قراءة في الوضع الحالي والمستقبلي للسكان في اليمن
عرض/ بشير الحزميأوضحت دراسة حديثة عن السكان والتنمية في اليمن وتحديات المستقبل صدرت عن الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان أن بلادنا قد دخلت مرحلة جديدة في النمو والحراك السكاني منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي تميز بالارتفاع التدريجي لمعدل النمو السكاني وبروز ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن وغيرها من التغيرات في الأوضاع السكانية، فقد ارتفع معدل النمو السكاني السنوي من حوالي 2 % في بداية السبعينيات ليبلغ هذا المعدل أعلى مستوى له في منتصف التسعينيات بلغ 3.7% حسب نتائج التعداد السكاني الذي أجري عام 1994م كما دخلت اليمن للفترة نفسها ضمن قائمة الدول التي تحتضن المدن المليونية، حيث بلغ تعداد سكان مدينة صنعاء مليون نسمة في عام 1995م.وأشارت الدراسة إلى أن هذه المؤشرات والمستجدات الحاصلة للأوضاع السكانية وغيرها قد فرضت نفسها على بساط البحث العلمي والدراسة وكذلك على الجهات المعنية بجوانب التخطيط والتنمية، التي تنبهت لهذه المستجدات السكانية وأهمية معالجتها بما يساعد على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقد بذلت جهود في جانب التدخلات والمعالجات للقضايا السكانية وتوجت تلك الجهود بتبني الحكومة اليمنية سياسة وطنية عام 1991م تسعى إلى إيجاد نوع من التوازن بين النمو السكاني من جهة والموارد المتاحة والمنظورة للبلاد ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى. وذلك من خلال خفض معدل النمو السكاني وتحسين مؤشرات الخصائص السكانية المكتسبة: التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في تحسين مستوى المعيشة للسكان بشكل عام.ولفتت الدراسة إلى أن تناول الوضع الحالي للسكان واتجاهات نموه المستقبلية وآثاره على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية يحتل أهمية بالغة لدى القيادات والمخططين والمهتمين بقضايا السكان والتنمية بشكل عام وخاصة في البلدان النامية التي تعاني أكثر من غيرها من ارتفاع معدل النمو السكاني ومنها بلادنا.[c1]تطور حجم السكان[/c]وبينت الدراسة أن التقديرات المتوفرة حول تطور حجم سكان اليمن خلال الفترة “1950 - 2004م” تشير إلى أن حجم السكان كان يبلغ 4.3 مليون نسمة عام 1950م وأن هذا العدد قد شهد زيادة سريعة وخاصة من فترة السبعينيات وبذلك فقد زاد عدد السكان خلال فترة 54 عاماً ليصل إلى 19.7 مليون نسمة أي بزيادة قدرها 15.4 مليون نسمة أي أن حجم السكان قد تضاعف ما يقارب خمس مرات بالمقارنة بما كان عليه عام 1950م وهو عدد كبير بالمقارنة مع إمكانات البلاد ومواردها المتاحة والمنظورة ويرجع هذا النمو السكاني السريع بالأساس إلى استمرار نمط الخصوبة في مستوى مرتفع للمرأة اليمنية أي متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة خلال فترة حياتها الإنجابية “15 - 49 سنة” مقابل انخفاض نسبي في معدلات الوفيات منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وكنتيجة لما شهدته البلاد من تطورات اقتصادية واجتماعية وتوفر بعض الخدمات الصحية والتحسن النسبي في مستوى المعيشة، كما يتضح من خلال تتبعنا لتطور معدل الزيادة الطبيعية للسكان.[c1]معدل الزيادة الطبيعية للسكان[/c]وذكرت الدراسة بأن معدل الزيادة الطبيعية في اليمن قد أرتفع بشكل كبير ما بين 1975م و2004م حيث زاد من 1.8 % عام 1975م إلى أعلى مستوى له في منتصف التسعينيات حيث بلغ 3.7 % حسب تعداد 1994م، ويعود ذلك إلى استمرار بقاء معدل الولادات في مستوى مرتفع حوالي 47 ولادة حية لكل ألف من السكان عام 1975م ليبقى في نفس المستوى تقريباً حتى بداية التسعينيات، مقابل انخفاض ملموس في معدل الوفيات من حوالي 29 حالة وفاة لكل ألف من السكان عام 1975م إلى 11 حالة وفاة عام 1994م ثم بدأ معدل الزيادة الطبيعية في الانخفاض النسبي ليصل إلى 3 % عام 2004م ويعود سبب اتجاه معدل الزيادة الطبيعية نحو الانخفاض في الفترة الأخيرة إلى بدء الانخفاض ولو بشكل طفيف في معدل المواليد من 47 مولوداً حياً لكل ألف من السكان في بداية التسعينيات إلى 37.7 مولود عام 2004م.ولفتت الدراسة إلى أنه رغم اتجاه معدل الزيادة نحو الانخفاض وكذلك معدل الولادات إلا أن اليمن لا تزال من الدول ذات النمو السكاني المرتفع بالمقارنة مع العديد من الدول العربية والنامية الأمر الذي يشير إلى ضرورة مضاعفة الجهود في مجال العمل السكاني لرفع الوعي بأهمية تخفيض الخصوبة خلال الفترة القادمة كون الزيادة السكانية المطلقة ستظل مرتفعة خلال فترة الخمسة عشرة سنة القادمة حتى وأن شهد معدل الولادات انخفاضاً نسبياً في الوقت الحاضر والمستقبل وذلك بسبب كبر حجم فئة الأطفال والشباب الذين يدخلون في سن الإنجاب.[c1]معدل وفيات الأطفال الرضع[/c]وأوضحت الدراسة أن معدل وفيات الأطفال الرضع في اليمن يعتبر من المعدلات العالية جداً بالمقارنة مع العديد من الدول على مستوى العالم ودول المنطقة حيث بلغ هذا المعدل حوالي 69.2 حالة وفاة لكل ألف مولود حي في السنة في اليمن مقابل 18.6 حالة وفاة لكل ألف في السنة في سوريا و 36.9 حالة وفاة في مصر وقد ينخفض هذا المعدل إلى أقل من 10 وفيات لكل ألف مولود حي في الدول المتقدمة، من هنا تتبين الهوة الكبيرة بين معدل الوفيات في أوساط هذه الفئة من السكان بين بلادنا والبلدان الأخرى، والواقع أن معدل وفيات الأطفال بشكل عام ووفيات الأطفال الرضع المرتفعة يعود كما تبينه العديد من الدراسات والأبحاث العلمية إلى العديد من الأسباب من أهمها: نمط الولادات السائد في المجتمع حيث يرتفع هذا المعدل عندما يكون معدل الولادات مرتفعاً وتكون الولادة متعاقبة في فترات زمنية قصيرة بين مولود ولآخر بالنسبة للأم وكذلك يرتبط بالمستوى الثقافي والتعليمي للأم حيث ينخفض لدى الأمهات المتعلمات ويرتفع لدى الأمهات الأميات وكذلك يرتفع في أوساط الأسر الفقيرة وفي المجتمعات التي لا تتوفر لديها الخدمات الأساسية وبالذات الصحية منها.[c1]معدل وفيات الأطفال الأقل من خمس سنوات[/c]وأشارت الدراسة إلى أن معدل وفيات الأطفال الأقل من خمس سنوات في اليمن يبلغ حوالي 95 حالة وفاة لكل ألف مولود حي، وهو معدل مرتفع بالمقارنة مع العديد من الدول حيث نجد هذا المعدل في مصر وسوريا يبلغ “42” “21.5” لكل ألف مولود حي على التوالي ما يشير إلى تدني مستوى الخدمات الصحية والمعيشية في اليمن، حيث يعتبر هذا المعدل محصلة للعديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية كما هو الحال في معدل وفيات الأطفال الرضع.وهو ما يحتاج إلى بذل جهد أكبر لتحسين الظروف الصحية والمعيشية لهذه الفئة السكانية.[c1]معدل وفيات الأمهات[/c]وذكرت الدراسة أن معدل وفيات الأمهات في اليمن بلغ 365 حالة وفاة أم لكل مائة ألف مولود حي بينما نجدها في مصر 84 حالة وفاة وفي سوريا 160 حالة وفاة.وأفادت الدراسة أن ارتفاع وفيات الأمهات في أي مجتمع ومنها اليمن يعود إلى أسباب عديدة: صحية واجتماعية وثقافية واقتصادية ويرتبط ارتفاع هذا المعدل بشكل ملحوظ بارتفاع متوسط عدد المواليد الذي تنجبهم المرأة خلال فترة حياتها الإنجابية “15 - 49 سنة” كما يرتفع في أوساط الأمهات اللاتي ينجبن في سن مبكرة قبل بلوغهن 18 سنة، وبشكل متكرر ومتقارب من دون فواصل زمنية كافية بين كل مولود آخر وكذلك في أوساط الأمهات اللاتي ينجبن في سن متأخرة بعد عمر 35 سنة، بالإضافة إلى عدم توفر الخدمات الصحية وبالذات خدمات الصحة الإنجابية، حيث تعتبر رعاية الأمهات أثناء الحمل والولادة وما بعد الولادة من أهم العوامل التي يمكن أن تخفض من معدل وفيات الأمهات والأطفال بشكل عام .وهنا يلعب وعي الأسرة والمجتمع دوراً مهماً وكبيراً في طلب الخدمة والاستفادة من الخدمات المتوفرة في الوقت المناسب قبل حصول المضاعفات الخطيرة التي تهدد حياة الأم.[c1]معدل الخصوبة الكلية[/c]وأشارت الدراسة إلى أن من أهم المؤشرات التي تبين الأوضاع السكانية هو معدل الخصوبة الكلية وهو متغير أساسي من المتغيرات السكانية التي تؤثر على حاضر ومستقبل الأوضاع السكانية لأي بلد وفي بلادنا فأن معدل الخصوبة يعتبر من المعدلات العالية إن لم يكن الأعلى على مستوى دول المنطقة بل ودول العالم، حيث بلغ هذا المعدل 6 مواليد بالمتوسط للمرأة في اليمن مقابل 3.2 مولود في مصر، 3.5 في سوريا و4.8 مولود في السودان وهذا يعكس مدى انخفاض الوعي الصحي لدى الأزواج وضعف الاهتمام بالصحة الإنجابية بما في ذلك تدني نسبة النساء اللاتي يستخدمن وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة والتي لا تتعدى 23 % من إجمالي النساء في سن الإنجاب شاملاً ذلك الوسائل التقليدية، ولا تزيد نسبة من يستخدمن الوسائل الحديثة على 14 % فقط “مسح صحة الأسر 2003م” وهذا المعدل منخفض إذا ما تم مقارنته مع العديد من الدول ومنها الدول العربية حيث يتراوح معدل استخدام وسائل تنظيم في أغلب البلدان العربية بين 45 % ٪65 في أوساط النساء المتزوجات في سن الإنجاب وهذا ما يجعل اليمن من أكثر دول المنطقة المرشحة لاستمرار النمو السكاني بشكل كبير حتى وإن بدأ معدل الخصوبة في الانخفاض في الفترة القليلة الماضية وإمكانية استمرار ذلك في المستقبل حيث من المؤكد أن انخفاض هذا المعدل يتم بشكل بطيء وخاصة في المجتمعات التي لا تزال الأمية فيها منتشرة بين النساء بشكل كبير ولا تتوفر فيها خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسر بدرجة كافية كما هو الحال في اليمن في الوقت الحالي.[c1]التقديرات المستقبلية للسكان[/c]وأكدت الدراسة أن التقديرات لحجم السكان وخصائصهم تعتبر من أهم الطرق العلمية المعتمدة في التخطيط التنموي ورسم السياسات المستقبلية الهادفة إلى تقدير الاحتياجات وتوفير الموارد اللازمة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وأوضحت أنه قد تم اعتماد ثلاثة افتراضات لاتجاهات معدل الخصوبة البشرية في الفترة التي تغطيها هذه الإسقاطات السكانية، والتي وضعت من قبل خبراء متخصصين في العمل السكاني وبالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وتم عمل تقدير للسكان في ضوء الافتراضات التالية:ثبات معدل الخصوبة الحالي ويسمى البديل الأول 6 مواليد بالمتوسط للمرأة خلال السنوات القادمة.تقديرات الأمم المتحدة الخاصة باليمن ويسمى البديل المتوسط “الثاني” وينخفض فيه معدل الخصوبة إلى 3.3 مولود للمرأة في إطار التقديرات لدول العالم.خفض معدل الخصوبة من 6 مواليد للمرأة إلى 3.3 مولود عام 2025م ويستمر بالانخفاض ليصل إلى معدل الإحلال 2.1 مولود لكل امرأة عام 2035م بما يحقق أهداف السياسة الوطنية للسكان.[c1]تقديرات إجمالي السكان [/c]وأشارت الدراسة إلى أنه في إطار الافتراضات السابقة ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة بأن حجم السكان سيزيد في جميع الافتراضات ولكن بأرقام مختلفة، حيث سيصل سكان اليمن إلى 61 مليون نسمة بحلول عام 2035م طبقاً لافتراض ثبات الخصوبة، وسيصل إجمالي السكان إلى 43 مليون نسمة طبقاً لافتراض انخفاض الخصوبة البديل الثالث إلى 3.3 مولود لكل امرأة بحلول 2025م إلى 2.1 مولود لكل امرأة عام 2035م.أما البديل المتوسط والمتمثل في انخفاض الخصوبة إلى 3.3 مولود عام 2025م وثبات هذا المعدل حتى نهاية الفترة فسوف يصل عدد السكان إلى 46 مليون نسمة.وأشارت إلى الفرق الكبير بين الافتراضين الأول والثالث والذي يصل إلى 18 مليون نسمة في حالة ثبات الخصوبة والذي سينعكس على كل مجالات الحياة.