قصص من المأثور
قبل أكثر من ألف عام أنشأه القائد جوهر الصقلي بأمر من المعز لدين الله، الخليفة الفاطمي، ليؤدى دوره كمنارة للعلم للتعليم والبحث في علوم الدين والدنيا ، ويعد الجامع الأزهر رابع جامع أنشئ في مصر وأول جامع أقيم بمدينة القاهرة ، وتم وضع حجر الأساس له في 14 رمضان سنة 359 هجرية (971 م)، وتم بناؤه في سنتين ، وافتتح الجامع للصلاة لأول مرة في رمضان سنة 361 هجرية ، ولم يلبث أن تحول إلى جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والعصرية، ويجتمع فيها طلاب العلوم من كافة الأقطار ، ومع تعاقب الحكام على حكم مصر ظل الجامع الأزهر موضع رعاية ملوكها وسلاطينها وأمرائها، مما نجم عنه ضياع أكثر معالمه الفاطمية ، حتى أصبح بوضعه الحالي حصيلة إضافات من العمران ضمت إليه في أزمان متتابعة، فقد كان الأزهر أول ما أقيم يتكون من صحن المسجد الحالي المكشوف وبيت الصلاة المكشوف الذي كان يقع إلى شمال الصحن الحالي، وكان له جانبان أيمن وأيسر وفيهما مبان، فكان في كل من الجانبين الأيمن والأيسر ثلاثة أروقة ، ثم توالت الإضافات والزيادات وأضيفت للمبنى أروقة جديدة حتى أصبح الأزهر اليوم متحفا للفن الإسلامي في مصر.والجامع في شكله الحاضر بناء فسيح يقوم على أرض مساحتها 12000 متر مربع يحيط به سور مربع الشكل تقريبا وبه ثمانية أبواب، وله خمس مآذن مختلفة الطراز لأنها بنيت في عصور متفاوتة. وكان للأزهر عشرة محاريب أزيل أربعة منها وبقى الآن ستة منها تتفاوت في الجمال والإتقان المعماري ، وللأزهر ثلاث قباب أجملها وأكبرها تلك التي تقوم فوق المدرسة الجوهرية، ويزين الجامع الأزهر 380 عمودا من الرخام الجميل.وعلاوة على دوره الديني كان للأزهر دوره وتأثيره في مجريات الأحداث السياسية التي مرت بمصر ، فمنه كانت تنطلق المظاهرات المنددة بالاحتلال والعدوان، سواء في مصر أو البلاد الإسلامية، ولا تزال السلطات حتى الآن تحسب الحساب لانطلاق هذه الهبات.وطوال تاريخه كان لشهر رمضان في الجامع الأزهر طابع خاص، حيث كان الحكام يتنافسون في إيقاف الأوقاف الكثيرة عليه. ولعب الجامع دورا مهما في التعليم وكفالة الأيتام وتحفيظ القرآن، وكانت تصرف فيه مبالغ كبيرة على طلاب العلم، عرفت باسم «الجراية». وفي رمضان كانت أيام البهجة تعم الشهر كله، فقد كان يصرف لطلابه «الكساوى»، وكان يصرف للطفل قميص وجبّة وطاقية وقبقاب (حذاء من الخشب)، وفي بعض الأوقاف كان يستزاد من الخيرات في ذلك الشهر الكريم، وكان يصرف أيضا لأسرة الطالب الأطعمة والكساوى. وفي وقت الإفطار كانت كميات الطعام تزداد بشكل أكثر اتقانا، وتزداد كمية «الثريد» والحلوى، وفي نهاية الشهر كان يصرف للطلبة ما يشبه كعك العيد والمكسرات والتمر ، وكان الأزهر يتلألأ في شهر رمضان ويسبح بالأنوار المبهرة، وفيه كانت تزداد كمية الشموع المضاءة والزيت اللازم لإضاءة القناديل وكان لهذه الزيادة حساب في الأوقاف الموقوفة في شهر رمضان. وكانت القناديل تتناثر في أرجاء المسجد من وقت الإفطار حتى السحور في مدخل المسجد والصحن ورواق القبلة الذي يجلس فيه الطلبة والمتعبدون يتلون القرآن والتواشيح حتى صلاة الفجر ، وعلى مآذن الأزهر كان المؤذن يصعد ويبدأ في تلاوة التواشيح والتسابيح حتى وقت آذان الفجر، وكان هذا يتم يوميا في شهر رمضان. وحاليا نجد مائدة الرحمن التي تقام في الجامع الأزهر، في محاولة للتواصل مع تلك المظاهر العريقة، ويقصدها كثير من المصرين والسائحين الذين يأتون لزيارة المسجد باعتباره أثرا إسلاميا عظيما، ومنارة للعلم والعبادة.