منبر التراث
[c1]ظاهرة ثقافية صحية[/c]أمام سوق العيدروس في عدن القديمة ( كريتر ) أو بجانب مسجد النور في الشيخ عثمان ، يفترش عدد من الباعة يعرضون على المارة الغذاء الفكري والروحي , نقصد بالغذاء الفكري والروحي هو الكتاب الذي يخاطب العقل والقلب معاً ، ويعطي للحياة معنى وهدفاً ، والحقيقة أن الأعم الأغلب منها كتبًا قيمة تحمل في ثنايا صفحاتها موضوعات جادة ورصينة تستحق قراءاتها وهناك أيضاً كتب للنشء جيدة تعمل على توسيع مداركهم ونضوج مشاعرهم . وعندما أذهب إلى أماكن باعة الكتب المفترشين جزءاً من الرصيف أشعر بالسعادة والغبطة الكبيرين لكونهم يمثلون ظاهرة ثقافية صحية بكل معنى لهذه الكلمة , وكم اقتنيت عدداً من الكتب الرائعة بأسعار زهيدة كانت مرجعًا رئيساً في أبحاثي . ولكن هؤلاء الباعة يتعرضون بصورة شبه دائمة إلى مطاردة البلدية لهم ، لمنعهم بيع الكتب على الأرصفة ، والكثير من هؤلاء الباعة تصادر كتبهم بطريقة غير لائقة ، ولا تخرج إلا بعد طلوع الروح .[c1]يستحقون الاحترام والتقدير[/c]والحقيقة إن هؤلاء الباعة يستحقون منا الاحترام والتقدير الكبيرين والعمل على تشجيعهم وليس على مطاردتهم بتلك الصورة القاسية الذي يتعامل معها أصحاب البلدية في مديرية صيرة أو في مديرية الشيخ عثمان ، كأن هؤلاء الباعة يبيعون أشياء محرمة وخطيرة على المجتمع يجب القضاء عليها قضاءاً مبرمًا ، في الوقت الذي نرى بأعيننا ونلمس بأيدينا كيف يفترش باعة القات الرصيف بل أنهم يسدون الطريق في عز الظهر شارع حي الحسين ولا يحرك بعض العاملين في البلدية ساكناً ، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد . [c1]الكتاب والنشء[/c]وما أحوجنا إلى نشر الثقافة الخيرة بمختلف الوسائل والطرق بين الجمهور والمجتمع بعد أن احتلت القنوات الفضائية مساحة واسعة بين جيلنا ، وزاحمت الكتاب بشكل خطير فأثرت تأثيرًا سلبيًا على غرس مبادئ القراءة في النفوس الناشئين فصار الكتاب من الكماليات في حياة هؤلاء النشء والجيل الجديد وصار هناك - مع الأسف العميق - فجوة واسعة بين الكتاب والمجتمع بسبب الهجمة الشرسة من قِبل القنوات الفضائية التي أصبحت من كثرتها وكثافتها تسد عين الشمس وحتى لا يجرفنا الحديث عن القنوات الفضائية ودورها الخطير على حياة مجتمعنا الثقافي ، نعود مرة أخرى إلى موضوعنا ، وهو أن بعض من هؤلاء الباعة اختاروا بيع الكتب لكونهم يدركون بحسهم ومشاعرهم أنها غاية في الأهمية للناس حيث تثقفهم وتفتح لهم مدارك واسعة من العلم والمعرفة وأنها كذلك مهنة شريفة , والبعض الآخر توارث بيع الكتب عن آبائهم ولا يعرفون غير تلك المهنة الثقافية. [c1]إلى مديرتيي صيرة والشيخ عثمان [/c]والخلاصة ، أن بَاعة الكتب هؤلاء يمثلون أداة من أدوات نشر الثقافة والمعرفة بين مجتمعنا ، فلا يجب أن نقمعهم أو نطفأ جذوة نشاطهم . ونقترح على المسؤولين الذين يدركون بحسهم الثقافي أن الكتاب ضرورة مهمة مثله مثل الغذاء ، فإذا كان الغذاء ينمي الجسم ، فإن الكتاب غذاء الروح والفكر ينمي مدارك ومعارف الإنسان ، و يفتح له آفاق واسعة من المعرفة بلا حدود تعمل على دفع عجلة التقدم والازدهار في مختلف نواح الحياة في بلادنا . قلنا : نقترح على المسئولين أن يقيموا مكاناً خاصًا لهؤلاء الباعة يكون في وسط السوق أو بالقرب منه وبذلك نشجع باعة الكتب على مزاولة تلك المهنة الشريفة من ناحية و تشجيع مجتمعنا على تباين أعمارهم ، واختلاف مشاربهم الاجتماعية ، وتنوع حظوظهم الثقافية من ناحية أخرى على اقتناء الكتاب الذي يخاطب العقل والقلب ويرفع من إنسانية الإنسان . وأنني أكاد أجزم أن المسؤولين سواء في مديرتيي صيرة في عدن القديمة ( كريتر ) أو في الشيخ عثمان لديهم ذلك التفكير في جدول أعمالهم بهدف تنشيط الثقافة في مديرياتهم . فهل في الإمكان أن يخرج مقترحنا إلى حيز الوجود ؟ .