا أنا باروح مع السلامة .. لكن الله الله فيها قلت لك .. نفذه بالحرف الواحد .. وخرج من الباب مهدداً .. وبمجرد خروجه عمدت الى المسجلة وأقفلتها تماماً .. وما هي إلاّ ثوان حتى أرى صاحبي قد أطل بوجهه من الباب من جديد مذكراً إياي بشيء ما ربما خطر على باله وهو طريق نزوله من الدرج .. وسمعته يصيح مرة أخرى من أسفل الدرج .. نعم .. نعم لا تنسى (الصندل) البني الجديد الذي اشتريناه أنا وأنت قبل أسبوع .. أحذر تلبس غيره ..هه . سمعت؟..أوف !!! لقد أزعجني بكثرة طلباته هذا (الموضة القديم) .. لقد أسميته منذ هذا اليوم بـ "الموضة القديم".لم يكد يخطو عدة خطوات في الشارع حتى ناداني من بعيد : إي الساعة , الساعة , الساعة لا تلبس غير ذات السير البني هي الوحيدة اللائقة على لبسك هذا ..هه ..هه أما غيرها (موضة قديم) هه ..هه.كرهت نفسي بكل شيء حتى لو كنت خادمة المملوك لا يمكن أن تقبل بأن يفرض عليك أوامره وشروطه هكذا .بعد حوالي عشر دقائق من مغادرته المكان رن تلفون الجوال أمسكت به وتفحصت الرقم أكتشفت أنه أيضاً رقم "الموضة القديم" .. تقارحت أعصابي حينها وقررت لحظة عدم الرد .. ولكن الرنين ما زال مصراً تماسكت وحاولت أن أرد بهدوء :- آلوه ..- آلوه .. ما لك لم ترد .. تريد تضييع وقتي فحسب أليس كذلك ؟! ألا تدري أن وقتي من ذهب ؟! المهم على كل حال (السير .. السير) الذي يجب أن تلبسه لا بد أن يكون بنياً حالكاً .. ستكون آخر أناقة إذا فعلت ذلك .. نعم وكذلك الـ .. الـ .. الـ ...فقدت تمالك نفسي عند ذلك وانفجرت قائلاً : ياحبيبي دور لك صديق آخر تتنزه معه .. أما أنا بطلت الخروج معك خلاص حاول مستفسراً... مالك..؟! .. أبش ..؟!ولكني لم أتح له فرصة للاستفسار وطبقت سماعة التلفون في وجهه وتمددت على ظهري فوق فراشي نافخاً خلاصي من نزهة كريهة كهذه ومن " موضة قديمة" كهذا .. وراحت عيناي تتابعات التشكيلات الجميلة لبيت عنكبوت تمدد في أحد أركان سقف الغرفة مذكراً إياي بإهمالي الشديد وكسلي في الاهتمام بتنظيف ارتفاعات الغرفة منذ أشهر مضت !!