صـباح الخـير
الدعوة إلى انفتاح دول العالم على بعضها ، لم تكن دعوة بريئة بالمرة ، وقد كانت صيغة أولية للدعوة إلى العولمة أو العالمية من مفهوم ومنطلق مزدوج الأهداف والأبعاد والمقاصد عند مختلف الأطراف الدولية وأقطابها ، وإلى وقت قريب كان هناك شبه إجماع على منع التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد من قبل دول أخرى مهما كبر أو صغر شأنها ، إلا أنه بعد أن فقد العالم توازنه واتزانه عادت الدول الكبرى للغزو والاحتلال المباشر لبلدان أخرى .ما حصل في البلقان وأفغانستان والعراق من حروب تدميرية ، بعد الحرب المستديمة في فلسطين ، ما كان ليحدث لو لم تنسحب القوة المقاتلة من ساحة المواجهة ، وحقيقة إن هناك رغبة عالمية في قطع الطريق على قيام حروب عالمية جديدة وأن مشاكل العالم يمكن حلها بالطرق السلمية والديمقراطية ، لكن الرأسمالية المهيمنة على العالم لا تستطيع البقاء والعيش إلا على جماجم الآخرين وفي أي مكان من العالم ، فهي دوماً تفتعل المشاكل والأزمات في كل بلدان العالم، بعد الانفتاح الذي تحقق لها ،الذي مكنها من اختراق كل دول العالم بوسائلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والدفاعية وغيرها .وهي بمنهجها هذا تغذي الانقسامات الداخلية في كل بلد لتضرب طرف بآخر ليسهل لها استثمار رأس مالها ونهب ثروات هذه البلدان وابقائها ضعيفة منهكة تتأكل فيما بينها ، وتستخدم مايسمى بمساعدات لتغذية هذه الصراعات الهامشية والثانوية ، وهي تعمل تحت مبدأها القديم "فرق فيما بينهم تبقى سيداًَ عليهم" فهي تستغل الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية ، وليس آخراً الحزبية ، وحتى تحت لافتة الحرية والديمقراطية .يحصل هذا اليوم في بلدان العالم للأسف الشديد ، ورغم أن التغيير والتجديد والتطور والتقدم نزعة ذاتية فطرية عند الشعوب إلاّ أن الدول الاستعمارية مازالت تمارس الوصاية والهيمنة والسيطرة والإملاء على شعوب هذه الدول كما هو الحال في دول أمريكا اللاتينية ودول أخرى في العالم .وما أحوج دول العالم اليوم إلى الحرية والسيادة والاستغلالية وبناء ذاتها بما ينسجم بمصالحها اليوم وغداً ، مهما كانت التباينات والاختلافات الداخلية ، وهذا لن يتأتى إلاّ إذا وحدت الناس في السلطة والمعارضة ، مصالحهم وحاجاتهم وأهدافهم وحقوقهم المشتركة بعدل وإنصاف ؛ بعيداً عن الإقصاء والابعاد لطرف ، وبعيداً عن العنف والتعسف ، وإهمال الآخرين ، فهذه وحدها تتيح للآخرين من خارج الحدود التدخل في شؤوننا الداخلية ، وبدونها لايمكن ذلك .