الأغنية اليمنية بين فكين!!
تكررت الشكوى من ظاهرة ( السرقات) التي لحقت بالأغنية اليمنية من قبل فنانين قدماء وجدد، كباراً وصغاراً .. يقطنون داخل دول الجزيرة العربية والخليج العربي.. وتتركز هذه الشكوى التي تبلغ احياناً حد الصراخ والتباكي على مصير وهوية الاغنية اليمنية ، وخاصة تلك الاغنية الاصيلة منها، على عدم الاشارة الى أصل الاغنية ، موطنها، كاتبها ، ملحنها .. عندما يقوم اولئك الفنانون الخليجيون وغيرهم بأداء تلك الاغاني .. كما تتركز الشكوى ايضاً على تجرؤ بعض هؤلاء الفنانين الى نسب هذه الاغنيات والألحان اليهم!وهذه الشكوى التي دائماً مايعلنها كتاب ونقاد ومهتمون يمنيون حريصون على الاغنية اليمنية الغنية والثرية ، في الوقت الذي تحمل في طياتها الكثير من الحق والكثير من الصدق والحرص ايضاً .. الا انها وفي الوقت نفسه وبسبب من النفس العاطفي الذي يقف خلفها، وضيق الافق المحكومة به .. نجدها او نجدهم ، اي اصحاب هذه الشكوى ، يتجاهلون أو يجهلون الابعاد الطيبة الاخرى التي يقدمها الفنانون غير اليمنيين في الجزيرة والخليج للأغنية اليمنية .. والتي تتمثل في الآتي:* اسهام هؤلاء الفنانين الخليجيين المحلوظ في ذيوع الاغنية اليمنية.. حيث لا اعتقد بوجود من ينكر دور بعض فناني الجزيرة والخليج ، ولا اقول كلهم ، في اخراج الاغنية اليمنية بصورة جديدة محببة ومقبولة لدى المتلقين في الشارع اليمني والعربي.* ادخال جمل موسيقية حية ومتحركة تواكب لغة العصر وتلبي المتغير المقبول لدى اذن المستمع الجديد، وذلك من خلال الآلات الحديثة والتوزيع الجديد المتطور المتبع في اعادة تقديم الكثير من الاغنيات اليمنية بها.* اسهام غير مباشر في اعادة توثيق الاغنية اليمنية، وتربية وجدان واسع على نمطها واسلوبها المتميز.* اثبات حقيقة قدرة الاغنية اليمنية على البقاء والاستمرار بنفس العطاء والحيوية التي كانت عليه منذ عهود طويلة مضت .. وهي خاصية تنفرد بها الاغنية اليمنية القديمة والاصيلة.وهذا الاسهام الذي لايمكن انكاره لبعض فناني الخليج والجزيرة العربية، قد ظل بعيداً عن الاذهان والاقلام لفترة للسبب الذي سبق وان اشرنا اليه .. واعتقد انه لكي نكون منطقيين ومحقين في تناولنا للأغنية اليمنية وحالات السطو الجارية عليها من قبل هؤلاء الفنانين ان لانغفل عن دورهم الايجابي الاخر.وانا هنا لا ادافع عن حالات السرقة هذه، او احاول تجاوزها بطريقة ذر الرماد على العيون.. وانما احاول ان اجد نظرة جديدة ومنصفة لهذه الحالة..ففي الوقت الذي نقر، بسبب عدم الاشارة الى كاتب الكلمات وواضع اللحن وموطن الاغنية، ان هذه سرقة ويجب ان يتنزه عنها الفنان الحقيقي .. في الوقت نفسه ، حتى وان وجدت هذه التجاوزات غير المقبولة ، يجب علينا ان لانقع في نفس المطب على الاقل نحن ابناء هذا التراث الغنائي الكبير .. وان نشير الى الحقائق كاملة ودونما انتقاص وفي هذا الجانب، وعليه تظل مسألة قيام الفنانين في الجزيرة والخليج بنسب الاغاني اليمنية التي يقومون بغنائها وباعادة توزيعها دون الاشارة الى أصل الاغنية ، امر يتنافي واخلاق الفنان ورسالته .. وبهذا فان استمرار هذه العملية تظل مشكلة تواجه الاغنية اليمنية، ولابد من اعادة حقوقها اليها ! وهذا هو الفك الاول الذي عنينا في العنوان.[c1]التراث .. وانصاف الفنانين!! [/c]اما الفك الثاني الذي تقع فيه الاغنية اليمنية التراثية الاصيلة فانه يأتيها من الداخل ، اي من داخل حركة الفن والفنانين في اليمن.. وهو فك ، او مشكلة تضاهي ان لم تفق المشكلة الاولى في الضرر والإساءة للأغنية اليمنية .. والغريب ان هذه المشكلة قد ظلت ولازالت بمأمن من المواجهة والكشف!!إذ تواجه الاغنية التراثية اليمنية سيل من الطعنات يوجهها بعض الفنانين ، وانصاف الموهوبين من داخل اليمن نفسه.. فنجد طابوراً طويلاً من ( المتفننين) المبتدئين لايجدون وهم يحاولون ان يجعلوا من أنفسهم فنانين، غير الاغنية اليمنية الاصيلة فيواصلون قتلها وتمييعها وافقادها حلاوتها وقوتها .. وذلك اما بسبب جهلهم بها او لأنعدام الموهبة الحقيقية عندهم!!والغريب ، بل والاغرب من كل ذلك.. اننا نجد انصاف فنانين من هذا النوع تحصلوا على الوسائط التي تنشرهم ، اكان عبر الاشرطة او عبر الاذاعة والتلفزيون.. وهم لايمتلكون رصيداً في الفن والغناء غير التقليد القاتل للأغنية اليمنية القديمة ، اي انهم باختصار يضرون الاغنية اكثر مما يفيدونها .. وعليه فان صلب المواجهة التي نبتغي من ورائها الحفاظ علي تراثنا الغنائي من التشوه والتراجع، لابد ان تصب في وجه هؤلاء ( المتغنيين) المحليين اولاً ، والذين يشكلون فكاً ضخماً ومخيفاً يحاصر الاغنية اليمنية ويمنع عنها افق التطور والاستمرار الى الافضل..ومامن شك في ان اثارة الشكوى لنابع من الحرص على الاغنية اليمنية، تأسيساً على ماتقدم يجب ايضاً ان لاينصب على شكل السرقات وحدها وانما لابد ان يشمل ايضاً اوجه القتل المباشر والصريح لها من قبل فنانين مبتدئين وغير مجيدين داخل الوطن اليمني.. لان كليهما يصبان في نفس المجرى هذا ، ان لم يكن الشكل الثاني هو اكبر خطورة واساءة للأغنية!!ان محاولتنا الإشارة الى هذين الفكين اللذين اضرا بهذا الشكل او ذاك بالاغنية اليمنية، وبعد توضيح مبلغ ضرر كل واحد منهما عليها، وكيفية النظر الى كل على حده.. تبقى مسألة هامة يتحتم العمل بها حفاظاً على تراثنا الغنائي اليمني وحمايته من اي ضياع او تشوه .. وهي لابد اولاً من تقييم اوضاع القائمين على وسائط الاعلام من اذاعة وتلفزيون وصحافة وذلك من خلال وضع الانسان المناسب في المكان المناسب.. اي بمعنى وجود مبدعين لا موظفين، مهمتهم تسهيل وتوصيل الابداع الجاد والمتمكن الى المستمع ، وذلك تجاوزاً للحالة القائمة في وسائط الاعلام التي كما يبدو مما تقدمه جهلها بالمادة الغنائية الصالحة من غيرها، وانعدام مقاييس العطاء الفني الصحيح عندها ... فنجد مثلاً ( متفننين ) وجدوا طريقاً سهلاً للنفوذ الى آذان الناس عبر تلك الوسائط دون ان يحمل هؤلاء الفنانون المبتدئون للاغنية والمستمع الا التقليد الدائم والمستمر.. وهو تقليد في معظمه لايرتقي الى مستوى الفن الغنائي المطلوب وحسب ، بل انه يواصل بذلك وأد زخم الاغنية اليمنية وتغريب نفسها الجميل والمبدع.كما وانه لمواجهة هذه الوضعية التي تعاني منها الاغنية اليمنية ، لابد من اعادة توثيق الاغنية وتوسيع دائرة نشرها بحيث تتجاوز اطار الوطن كله.. وهذا طبعاً لن يكون الا بوجود من هم قادرون على رأس وسائط الاعلام والنشر..