غضون
* أرسل لي الشيخ أنيس الحبيشي رسالة قصيرة إلى هاتفي مضمونها أن ابن تيمية قال: إن العلماء «أجمعوا» على تحريم البش في وجه اليهودي أو النصراني أو الكافر، وعدم تهنئتهم لأن المسلم أمر بإهانتهم واحتقارهم! وتساءل: ترى أين إذن تعايش الأديان الموهوم عند الإسلام السلفي؟ وهذا بالنظر إلى أن سلفيين بمن فيهم الذين يتقمصون دور المعتدل والمتنور، يتكلمون عن حوار الأديان وعن حقوق «أهل الذمة»!والأمر يا شيخ أنيس عند هؤلاء يمتد إلى المواطن المسلم غير المتعبد بتراث ابن تيمية وحراس هذا التراث.. فعلى سبيل المثال أفتى أكبر حملة ذلك التراث في دولة مجاورة بأنه بالنسبة «للمستوطن المشرك» أي المواطن الشيعي في ذلك البلد الذي يبلغ عدد المواطنين الشيعة فيه أكثر من مليوني مواطن، لا يجوز للمسلم (السني على مذهب السلفية) مؤاكلته ولا تزويجه أو التزوج من بناته ولا الأكل من ذبائحهم، وعليه ألا يبش في وجهه ولا يسلم عليه، بل إذا لقيه لابد أن يغلظ له القول.* ولما قيل له: يا سماحة الشيخ إذا كان هؤلاء مستوطنين مشركين فلماذا لم تحاربهم الدولة وتقمعهم، وما رأي الشرع في قيام هذه الدولة بتعيين عدد منهم في وظائف عامة؟أجاب سماحته: إن ولي الأمر يقدر - والله أعلم - أن عدم محاربتهم وقمعهم فيه مصلحة دنيوية، ويرى كذلك مصلحة في توظيف بعضهم في جهاز الدولة، وولي الأمر يقوم بذلك حسب تقديرات يرى أن فيها مصلحة عامة، وعلينا أن لا نعصي ولي الأمر، لكن بالنسبة لنا كمسلمين علينا أن نتمسك في سلوكنا بما أمرنا به الدين.. لا نؤاكلهم ولا نصاهرهم ولا نأكل من لحوم ذبائحهم وأن نغلظ لهم القول ولا نسلم عليهم.. واعلم أيها السائل أنه لا يجوز للواحد منا قتال المستوطن المشرك (المواطن الشيعي في الدولة إياها) لأن ولي الأمر لم يفعل ذلك ولم يأمرنا به لتقديرات يراها هو، فعلينا النزول عند رأيه وأن نكتفي بما أمرنا به الدين و«أجمع» عليه علماؤنا، وهو كما ذكرت!!.* وهذا الموقف تجاه المسلم غير الوهابي هو السائد والذي يقول به كل السلفيين في السعودية واليمن وغيرهما، وإنما فصلت ما ورد في تلك الفتوى لأن صاحبها هو أكبرهم اليوم ويتولى المنصب الديني الأول في تلك الدولة أو المملكة، وأجزم أن من قتل إخوتنا الشيعة في الجوف أمس هو صاحبهم ويستندون في تحديد العلاقة بين المسلمين في المجتمع وبين المسلمين وغيرهم إلى قول ابن تيمية وأمثاله وإلى ما يسمونه «الإجماع».. بشر يقررون أحكاماً باسم الله والدين.. ويشهرون في وجوه الناس «إجماع العلماء» بينما في كل عصر ومصر منذ زمن الرسول وحتى اليوم لا يوجد «إجماع» على مسألة واحدة صغيرة أو كبيرة.من الأمور الجيدة التي استقرت في الدول الإسلامية المعاصرة أن الحكام و «ولي الأمر» لا يأخذون بآراء أولئك في تقرير العلاقة بين الدولة ومواطنيها وعلاقة المواطن بالمواطن، وكذلك في علاقة الدولة الإسلامية بدولة أخرى أو المجتمع الدولي.. وإلا لخربت الدنيا.. فهذه علاقات تنظم بقواعد دستورية وقوانين مدنية وليس بأقوال أولئك المتعصبين وفقهاء الحرب والبداوة.