إيقاف العمليات العسكرية التي خاضتها القوات المسلحة والأمن اليمنية ضد عناصر التمرد والإرهاب الحوثية في محافظة (صعدة) و(حرف سفيان) دليل وصولها إلى نهايتها الحتمية والمنطقية في تحقيق أهدافها التي تجلت مؤشراتها العملية الميدانية في قبول الطرف المتمرد على الشرعية الوطنية والدستورية شروط الدولة الستة الخاصة بوقف العمليات العسكرية والمتمثلة في: أولاً: الالتزام بوقف إطلاق النار وفتح الطرقات وإزالة الألغام والنزول من المرتفعات وإنهاء التمترس في المواقع وجوانب الطرق. ثانياً:الانسحاب من المديريات وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية. ثالثاً: إعادة المنهوبات من المعدات المدنية والعسكرية اليمنية والسعودية. رابعاً:إطلاق المحتجزين لديهم من المدنيين والعسكريين اليمنيين والسعوديين. خامساً: الالتزام بالدستور والنظام والقانون. سادساً: الالتزام بعدم الاعتداء على أراضي (المملكة العربية السعودية الشقيقة). قبول قيادة التمرد الحوثية بهذه الشروط ، وبالآلية التنفيذية لها يؤكد نجاح المؤسسة الدفاعية والأمنية في تحقيق أهدافها العملياتية العسكرية المتمثلة في ردع المتمردين ، وإجبارهم على الخضوع للدستور والقانون، وفتح الآفاق المرجوة لإعادة السلام والأمن والاستقرار الدائم إلى محافظة (صعدة) و(حرف سفيان)، وفرض خيارات السلام على المتمردين الحوثيين في إطار الدستور والثوابت الوطنية وتحت مظلة النظام الجمهوري.. والنهج الوطني الديمقراطي والتشريعات الدستورية والإجماع الوطني.. لقد كانت العمليات العسكرية التي فرض على قواتنا المسلحة والأمن خوض غمارها ضد عناصر إرهابية متمردة على الحكومة والشرعية مستعينة بقوة السلاح والدعم العسكري والإعلامي والسياسي الخارجي، حتمية وضرورة وطنية لابد منها للقضاء على هذا التمرد والوقف النهائي لشلال الدم ولدوامات الصراع وجولاته المتكررة في هذه المحافظة، ومنع تسلل المتمردين إلى أراضي (المملكة العربية السعودية) الشقيقة، وإجبارهم على عدم الاعتداء على الأراضي السعودية بالإضافة إلى خلق الشروط الذاتية والعوامل الموضوعية وتمهيد الأرضية الاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية لإقامة سلام دائم في هذه المنطقة.. وقبول مثل هذه الاشتراطات ما كان له أن يتأتى بالوسائل السلمية وقد فشلت كل جولات الحوار السابقة في تحقيق هذه الغاية الوطنية والإنسانية النبيلة، وفي بداية الحرب السادسة التي أشعلها المتمردون حددت الدولة نفس الشروط ولكن المتمردين رفضوها غروراً وظناً منهم أن في استطاعتهم تحقيق غاياتهم وفرض إرادتهم على الدولة. واليوم يمكننا القول إن الكثير من العوامل الموضوعية والشروط الذاتية التي كانت غائبة في جولات الحوار السلمية السابقة وحالت دون نجاحها في تحقيق السلام قد تم فرضها على أرض الواقع من خلال نجاح مؤسساتنا الدفاعية والأمنية في توجيه الضربات الموجعة ضد المتمردين وتدمير القدرات والبنية العسكرية التحتية والكثير من العناصر المادية والبشرية والفكرية المحفزة على استمرار التمرد العسكري المسلح حتى تتحقق أهدافه النهائية، تضافرت هذه النجاحات الميدانية العسكرية مع نجاحات سياسية وطنية كشفت عن أبعاد التمرد والحرب الحوثية ومخاطرها على الأمن الوطني والإقليمي بعد أن امتدت أذرعتهم وجرائمهم الخطيرة إلى خارج الدائرة الوطنية وتهديد دول الجوار والتسلل إلى أراضي (المملكة العربية السعودية)، وبطلان كل مبرراتها ومشروعيتها أمام الرأي العام المحلي والخارجي، وتشكيل طوق سياسي جماهيري قوي عمل على عزل هذه العناصر المتمردة والخارجة عن الإجماع الوطني فكرياً وسياسياً واجتماعياً وعقائدياً وأخلاقياً ضمن دائرة ضيقة معزولة عن كياننا الوطني ونسيجنا الاجتماعي، كما تضافرت هذه النجاحات العسكرية وتكاملت مع نجاحات وطنية دبلوماسية ، إقليمية ودولية ، ساهمت إلى حد كبير في احتواء وتقليص الكثير من مصادر الدعم المادي والعسكري واللوجستي والسياسي والإعلامي الخارجي المغذي لهذا التمرد والصراع بكل عوامل وعناصر القوة والاستمرارية، وتجفيف العديد من مصادره وقنواته، وصولاً إلى صياغة موقف دولي داعم لجهود الدولة وخياراتها في معالجة إشكالات الوطن بالوسائل السلمية وأساليب الحوار. لم يكن الوصول إلى هذه المحطة النوعية المتميزة على درب السلام في هذه المحافظة سهلاً، بل كان صعباً وشاقاً تخللته أنهار من الدماء والدمار والخراب.. وكلف وطننا وشعبنا تضحيات بشرية جسيمة وخسائر مادية وموارد اقتصادية ومالية ضخمة استنزفت قدرات الدولة والمجتمع، عبر ست جولات من الصراعات العسكرية، والشعب غير مستعد للتنازل عما قدمه من تضحيات وخسائر جسيمة للوصول إلى هذه المحطة ومحاولة الطرف الآخر جعلها مرحلة استراحة وتهيئة لجولة جديدة من الصراع كما جرت العادة؛ لأن شعبنا وصل إلى هذه المحطة ليجعل منها نهاية حقيقية للتمرد في محافظة (صعدة) و(حرف سفيان) وحداً فاصلاً بين مرحلتين ومعركتين وطنيتين حاسمتين: المعركة الأولى بمفهومها العسكري التي وصلت إلى مرحلتها النهائية في تحقيق الأهداف المرجوة منها في تمهيد الأرضية وتأمين السبل للولوج في المعركة الثانية، معركة السلام والتنمية وإعادة الإعمار، وهذه المعركة تتميز بطابعها الوطني والسلمي العام وأهدافها وأبعادها الشاملة لكل قطاعات الحياة.. هذه المعركة موجهة للبناء وإعادة الإعمار لكافة البنى التحتية والعناصر البشرية والمادية لمحافظة (صعدة) و(حرف سفيان) وتحويلها من ساحة حرب إلى ورشة عمل للبناء والتنمية. الصراع على الجبهة العسكرية رغم أهميته الحاسمة في أية حرب، إلا أنه لا يمثل سوى حلقة واحدة في سلسلة المعارك المكوّنة للحرب بمفهومها الواسع والشامل، ولهذا سيظل أي انتصار عسكري مهما كان حجمه ونوعيته منقوصاً وفاقداً لأهميته الوطنية وقيمته التاريخية ما لم يتحول إلى انتصار سياسي في الحرب التي فرضت على الوطن وتحقيق أهدافها الإستراتيجية النهائية، وكثيرة هي الانتصارات العسكرية الباهرة التي تحققها الجيوش على جبهات القتال، ولكنها تتحول إلى هزائم سياسية حين تخفق القيادات في توظيف هذه الانتصارات العسكرية في خدمة الأهداف والمصالح الإستراتيجية لشعوبها وبلدانها، وكثير من الجيوش خسرت المعركة العسكرية لكن قيادات بلدانها كسبت الحرب بمفهومها الشامل وأهدافها الحقيقية. في حرب (صعدة) و(حرف سفيان) يمكن القول إن كافة الأهداف العملياتية التكتيكية للعمليات العسكرية تم تحقيقها بدرجات متفاوتة من النجاح، ولكنها في المحصلة العامة بلغت أهدافها النهائية وفرضت على الخصم القبول بمطالب وشروط الدولة والمجتمع لوقف تمرداته العسكرية، ولكن الهدف النهائي والاستراتيجي للحرب والمتمثل في السلام النهائي والقضاء على مصادر وجذور التمرد وأسبابه المادية والروحية بحاجة إلى جهود كبيرة ودؤوبة، والطريق نحو بلوغ مرحلة السلام الحقيقي والنهائي وتطبيع الأوضاع في محافظة (صعدة) و(حرف سفيان) لايزال طويلاً وشائكاً وزاخراً بمختلف أشكال المخاطر والعراقيل التي ينبغي تجاوزها، وهذا الطريق لايزال غير مأمون ويفضي إلى الكثير من التفرعات غير الممهدة والانعطافات الحادة بكل ما فيها من احتمالات ومتغيرات متعددة وممكنة بين النجاح والفشل. المعركة التي بدأت للتو بعد أن صمتت المدافع ستكون من أجل إحلال وتوطيد السلام في (صعدة) و(حرف سفيان) وهي أشد خطراً وأوسع نطاقاً وأكثر كلفة مما سبقها من معارك على الجبهة العسكرية، وتتطلب حشد وتضافر الجهود والإمكانات الوطنية المادية والبشرية ضمن أوسع نطاق وطني ممكن.. فهي معركة الشعب بكافة قطاعاته وعلى مختلف الجبهات دون استثناء؛ لأنها معركة ضد المخلفات والآثار السلبية والدمار النفسي المعنوي والأخلاقي والاجتماعي والمادي الذي خلفته جولات الصراع السابقة.. وما يتطلبه ذلك من إعادة إعمار للمنشآت الخاصة والعامة المدمرة، وتعويض السكان وإعادة تسكينهم في قراهم ومنازلهم وتزويدهم بمتطلبات العيش الضرورية.. وإعادة تأهيلهم للحياة الطبيعية، وهي معركة لتنمية المحافظة وتوفير فرص عمل ومصادر حياة وموارد دخل إضافية لسكانها. الأخطر من هذا هو المعركة على الجبهة الثقافية/ التربوية وما يعترضها من صعوبات وتعقيدات في إعادة بناء الإنسان عقائدياً وفكرياً واجتماعياً وأخلاقياً بشكل سليم، ومعالجة التشوهات الكبيرة التي خلفتها دورات الصراع والتربية العقائدية والسياسية والنفسية الخاطئة في الوعي الجمعي، والوجدان الروحي، والسلوك الحياتي لأبناء المحافظة خلال السنوات الخمس المنصرمة، ومثل هكذا معركة ليست بالهيّنة ولا يمكن كسبها بسهولة في وسط اجتماعي غارق في الأمية والجهل والفقر والتخلف الاقتصادي وتعرُّض الكثير من أجياله الشابة لأوسع عملية غسيل مخ وتربية عقائدية دينية خاطئة لا تزال تشكل العنصر الرئيس والحاسم في المكوّن الفكري والروحي والوطني لهؤلاء الشباب. وتحكم نظرتهم ومواقعهم وعلاقاتهم مع الوسط الاجتماعي من حولهم، وجميعها روابط تقوم على عدم الثقة ونهج التكفير والتطرف والغلو الديني المذهبي والسلالي، وتعتبر الثأرات والنزعة الانتقامية أحد أهم المبادئ العقَدية والاجتماعية التي تحكم علاقة عناصر التمرد الحوثية بالآخر. معركتنا السلمية القادمة في محافظة (صعدة) و(حرف سفيان) تختلف عن معركتنا العسكرية بشكل جذري وإن كانت امتداداً عضوياً لها؛ فالمعركة الأولى كانت موجهة لتدمير قيم وقدرات وإمكانات ووسائل ومعدات وأسلحة وبنية مادية حربية بهدف تجريد الخصم من قدراته العسكرية على مواصلة الحرب والتمرد وإجباره على الانصياع للإرادة الوطنية.. والقبول بشروط الدولة، وهذا هو مفهومنا للحسم العسكري الذي كنا نتطلع إليه ونسعى إلى تحقيقه بأقل قدر ممكن من الدمار والخسائر التي تولدها الحروب، وإن كان هذا لا يرضي أحلام وأمنيات البعض داخل اليمن وخارجه، وفي مقدمتهم المتمردون أنفسهم الذين كانوا يتطلعون ويدفعون باتجاه توسيع نطاق الحرب وإطالة أمدها وزيادة تكاليفها وضحاياها، يراودهم حلم شيطاني أن يتولى الجيش اليمني تدمير جزء غالٍ من وطنه وإبادة وتشريد وإذلال اكبر قطاع ممكن من سكانه، تحت شعار القضاء على عناصر التمرد الحوثية الذين هم في حقيقة الأمر يسعون ويتطلعون لرؤية محافظة (صعدة) و(حرف سفيان) وأشلاء سكانها تحت رماد ودمار وأنقاض هذه الحرب، وأن يفصلوا هذه المحافظة ويعزلوها عن نسيجها الوطني ببرزخ من الدماء، باعتبار ذلك في نظرهم الوسيلة والضمانة الوحيدة الممكنة لمنع تجدد الصراع. المعركة الراهنة للدولة في (صعدة) و(حرف سفيان) موجهة لإعادة البناء النفسي والمعنوي والأخلاقي والوطني الشامل لهذه العناصر وإعادة تأهيلها واستيعابها ضمن النسيج الوطني العام أسوة بغيرهم من بقية شرائح المجتمع، وهذا يتطلب قدرات وإمكانات ووسائل خاصة للوصول إلى عقول وأفئدة هذه الشريحة الاجتماعية وتغيير قناعاتها ومواقفها وسلوكياتها الخاطئة والخطيرة، وهذا لن يتأتى من خلال الخطابات والشعارات السياسية والإعلامية أو الدينية، ولكنها عملية تربوية تراكمية طويلة ومعقدة، وتتطلب قبل كل شيء خلق الوسط والبيئة الوطنية التي تتوفر فيها كل الوسائل والشروط والمتطلبات اللازمة للوصول إلى عقول وأفئدة هذه الجماعات بنماذج وامتيازات ومصالح مادية مباشرة تلبي وتشبع احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية الضرورية؛ ففي مثل هكذا أوساط اجتماعية فقيرة ومعدمة غُرر بها وتم دفعها لخوض الحرب كوسيلة لعملية الارتزاق والعيش لا يمكن الوصول إلى عقولها وتغيير قناعاتها وسلوكها إلا عبر الوسائل المادية والحياتية المباشرة والملموسة وإشباع جوعها المادي قبل الروحي. هذه المعركة السلمية موجهة أساساً لتجفيف كل المنابع الفكرية والثقافية والعقائدية والسياسية التي يقوم عليها التمرد، وتغيير الأرضية والمناخات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمذهبية التي يتخلق فيها الفكر الحوثي وتحويلها إلى بيئة غير مواتية وغير صالحة لإعادة استزراعه وتنميته، وأخيراً تطبيق الإجراءات الدستورية والقانونية وفرضهما بالوسائل والأدوات المؤسّسية المشروعة التي تحول دون إعادة البناء التنظيمي والعسكري المؤسسي لعناصر التمرد ، والعمل على إدماجها ضمن النسيج الوطني المدني الاجتماعي ومساعدتها وتمكينها من ممارسة نشاطها السياسي المدني التنموي أسوة ببقية شرائح المجتمع، تحت سقف الدستور والمؤسسات الديمقراطية المشروعة. [c1]الوصول بالعملية السلمية إلى نهايتها [/c]ورغم دخول عملية وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ الساعات الأولى ليوم 12فبراير الجاري-إيذاناً ببداية مرحلة جديدة- مرحلة التنفيذ الميداني لشروط وقف إطلاق النار التي فرضتها الدولة على الحوثيين، ومن ثم الشروع في عملية تطبيع الأوضاع وإعادة البناء وتنمية المحافظة وإحلال السلام بشكل نهائي إلا أن البعض من الذين يتابعون تطورات الأحداث في محافظة (صعدة) و(حرف سفيان)، ينتابهم الكثير من الشكوك باحتمالات نجاحها ، ويجدونها مجرد هدنة مؤقتة سرعان ما يشتعل في أحشائها فتيل حرب جديدة، وهؤلاء قد يكونون محقين في تشاؤمهم حين يبنون مواقفهم وقناعاتهم على حقائق مجردة، أو على التجارب الخمس السابقة.. وكذلك على مايلمسونه من مماطلات وتسويف في تطبيق النقاط الست وآلياتها التنفيذية من قبل قيادات وعناصر التمرد الحوثية .. وفي حقيقة الأمر تشاؤم هؤلاء ليست رغبة، فجميع أبناء الشعب - باستثناء القلة المنتفعة من تجارة الحرب- يتمنون أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة.. وأن تكون الاتفاقيات نهائية وقابلة للتنفيذ، ولكن الأمنيات وحدها لا تكفي ولا مكان لها في عالم السياسة مالم تتحقق على ارض الواقع الشروط والعوامل الضامنة لتنفيذ الشروط الستة وآلياتها التنفيذية وتحقيق السلام الدائم والقوي في المحافظة. ضمانات النجاح هذه المرة كثيرة ومتعددة بعضها غير محسوسة مادياً من قبل المواطن، وبعضها غير جاهزة أو غير متوفرة على أرض الواقع، بل تجري صناعتها وتخليقها بالاستفادة من أخطاء التجارب السابقة، وبالاستفادة من النتائج التي حققتها المؤسسة الدفاعية والأمنية على أرض الواقع، والاستثمار الأمثل لمعطيات الواقع الوطني والإقليمي والدولي، لاسيما وأن عناصر التمرد الحوثية تعاني حالة من العزلة الرهيبة، وبلغت ذروة الضعف في قدراتها وبنيتها العسكرية مادياً وبشرياً ومعنوياً.. وإن كانت تحاول استعادة أنفاسها.. وتجميع قواها وإعادة جاهزيتها، الأمر الذي يفرض على الوطن والشعب ومؤسساته الدستورية ليس فقط تجاوز مخاطرها، ولكن أيضاً احتواؤها سلمياً ودمجها ضمن النسيج الوطني الاجتماعي والسياسي الديمقراطي. وبالاستفادة من التجارب السابقة يمكن استخلاص بعض شروط النجاح لهذه العملية السلمية من أبرزها: - الإقرار بوجود عدد من الأطراف ومراكز القوى والمتمصلحين من الحروب وأصحاب الثأرات المختلفة، وبالذات الثأرات السياسية وغيرها من الأطراف المحلية والخارجية التي تتعارض مصالحها مع مصالح الوطن والدولة وليس من مصلحتها إيقاف الحرب وإنهاء القضية، وهؤلاء يجب تحديدهم بوضوح واحتواء نشاطهم ونفوذهم ومساعيهم الرامية إلى تقويض العملية السلمية، والتصدي لهم بحزم وصرامة وعدم السماح لهم بتحقيق مسعاهم في خرق الهدنة. - تحديد أضيق إطار زمني ممكن لتنفيذ شروط وقف إطلاق النار والشروع بإجراءات صارمة في تنفيذها الميداني بشكل متكامل وناجز، وعدم التسويف أو التباطؤ في تنفيذ أي من هذه الالتزامات؛لأن اشتراطها وربطها بالتزامات أخرى قد يفقدانها أولويتها وأهميتها في إرساء قواعد السلام. - الدقة والوضوح في صياغة وتحرير أية اتفاقيات ثنائية تنفيذية لاحقة، وضمان فهمها بشكل صحيح من قبل.. أولاً: اللجان المشتركة التي تتولى عملية التنفيذ وثانياً: من قبل الأطراف المعنية “الدولة وعناصر التمرد الحوثية” وتجنب التعويم في المفاهيم والآليات والوسائل والمحددات المكانية والزمانية وعدم السماح بتفسيرها بشكل مغلوط أو وفق الأهواء والمصالح. - الأخذ بعين الاعتبار أن الثقة المتبادلة لا يزال ضعيفة أو شبه معدومة، ولهذا لابد من خلق ضمانات كافية لاحترام الاتفاقات والالتزام بتنفيذها وعدم السماح لعناصر التمرد الحوثية بخلق أو افتعال المبررات للتنصل أو التهرب من التنفيذ الفوري وفق الإطار الزمني والآليات المحددة لذلك. - عدم التساهل أو تجاهل المعوقات الموضوعية أو المفتعلة المعيقة للتنفيذ المتزامن أو المتكامل لأي من الالتزامات، وان تؤخذ بعين الاعتبار حشد الإمكانات والموارد والآليات المتاحة للتنفيذ، فعدم الالتزام من قبل الحوثيين بالتنفيذ لأي من البنود أو الالتزامات في الوقت المحدد له قد يفتح المجال واسعاً أمام المساومة والابتزاز والمماطلة. مثل هذه العملية غير هينة وتأخذ مدى زمنياً ليس بالقصير، والنجاح في تنفيذ الالتزامات والشروط الستة لوقف إطلاق النار بشكل ناجز وضمن الإطار الزمني المحدد لها، سيفتح المجال أمام نجاح العملية السلمية برمتها، وبالذات إذا ما اقترن تنفيذ هذه الشروط بإجراءات عملية لكسب ثقة المواطنين والمغرر بهم من عناصر التمرد الحوثية، وبالذات قطاع الشباب والمراهقين الذين يشكلون عماد القوة العسكرية للحوثيين، والابتعاد عن النزعات والممارسات الانتقامية، أو التخوينية والتعامل معهم باعتبارهم جزءاً من هذا الشعب وقعوا ضحية الظروف الاستثنائية والتضليل الديني المتعمد. - تضافر وتكامل جهود كل أطراف ومكونات العملية السياسية الديمقراطية في البلد في انجاز هذه المهمة السلمية والتنموية والكف عن التوظيف السلبي لهذه القضية ومحاولة الاحتفاظ بها كورقة سياسية في لعبة الصراع على السلطة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة. - أحد أهم شروط النجاح للعملية التفاوضية والحوارية أن تأخذ لجان الإشراف المكلفة بهذه المهام في اعتبارها حقيقة أن العناصر الحوثية جماعة متمردة خارجة عن الشرعية الدستورية والإجماع الوطني، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تكون طرفاً نداً للحكومة، ولا يجب أن يسمح لها بأن تكون في موقف تفاوضي أو اعتباري يجعلها قادرة على ابتزاز الوطن والحكومة وفرض أي نوع من الاشتراطات والمطالب التي تعزز من مكانتها الاعتبارية ومصالحها الخاصة التي من شأنها أن تضر بأمن الوطن واستقراره ومصالحه وسيادته على المدى المنظور أو البعيد، كما لا يجب الانتقاص من حقوقهم وواجباتهم الدستورية والوطنية كمواطنين يمنيين، وفي الوقت ذاته التقيد الصارم بالتزامات ووعود الدولة نحو هذه الجماعة. - التعاطي مع جملة هذه القضايا يجب أن يكون ملبياً للاحتياجات والمتطلبات الأمنية الوطنية بأبعادها الإقليمية والدولية، وأن تكون المعالجات الإستراتيجية لهذه القضية مجسدة لالتزامات اليمن وواجباتها تجاه الأمن الإقليمي والدولي. - إسقاط كل الاعتبارات والحسابات العقائدية المذهبية أو الطائفية السلالية من مختلف أجندات الحوار في هكذا قضايا وطنية إستراتيجية، وإذا كانت الحرب قد نجحت في إجهاض كل المحاولات الداخلية والخارجية الرامية إلى إضفاء الأبعاد الدينية المذهبية على هذا الصراع فإن الحوار والتفاوض ينبغي أن لا يكونا النافذة الخلفية لتمرير هذه الحسابات الخطيرة التي تعبر في مضمونها عن تطلعات حقيقية لدول أجنبية وشرائح اجتماعية وطنية عديدة وإن ظل بعضها خارج دائرة الصراع العسكري المباشر. - في الحوار يجب أن تسقط كافة اعتبارات وحسابات ومصالح بعض الأطراف القبلية التي انخرطت في القتال إلى جانب عناصر التمرد الحوثية لاعتبارات مصلحية فشلت في تحقيقها بالوسائل العسكرية وتريد فرضها عن طريق التفاوض. - ينبغي الحرص الشديد على أن لا تتحول عملية التفاوض والمعالجات السلمية عند البعض من الرموز والقوى الاجتماعية القبلية والسياسية إلى وسيلة جديدة بديلة للحرب لمزاولة مهنة الارتزاق والمتاجرة بقضايا الوطن وإشكالاته، صحيح أن الوطن بحاجة إلى الأمن والاستقرار والسلام في محافظة (صعدة) و(حرف سفيان)، ولكن هذا لا يعني أن تتحول العملية السلمية إلى مصادر جديدة للمتاجرة وجني الأرباح والمكاسب المادية في يد تجار الحروب وتجار السياسة، وإذا ما نجح أمراء وتجار ومرتزقة حروب (صعدة) المختلفة من ارتداء أقنعة رسل السلام، وتغيير شعاراتهم ووسائل وأساليب مهنتهم، وتمكنوا من تحويل أنفسهم إلى أمراء وتجار ووسطاء سلام كما عُهد عنهم باستمرار، فإن العملية السلمية لن ترى النور، ويمكنهم إجهاضها أو وأدها في مهدها، كما أن الإمكانات والموارد المالية الضخمة المسخرة من قبل الدولة والمجتمع لتطبيع الأوضاع ومعالجة إشكالات المواطنين والنازحين وتعويضاتهم، وكذلك الموارد المخصصة لإعادة الإعمار وتنمية المحافظة والنهوض بمستوى حياة سكانها، ستجد لها قنوات غير شرعية كثيرة توجهها لتصب في جيوب وأرصدة هؤلاء، على حساب حقوق المواطنين وتوسيع دائرة معاناتهم، وفشل جهود الدولة في تحقيق رسالتها ومهمتها السلمية وتنمية المحافظة وإعادة إعمارها، وهذا كفيل بأن يكون سبباً كافياً لفشل العملية السلمية وتجدد الصراع والتمردات المسلحة مجدداً وإن كان بشكل محدود وأقل حدة عن سابقه. [c1]------------------------------* نقلا عن صحيفة (الرياض)[/c]
|
مقالات
صعدة.. بعد أن صمتت المدافع
أخبار متعلقة