مع الأحداث
العنوان ليس بجديد، ولا مفردة مستوردة من لغات أخرى كما أنه ليس شظية نيزك أتى من مجاهل الفضاء الخارجي، إلا أن اختلاط التيه مع القهر، يولد معنى يدلل على شعور يمتزج فيه الضياع مع القرف والاشمئزاز من أقنعة سقطت، وبان المستور وتأكد المكشوف، الوجه الحقيقي للاسترزاق والتدجين. هذه المشاعر أيضا ليست بمستحدثة، إلا أن المرعب والمثير للغثيان، اعتلاء السلبية الفكرية المنابر وقمع الحناجر العالية، لإثبات نظرية الخداع الذاتي، بأن العالم سيكف عن الدوران لو توقف برهة تألق نجم بعينه.تراجعت القضية لتحتل الورقة المالية المركز الأول، بعد أن استباحوا نخوة الكلمة، فرفعنا الحرف سيفاً، أرادوها حروفاً من صدأ تآكل حديدها ونارها وكتبوا شعارهم الجديد “كم تدفع.. لكي أناضل بسيفك ولو كان خشبيا”!.هذه هي مآساة الكثير من جهابذة العقل “الثوري” وأتباعهم، وغاب التدبير والتقدير، فمن لا يُشترى هو المنبوذ والمبعد، ومن يبحث عن دور تدور حوله الشبهات ودوائر تضيق لإقصائه عن قصد.. إذن هي المركزية واستبعاد كل من لا يدور في فلك المحسوبية. ويل لشعبٍ صغار الأكتاف يتولون مهمة التسفيه والتحقير، وويل لقضية آخر هم مفكريها إنقاذها من التهاوي في أحضان بطاقات مدفوعة الأجر مسبقا، ومن يتصدر المحافل والجاهز لكل مناسبة ولكل مقام مقاله حسب الطلب، هو المبدع المعطاء. أما الآخر الذي يعمل بصمت لا يرجو جزاء ولا شكوراُ، الزائد والعالة على أصحاب النظارة السوداء، حتى لا يظهر سوءاتهم ولا تعريهم أفعالهم، والمنافسة عندهم أن يلغوا بكل ما أتوا من قوة، وجود الآخر ورأيه ودوره. لا تلتقي بأي منهم إلا ويستخف بالآخر، وأناته المحظية المكتسبة تلغي سيبويه متصدراً عرش من ظلال لكي يخلفه، متجاهلاً أن البحر يتجدد بالموج لافظاً مخلفات كانت كائنات حية ولها وظيفتها في زمن انقضى وولّى جراء الصخب والضجيج المفتعل. أما المخلص الحقيقي انزوى وأرهقته ترهات وهرطقات أقزام لم يرتفعوا فوق سطح الانفجارات الكلامية قيد أنملة!. أضاعوا القيم الجمالية العظيمة التي وهبها الله لعباده، ولولاها لمَا استمرت الحياة وأضاءت الوطن المظلم بالأمل والعطاء دون مقابل، ومنحت للمسيرة الدفع القوي للأمام، فالمصداقية والإخلاص والحب والوفاء للانتماء كلها تبني الهوية الوطنية للإنسان وليس المشروع التجاري على حسابه. أنات الجراح تشهد على ملامح التعب لغرباء يرفضون عوالم السباحة في تضخيم الأنا وصناعة المجد الدائر في ملكوت الشِّللية ومجالس الانعزاليين عن مفهوم العمل الجماعي اليقظ والنشط والإيجابي..هكذا هم يا دنيا، وهذه هي الملهاة والمهزلة في ظل واقع وطن يئن من كثرة الطعنات، يميناً ويساراً، جنوباً وشمالاً، والجميع تائه في حلقة مغلقة.. مفرغة حتى إشعار آخر.الكل ضد الكل والكل تحت مشرحة التقييم، ولا أحد مستثنى بل على العكس تماما من يتقاضى الأجر هو المحظي ومن الخاصة، ومن يعمل بجد وتفان من الرعاع والغوغائيين - حسب مقاييس النخوبية- المسلطة على رقاب الشعب المقهور، وسدنة بلاط سلاطين المال وتجار الأوطان هي الحكم والقاضي والجلاد. لا يكفي أن ننزع الحجاب المنمق والمزركش عن وجوه شاهت، ولا يكفي أن نطلق زفراتنا المعبئة ببخار ضبابية المواقف، فالأهم اكتشاف الكذب البراق الواهي، وبكل موسم تسقط الأوراق، وتبقى الجذور الأصيلة في منبت صالح لا يشوبها الاسترزاق ولا تضعف من صلابة عودها، نفوس مستعبدة..أضاعوا أنفسهم قبل أن يتظاهروا بزيف أقوالهم، وتكلف أفعالهم المأجورة لحساب هذا أو ذاك، ومن يبحث عن دور في عملية إعادة البناء، لا كمن تسري في عروقه طبائع الاستملاك ورغبة المنفعة.ما يكفي أن المعرفة الحقة أساس التقويم العملي، وأن هؤلاء المتحولين المتلونين يتغيرون بفعل عوامل التعرية، وأصحاب المبادئ القابضين على ثوابتهم، الباقون والمستمرون لأجل قضية مقدسة عادلة لم يلوثهم التوظيف المادي، ولن يثني من عزائمهم أفكار دخيلة تذهب أدراج الرياح، كلما شاخت أشرعة السفن المبحرة نحو الأفول. لكم ما تشاؤون، ودورة الحياة مستمرة، لتأتي بقوم ودم جديد أنقى وأصفى، يميز بين من صنع الأحداث، ويفرز من سخرها لمكاسب شخصية، فالعيون ترى والآذان تسمع والصغير يكبر ويتعظ من تجارب من مروا ورحلوا، ويعلو الغثاء وينتشر الزبد عالياً ثم يتلاشى. تباًً لكم جميعاً معشر من ترون بالآخر عدواً يكشف أوراقاً اختبأت وراءها زور النوايا، ويسقطكم من قافلة العبور، طالما بقيتم أنتم النخبة المزعومة، فتنتهون من حيث يبدأ النضال الحقيقي لا قشرة ثورة يتذرع بها صغار الأكتاف أمام فداحة الفضيحة. الله أكبر على من رسم مواضع الكلمات، وعلى من حارب بسيف وقصائد عنترة طائرات تقتل الأطفال وتذبحنا من الوريد إلى الوريد بذرائع لا تنتهي.. وعلى من يرى نصف الكأس فارغة جوفاء، ويظن أننا بلغنا المراد!. دعونا من أساطير لم تعد تجدي نفعاً، ولم تعد تبل العروق وتذهب بظمأ من ينتظرنا، هناك على السفوح والجبال المنسية في قواميس المفردات الهجينة، فلتصلهم رسالة الحق والحقيقة، أن الأرض لمن يقاتل من أجلها، لا من أجل من يرسمها بحروف وخطوط ويبعثر أوراقه في عالم أثيري، ولسان حاله يقول إنا ننتظر أن تنقظونا من شر أنفسنا، وتحيوا فينا صحوة ضمير!. صوت يلملم أشلاء أحزانه، يجمع حطام الركام من جلال التضحيات، وفي حضرة معنى الفداء بالعمل لا بالمراثي والتباكي على أطلال أنصاب وأزلام متحف الظل العالي.هم أضاعونا وبكم نجد ضالتنا وهدايتنا، نفخر أننا امتداد لكم، لا لهؤلاء المتشدقين الغارقين في أوهام جمهورية الأنا السخيفة، فمدوا بيننا الجسور وامنحنونا بعض صبركم وصمودكم، لنواصل تعبيد درب ثمره الصبر والصبّار وحصاده التحرر من عبودية الذات إلى تحرير الوطن.