قصة
الوقت ظهراً وهي تتخبط من دائرة إلى دائرة ومن مركز شرطة إلى مركز أخر تبحث عن ولدها التي فقدته منذ زمن لا تدري ما الذي جرى له وصلتها أخبار من هنا وهناك قالوا لها أن ابنك في السجن وانه متهم بالسرقة فتشت عليه في كل السجون سألت عليه دقت أبواب السجون امراه وحيدة لا تعرف شيء قالوا لها انه في إحدى السجون لكن لم تره طلب منها إحضار محامي للدفاع عنه. بدأت الخيوط تتضح أمامها هو عامل في إحدى المحلات لبيع السيارات عامل مثل كثير غيره من العمال جاء من قريته يبحث عن رزق له ولأسرته الفقيرة التي تركها هناك في قريته مع أبيه المقعد في المنزل وأمه وإخوانه الصغار بعد أن شحت الأمطار. اليوم عرف أبويه أن ابنهم في احد السجون تركت الأم كل شيء الاب المقعد وأبنائها الصغار ورحلت تبحث عنه في المدينة شدت أمتعتها للرحيل. هي لا تعرف أحد في المدينة. المدينة كبيرة ظلت تبحث عنه وجدته اخيرا بعد أن ضريت شرقا وغربا لن تحصل على جواب شافي من المحكمة قالوا لها احضري محامي للدفاع عن ابنك هي لا تعرف شيء عما يقال لها محامي دفاع خرجت من المحكمة لا تعرف إلى أين تتجه تخبطت من مكان إلى أخر. امرأة وحيدة ريفية في هذه المدينة طافت أرجا المدينة تبحث عن محامي لم تجد من يدلها على طريق. الشمس بدأت بالافول وقواها بدأ يضعف لا تعرف شيء في هذه المدينة التي تمتد إلى الأفق البعيد. اتجهت إلى اقرب مكتب محامي لتضع قضيتها امامه قال لها كم تدفعين اولا . البرد بدأ يتسرب إلى جسمها وشمس كانون غابت. الليل سرمدي بدا الخناق يشتد أمامها لم تجد من يؤويها في هذا الليل الذي افتقدت فيه الصاحب والولد زمن غير الزمن التي تعرفه باتت ليلتها تفكر في أمرين ابنها التي لم تره ورب الأسرة القعيد في البيت هو وأطفالها الصغار، لم تفكر بنفسها كامراة وحيدة في هذه المدينة المحملة بالصخب وقطاع الطرق واللصوص كان الشارع مفتوحاً أمامها والبرد بدا يتسلل إلى جسهما. في ركن إحدى المنازل باتت ليلتها تحرق نفسها بين برد الطبيعة القارس وقسوة البشر، تكورت في ثيابها وأصبحت ككره مطاطية لم تهتم بالكلاب الضالة والحيوانات البشرية المفترسة. دعت الله أن يحفظها من كل مكروه، كان الله معها. بدأ الليل بإرخاء ظلمته على المدينة ليجعلها هدفاً سهلا بهذه المدينة الموحشة. ما هي إلا لحظة حتى التقطتها يد حانية عطفت عليها وأعانتها في محنتها قالت : بعد أن حمدت الله : أن الله لا يضيع احد كانت قد عرفت اين يقبع ولدها وفي الصباح الباكر كانت أول الحضور إلى المحكمة نظرت يمينا وشمالا لم تجد ابنها ذرفت دمعه ساخنة. المحكمة تكتظ بأصحاب الشنطات الملونة وأناس لا تعرفهم وهناك جندي واقف حامل سلاحه الشخصي وشعره منكوش وذقنه لم تعرف الموس من زمن بعيد وجندي بعيد كان يتأمل القادمين. يحمل باليد الأخرى سلسلة حديدة يمنع كل من يقترب منه وكأنه واقف على باب جهنم عيونه كالشرر تقذف نارا تتسلل المرأة لم يشعر بها احد. القادمون إلى الداخل يحتلون حيز كبير من الكراسي وأصواتهم غير منضمة تعلوا وتنخفض كأنك في سوق جمله رجل يربط حماره أمام باب المحكمة ويحدث جلجلة بصوته الأجش والناس لأهم لهم سوى انتظار وصول الحاكم !! أخر يحمل فوق ظهره طفل يسيل الدم من رأسه يبحث عمن يسعفه في هذا الصباح الباكر. سيارة مسرعة صدمته في الشارع وفر سائقها مسرعا تأخذ المرأة جانبا أخر ينفك الستار على مجموعة من المسجونين تندفع المرأة وتخترق الحاجز الأمني تحتضن ولدها فتهيج المحكمة، الجندي الذي أمام البوابة الرئيسية وقف كمسمار ينخر في خشب مهتريء تقافز بقية الجند يمينا وشمالا ارتفع صوت المرأة بالنحيب اختلط الحابل بالنابل في المحكمة انتزعوا ابنها من بين أحضانها واقفل الباب. هدأت المحكمة قليلا إلا من صوت الحمار الذي اخذ حريته بأمان في الخارج لا زالت المرأة تنظر إلى ابنها من بين القضبان الحديدية، صاح الحاكم.. محكمة !! الجند لا يزالون على الأبواب بأسلحتهم. تقافز الجند اخذوا أماكنهم منتظرين أمر الحاكم للذهاب إلى مواطن إحضار من يراه ساخنا في هذه اللحظة الحاكم: أنت يا حرمة أين قضيتك ؟ تسمع جلجلة ولا ترى طحنا !! المرأة " لا تسمع شيء مططأ رأسها إلى الأسفل رجل يقوم مسرعا يقف بجانب المرأة لا تخافي يا أمي تكلمي مع الحاكم ؟! المرأة ترفع رأسها لكن حيث يمكث ابنها. الحاكم: أين المحامي حقك ؟ قفزت المرأة إلى قفص الاتهام قالت: ربيته أحسن تربية ابني ليس بسارق أين غريمه ؟ سنه لم اعرف عن ابني شيء تقطع كل الأصوات القادمة. تطوع احد المحامين في قضية المرأة اخذ يدرس القضية عادت المرأة الى البيت التي حضنتها بدأت القضية تتضح أمام المحامي وان القضية منظورة أمام المحكمة. لكن؟ باتت ليلتها مهمومة لم تذق طعام أو نوم، النقود نفذت منها وحيلتها أنهدت وهي لا تعرف ماذا تعمل المحامي الذي اخذ قضيتها قال لها: أن الحاكم قد طلب مبلغ من المال حتى يطلق ولدها. لم تجد شيء فكرت برب الأسرة القعيد في المنزل مع أولادها الصغار صاحب القضية الأساسية لم يظهر والنيابة تشعبت أبوابها والحاكم لأهم له سوى القبض !! القضية اتضحت والغريم لم يظهر كل هذه المدة المحامي أصر هذه المرة على النطق بالحكم. النيابة تطالب بالمتهم الأول الذي هو رأس القضية ، وصاحب الحق يقال انه يرسل من ينوبه أصر المحامي على احظار المتهم الاول الذي هو محور القضية . النيابة بين المد والجزر لا بد من تأجيل القضية لجلسة قادمة تنفض الجلسة ويعود الصخب الى المحكمة . اليوم الجلسة الاخيرة عرض المحامي الاوراق على الحاكم طلب الحاكم من النيابة المتهم الاول وصاحب القضية المباشر اقبل احد الاشخاص يجري الى الداخل يحمل ملابس ملطخة بالدماء ينظر الحاكم الى الملابس ويهز رأسه معلنا ان المتهم الاول قد توفى بحادث مروري تهدأ المحكمة سكت الحاكم وراح يتأمل القضية التي امامه اصر المحامي على النطق بالحكم بدأت المحكمة بالصخب لا تسمع الداعي من المجيب . اصبحت المرأة لا تقوى على شيء دعت المولى القدير ان يعينها على محنتها اصر المحامي على المداولة بعد ان اتضحت القضية امام الحاكم وان السرقة لن تحصل في المحل ولم يعلم هذا الذي امامكم عن الموضوع شيء ظلت المرأة تنتظر الحكم لكن الحاكم اصر على ارسال من يتقصى الحقيقة بشأن المتهم الاول يرفع الحاكم الجلسة للتداول . ظلت المرأة تنظر الى ولدها من خلف القضبان تنتظر الافراج عنه اخرجت دمعة ساخنة مسحتها بكم ثوبها لترفع يدها الى السماء انها يد التضرع ويأتي الفرج . لكن اين المبلغ المطلوب ؟ النيابة مصره على انه مجرم ولابد من اخذ جزائه والحاكم يريد النطق بالحكم تشعبت القضية همس الحاكم في اذن المحامي لابد من تطهير الولد المبلغ الذي طلبه الحاكم ليش برشوة وانما مجرد اتعاب او اجره كما يقال قال الحاكم : تؤجل القضية الى غدٍ عادت المرأة مكسورة الخاطر ماذا تعمل المطلوب منها لا يوجد . ليس باليد حيلة . مرت الايام والمرأة تنتظر الحكم الذي لا تعرف شيء عنه . امتدت اليها يد العون ونطق الحاكم بالحكم اليوم فقط ظهرت القضية قال الحاكم : 1- بما ان القضية بائنة امامكم يبرى المتهم الثاني ويطلق سراحه على ان يدفع غرامه ماليه للمحكمة . 2- احضار كفالة معتمدة الى المحكمة في حال الطلب تأملت المرأة يمينا وشمالا لم تجد من ينجدها اخرجت نهده . 3- بقية الاجراء غدا . عانقت المرأة ابنها من بين القضبان تقافز الجنود من كل مكان . عادت المحكمة الى الفوضى من جديد رفعت المرأة اكف التضرع مستعينة بالله ثم بالمحامي لكن قضية ابنها لا زالت معلقة بالغرامة المالية والكفالة . قالت مستعينة بالله : الصبر لا زالت الدنيا بخير لكنه زمن مجدب .