مع الأحداث
الصحيفة المطبوعة التي جلست على عرشها لعدة قرون منذ اخترع جوتنبرغ المطبعة الأولى في منتصف القرن الخامس عشر والتي كانت تمثل ثورة المعلومات الأولى، لم تتعرض لأي تحديات تذكر إلا مع ظهور الصحافة الإلكترونية لأول مرة في نهاية القرن العشرون، لتشكل بذلك ظاهرة إعلامية جديدة استطاعت بفضل ارتباطها المباشر بعصر ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وتطورها الهائل نتيجة التقنيات الحديثة وانتشار المعلومات بسرعة فائقة أن تعبر القارات وتتخطى الحدود لتفتح بذلك نافذة لآفاق متنوعة وعديدة وأكتسبت أهمية بالغة في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي جميع نواحي الحياة حيث أصبحت المعلومة مفتوحة للجميع والإستفادة من خلالها لكل ما نريد معرفته وبالطريقة التي نرغبها سواء كانت مكتوبة أو مرئية أو مسموعة ويتم تقديم الخبر « طازجا » حتى قبل أن يتمكن عمال المطابع من صفه وتجهيزه للطباعة.ولكن هل من الممكن أن تحل الصحافة الإلكترونية يوماً بديلاً عن الصحافة المطبوعة أو منافساً لها ؟!. البعض يرى أن الصحافة الورقية صحافة بالمعنى العلمي والواقعي للكلمة وأن الصحفي يواجه المصاعب و يتفاعل مع مشاعره ويبرز إبداعاته بينما الصحافة الإلكترونية مجرد وسيلة للنشر وجمع النصوص والمقالات والأخبار والصور ويؤكدون إن دراسات السوق توضح أن الكثير من المواقع الالكترونية الخدمية والتجارية لازالت تتجه إلى الصحف والمجلات المطبوعة للإعلان عن نفسها للوصول إلى مستخدمين جدد لأن المعلن لا يزال يشعر بعدم الثقة في الصحافة الإلكترونية كما أن الكثير منها عبارة عن نسخة كربونية للصحيفة المطبوعة وبذلك لا تضيف أي جديد و مصطلح “ الصحافة الالكترونية” لايزال بعيداً عن صحافتنا.بالمقابل يرى آخرون أن الصحافة الإلكترونية لها جماهيرها وشعبيتها وهي في ازدياد مطرد لأنها تصل إلى قرائها ليس فقط عن طريق أكشاك البيع بل عن طريق الإنترنت الذي غزا العالم من أقصاه إلى أقصاه لنقل هموم أوطانهم وآرائهم فيها رغم المسافات البعيدة التي يقربها لهم الانترنت بسرعة وسهولة تداول البيانات و بفارق كبير عن الصحافة الورقية التي يجب أن تقوم بانتظارها حتى صباح اليوم التالي.. كما أن سقف الحرية فيه أعلى نسبياً من الصحافة المكتوبة والتي تعني القمة في التعبير عن حرية الرأي بعيدا عن مقص الرقيب وقوانين المطبوعات والنشر التي تقوم بالعادة بتعديل المقالات لأكثر من مرة حتى يكون وفقاً لسياسة الصحيفة ولا حاجة لترخيص من وزارة الإعلام ولا بإذن توزيع أو رخصة مطبعة . فهل نقول وداعا للحبر أم سيبقى عرش الصحافة المكتوبة، ويظل صامداً ولن تهزه انتشار الصحافة الإلكترونية؟ هذا العرش الذي لم تهزه كل الثورات الإعلامية التكنولوجية التي عاصرت حياته الطويلة كالراديو والتلفزيون وستظل الصحافة المكتوبة تحقق نفس الدرجة من الزخم والحيوية والحدثية ولن تستطيع الصحافة الإلكترونية أن تعمل أي تغيير جذري يذكر في وضع الصحافة لأن نسبة عدد مستخدمي الإنترنت العرب لا زال متواضعاً قياسا إلى العدد الإجمالي للسكان في الوطن العربي وذلك بسبب وجود ضعف في البنية الأساسية لشبكات الاتصالات إضافة إلى بعض العوائق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وعدم وضوح مستقبل الصحافة الإلكترونية أمام الناشرين العرب.في الأخير لعلنا متفقون أن الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية كل منهما يكمل الآخروليس هناك صراع بينهما ولهما مكانتهما الرائدة ولكل منها دوره المعبر في إعطاء الرؤية السليمة للقضايا والأحداث المحلية والعالمية والالتزام الموضوعي بالحقائق ورفض الإعلام الفاسد إعلام التكفير والفتاوى ذلك الإعلام الذي لا يهتم بالمستقبل السعيد بل بالصراخ والشتائم والشعارات الارتجالية وإثارة العواطف الدينية والدنيوية .