أسس المسجد الجامع بالقصبة في اشبيلية في اسبانيا ، “أبو يعقوب يوسف”، وارتفعت المئذنة في رشاقة مشرفة على سهول اشبيلية. ويزين كل جـدار مـن جـدران المئذنـة شـبكتان من المعينات البارزة تختلف في كل وجه من وجوهها، وتحتل المنطقة الوسطى بين الشبكتين أقواس متجاورة ومفصصة في غاية الروعة والجمال. وقد أمـر” أبـو يوسف” بصنع التفاحات الأربع المذهبة لتتوج المئذنة، ورفعت في السفود البارز بـأعلى قبة المئذنة، ثم أزيحت عنها الأغشية التي كانت تغطيها في احتفال حضره الحاكم وولـي عهـده النـاصر وجميع بنيه وأشياخ الموحدين والقاضي وأعيان المدينة، وذلك عام 1197م. فبهرت ببريقها ولألأتها عيون الحاضرين.ومن ساحة هذا المسجد كانت تتشعب كل طرق المدينة مؤدية إلى الأبواب المفتوحة بالأسوار، ومن العجيب حقا أن نرى اليوم بعض الطرق تحتفظ بتخطيطها القديم، إذ تمتد من طرف إلى آخر بالمدينة مارة بالمسجد.ولمـا سـقطت اشبيلية في يد “فرناندو الثالث” ملك قشتالة، تحول المسجد الجامع إلى كنيسة ماريـا، وظـل المسجد قائما على تلك الحال دون أن تصيب عمارته أضرار جسيمة، ومع ذلك فقـد أقيمـت به عدة مصليات، منها المصلى الملكي، وتلاحقت عليه بعد ذلك المصائب على أثـر الزلـزال، فـاضطر المجـلس الكنسـي باشبيلية إلـى اتخاذ قرار بهدمه وبناء كاتدرائية مكانه، وبالفعل هدم الجامع، ووضع حجر الأساس في البناء الجديد عام 804هـ/ 1402م، وقـد ظـل بهـو الجـامع -المعروف ببهو البرتقال- محتفظا بسلامته إلى حد كبير حتى تهدمت مجنبته الغربية عام 1026هـ/ 1618م.أمـا المئذنـة فقـد تحـولت بعـد سـقوط اشبيلية عـام 1246م. إلى برج للنواقيس ملحق بالكنيسـة ثـم سـقطت تفاحاتها الذهبية على أثر زلزال. ثم أزالت إحـدى الصـواعق الجـزء العلوي من المئذنة عام 1494م. كما سقط جزء آخر منهـا فـي زلـزال عـام 1504م. وأقام الأسبان مكان هذا الطابق العلوي طابقا جديدا من البناء عام 1567م، نصب في أعلاه عام 1568م ،تمثال من البرونز يدور مع الرياح، ومن هنا أطلق عليها اسم جيرالديو أو دوارة الهواء، وتحول هذا الاسم إلى جيرالدا وأصبح يطلق منذ أوائل القرن الثامن عشر على البرج بأكمله.